سنتر سنار” السير العشوائي.. حركة في كل اتجاه

سنار? محمد عبد الباقي

من نافلة القول، إن المجتمعات البشرية تتجه في مسارها العام نحو المدنية بصورها المختلفة، ولهذا كلما خطا المجتمع خطوة إلى الأمام لامس تلابيب الوعي والرقي والامتياز الاجتماعي الذي هو نتاج الانصهار بين الأجيال في ثوب المدينة التي تتوفر فيها سبل الحياة والعيش وفق ضوابط وأعراف قامت على أنقاض الثقافة البدوية أو الريفية بصورة عامة، فأصبحت قانوناً سلوكياً يطبقه كل فرد في مجتمع المدينة بصرامة. والسير نحو المدنية لا يتأتى من فراغ بل يحتاج لوسائل وإمكانيات إن لم تتوفر يحدث العكس تماماً، فتنقل العادات والتقاليد والنظم الريفية والبدوية للمدينة فتتريف، وهذا ما حدث بالضبط في مدينة سنار التي صارت مسخاً تحمل ملامح القرية بفوضويتها واتساخها واكتظاظها كما يظهر بجلاء في طرقاتها التي من شدة افتقارها للانضباط، سُمي أعرقها بشارع (المليون بليد) دلالةً على فوضويته وعدم انضباطه.

*اسم من وحي السخرية الريفية !

وشارع (المليون بليد) صار معروفاً شعبياً باسمه الذي ينطقه المواطنون هنالك بتلذذ لما جُبلوا عليه من سخريه استمدها الكثيرون منهم من بيئتهم الريفية التي تحفل بمثل هذه الأسماء المطابقة للواقع المعاش، لأن الإنسان الريفي دائماً يريد أن تكون الأشياء من حوله مطابقة للواقع الذي يعيش فيه فهو لا يستخدم العقل، وكذلك يجهل المنطق والحوار لأن مجتمعه لا مجال فيه للجدال أو النقاش كحال كل المجتمعات الريفية التي يعيش أفرادها حياة الخشونة، ولذا تنعدم فيها الديمقراطية المرهونة بالحياة المرنة في المدن، فإما هنالك فالحياة تطابق ما يحدث في العسكرية التي يلتزم فيها الفرد بالتعليمات ولا يبدي رؤية مخالفة. وقد امتلأت سنار بالذين جاءوا من المناطق الريفية النائية، فاستوطنوا في الضواحي الأهلية الشعبية التي أصبحت امتداداً للمدينة وليس جزءاً منها لأنها ? الضواحي- تفتقر لمواصفات الأحياء المدنية، وبالتالي أصبحت عبارة عن قرى تقع في نطاق المدينة ولا تحتكم بنظمها وقوانينها بل تستمد قوانينها من البيئات التي قدم منها هؤلاء السكان الجدد الذين تطغي على سماتهم الانفلات السلوكي والأنانية والرغبات الذاتية، كتلك التي تدفع الشخص لعبور الطريق أمام الشارة الحمراء أو السير بحماره في وسط طريق السيارات المسرعة، مما يتسبب في عدد من الحوادث المميتة أو يقوم بعرض بضاعته على الرصيف المخصص للمشاة مسبباً زحاماً لا حاجة له.

*طريق بشهادة تسنين..!

والتسمية الشعبية الجديدة رغم أنها دالة على عدم رقي السلوك الاجتماعي إلا أن البعض تقبلها لأنها مطابقة للحقيقة الماثلة على حسب إفادة (مبارك عطرون) الذي يعمل بجوار الشارع المذكور ولا يتذكر اسمه القديم قبل تسميته بشارع (المليون بليد)، لكنه أكد أن التسمية لازالت متداولة في نطاق ضيق ولم يكتب لها الانتشار بعد إلا أن عدم انتشارها في الوقت الحالي لا يعني أنها ستظل محصورة في نطاقها الضيق فلابد أن يأتي اليوم الذي يصبح فيه شارع المليون بليد بسنار أشهر من شارع المليون بليد بكسلا، ومن الآخر المعروف وسط سوق القضارف. لعدة أسباب أهمها أن المواطن السناري ساخر بطبعه، فيمكن أن يصب هذه السخرية على التسمية مما يتيح لها فرصة كبيرة في الانتشار والرواج، والتسمية رغم عمق الظُرف فيها ودلالتها الساخرة، لكنها في الواقع تطابق الحقيقة الماثلة، فالشاعر المذكورة بلغت فيه الفوضوية التنظيمية حداً يجعل الزائر الجديد للمنطقة يحتاج لمن يدله على الاتجاهات طيلت ساعات النهار.

# باعة على الرصيف

عن الأسباب التي أدت لطمس الاسم القديم لشارع الذي لا يستطيع أحد أن يتذكره اليوم وتحوله لشارع المليون بليد، يقول الأستاذ (هارون عيسى)، المعلم بمرحلة الأساس، إن العقدين الماضيين شهدا توسعاً في الأسواق وقيام أسواق في كل الأحياء وتمددت الأسواق الجديدة بدعم من السلطات المحلية التي أصبحت تسمح بالعرض وبالبيع على الرصيف للكافة السلع وبأسعار زهيدة، وتطور الأمر قليلاً حتى أصبحت هنالك عدة أسواق على رصيف الشارع من الجانبين، وكثر عدد المشترين وحدث الاكتظاظ، فصار السير فيه عسيراً جداً، فأطلق عليه اسم شارع (المليون بليد) الذي يعرف به اليوم، ولو لم يتم تدارك الأمر وإعادة تنظيم السوق ليصبح هنالك أكثر من شارع لمليون بليد داخل سوق سنار الكبير. خاصة بعد افتتاح الكبري والاتجاه لتخطيط أحياء وأسواق جديدة داخل وخارج المدينة لتستوعب حركة المركبات والناس الذي يستغلون الكبري الجديد.

اليوم التالي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..