كيف نحمي دعاة الخيارين؟ا

كيف نحمي دعاة الخيارين؟
فيصل محمد صالح
ليس غريبا أن ينقسم الناس حول موضوع الوحدة والانفصال، فطالما هما خياران فمن الطبيعي أن يجد كل خيار بعض الأنصار، كثروا أم قلوا. ومن الطبيعي أيضا، طبقا للظروف والمتغيرات أن يتقدم خيار على خيار آخر، ويصبح هو خيار الأغلبية. ومن المهم أن تتم تهيئة الأجواء ليجري الاستفتاء في أجواء نظيفة بقدر الإمكان، وأن تتاح لكل الذين يحق لهم التصويت بيئة آمنة يستفهم فيها عن الخيارات المتاحة وماذا تعني، وماذا سيترتب عليها، ثم يتخذ قراره بحرية كاملة.
ووفقا لقانون الاستفتاء، ودستور السودان الانتقالي لعام 2005، واتفاقية السلام الشامل، فإن من حق أنصار الخيارين، الوحدة والانفصال، أن يجدوا الفرصة في أجهزة الإعلام ليعبروا عن وجهة نظرهم، وتلزم هذه النصوص حتى أجهزة الإعلام المملوكة للدولة بإتاحة الفرصة للجميع. ولكن هذا لا يحدث على أرض الواقع، فأجهزة الإعلام الحكومية في الخرطوم وباقي الشمال لا تتيح الخيار لأنصار الانفصال لتوصيل وجهة نظرهم، كما أن أجهزة الإعلام الموجودة في الجنوب، وبالذات جوبا، تركز على خيار الانفصال، بما في ذلك تليفزيون جنوب السودان الحكومي. بل أكثر من ذلك، فإن السلطة التنفيذية تتدخل بفرض خيار على الآخر بمختلف الوسائل والأساليب. وقد قرأت في موقع “سودان تريبيون” الإليكتروني تصريحاً للسيد قيديون شولر محافظ وولو في ولاية البحيرات يحذر الذين يدعون للوحدة بأنهم “سيدفعون الثمن”، ويمضي المحافظ ليقول إنه سيستخدم كل الوسائل ضد الذين يدعون لبقاء الجنوب ضمن دولة سودانية موحدة”. والمحافظ ليس معزولاً عن السلطة السياسية في الجنوب، بل هو أحد قيادات الحركة الشعبية لتحرير السودان التي تتولى الحكم في الجنوب.
إلى جانب ذلك تكثر المقالات التي تستكثر على أنصار أحد الخيارين التعبير عن رأيهم، وتعتبر ذلك تطاولاً أو استهدافاً وأحيانا خيانة، ومثل هذه اللغة تصنع مدخلا للعنف، فما مصير الخائن في عرف الكثيرين؟
المشكلة ليست في الموقف، أعني موقف المحافظ، فقد عرفنا موقف الحركة الشعبية على كل مستوياتها، وموقف المحافظ ليس بجديد، لكن الجديد هو اللغة والأسلوب والتهديد باستخدام وسائل السلطة ضد أحد الخيارات، سواء كان الوحدة أو الانفصال.
الجديد أيضا، والمدهش، هو اختفاء أدبيات الحركة الشعبية من ساحة النقاش، فالخطاب السائد الآن على صفحات الصحف، ومن بينها صحيفتنا هذه، هو نفس الخطاب الذي كان سائداً قبل ظهور الحركة الشعبية لتحرير السودان عام 1983 ، وأعني خطاب القوميين الجنوبيين الذي يصنف الصراع على أساس شمال جنوب، وفيه يصطف كل الجنوبيون في موقف ضد كل الشماليين. وهذا الخطاب قديم ومؤسس؛ وله أنصاره، ولكن بدا لفترة من الزمن أن خطاب الحركة الشعبية الذي أعاد تفسير الصراع على أساس جديد، وطرح تصوراً جديداً لاصطفاف جبهات النزاع، ومن ثم حدد هدفاً نهائياً مختلفاً، هو الخطاب السائد والفائز.
الواضح الآن أن هذا الخطاب لم يكن عميقاً بما يكفي في بنية الحركة الشعبية وفي اعتقاد قياداتها، بدليل دفن الخطاب مع رفاة الزعيم جون قرنق، والعودة لتبني الخطاب القديم.
لكن يبقى طرح كل الخطابات والتصورات والرؤى حق ديمقراطي أصيل لكل الفئات، ومن الواجب تحصين هذا الحق بالقانون والدستور حتى لا يتغول عليه أحد.
الاخبار