الهوية .. الجدل .. الصراع والإنتماء ؟!؟

دراسة اعدها د.فائز إبراهيم سوميت
فيما سبق طرحه :
تناقشنا حول أمرالهوية وأوضحنا أن الهوية ليست عدة أوراق علمية تطرح فى تظاهرات سيلسية أو منتديات ثقافية ثم من بعد ذلك يتم تحليل الأوراق وعلى ضؤ ذلك يضحى أمر الهوية متعلقا بالتفريغ التحليلى لتلك الأوراق وما يترتب على ذلك من إجراءات .
وفى هذا المبخث :
الهوية العامة ليست مقولة مطلقة وليست معطى ثابتا :
لا يخفى على أحد أن معارك إرساء هوية لشعب ما , هي أعمق تجربة يمكن لمجتمع أن يخوضها من أجل تجاوز رواسب الماضي وأطر التقليد وآليات الاستلاب الفكري والهيمنة الإيديولوجية وإيجاد البديل الإجتماعى لكل تلك الرواسب ومخلفات الماضى التى قد تكون بغيضة فى كثير من الأحايين . فهى إذن إرادة إحلال نظام إجتماعى عادل محل الهيمنة الأولى تترسخ فيه مفاهيم جديدة وقيم إجتماعية علمية جديدة جادة مثل علاقة المواطن بالدولة مما يقودنا إلى مسألة العقد الإجتماعى لتأطير وتقنين هذه العلاقة حتى يعرف كل من المواطن والدولة حدود كل لكن على أرضية الواقع . وكل ما ننشده من حواراتنا حول الهوية هو إيجاد هوية سودانية عامة فاعلة ومتفاعلة مع ما ذاتها أو ماهيتها . ولايخفى على كل ذى بصيرة أن الهوية هى المعيار الأولي لتحديد طبيعة مجتمع ما , وسلوكيات مجتمع ما وخصوصيات شعب ما ثقافية دينية وطقوسية إلخ .. إنها الديباجية التى يحملها كل شعب له تاريخ وحضارة راسخة وقيم تليدة . وبغيابها يكون مجتمعنا قد كرس ذاتيا الاستلاب واللافاعلية واللامبالاة والهمجية فى كثير من جوانبها .
وفى ذات السياق , إذا كان المنظور الثقافوي يدافع عن الثقافة والإبداع والتراث والفنون كمنطلق وأهداف وزاويا نظر وأنماط سلوكية تعبر عن ذاتها فى شكل يشبه الأنوية والإبتزاز الثقافى ، فإنه كثيرا ما يغفل تداخل مجموعة عوامل في تدمير ثقافة ما أو نهوض هوية ثقافية فى محل الأخرى على زعم أن الهوية هى جماع التراث والفنون لوحدها . إلا أن الثقافي ليس وحده مؤسسا للهوية الوجود ” الجمعية ” ، مما يعني أن مناقشة إشكالية الهوية في المجتمع السودانى على إختلاف تشكلاته لا يبتعد عن طرح قضية التحرر من الجهل والفقر والتغيير الاجتماعيين والتنمية المستقلة المستدامة والعلاقة الثابتة أو التى ينبغى أن تكون هكذا ما بين الدولة والمواطن بإعتبار أن الدولة هى الكفبل الأول للمواطن وعلى المواطن أن يؤدى فروض الطاعة إلى هذا الكفيل دون إبتزاز سياسى أو إقتصادى أو إجتماعى . فمجتمع مركب كالمجتمع السودانى من أعراق متنوعة لا ينحل من الصراعات والهيمنة الإجتماعية إلا عن طريق البتحرر الكلى من قيود الماضى مع إستصحاب محاسنه . و تعطى على ذلك الأولوية للجانب الثقافي لكن ليس خصما على المعارك السياسية والاقتصادية والإجتماعية الأخرى . فمجتمع تآكلت بنيته الاجتماعية والاقتصادية بسبب التطاحن القبلى لن ينتج وعيا عقلانيا بما يدور من حوله من تطور وتقدم سياسى كان أم إجتماعى أو إقتصادى , ولذا فهو تجده على الدوام مشاكس ومقارع ومناطح لايهداء له بال , كل ذلك فى اللاشئ بسبب غياب الهوية الجمعية التى تمنحه الكثير من الهدوء والطمأنينة الذاتية مما يتيح له المجال فى أن يعى الأشياء من حوله دون إسقاط لعقله . تأجج المكبوت الديني والقهر والظلم الإجتماعيين التى نبعت من الأشكال المختلفة للأدارات الأهلية ? التى هى تنظيمية أكثر من كونها عدلية قانونية ? كما أن االظل الواهى للسلطة المركزية على الأرياف والقرى السودانية والواقع الإستغلالي الهيمني المتصالح مع نظام المركز لأسباب منها تقنين الهيمنة وأدوات القهر الإجتماعى , هذه الوضعية لا تنتج ثقافة بل بؤس وحرمان وتزمر وسخط شديدين والتى جميعها ساهمت بوعى أو غيره فى إذكاء الفتنة . إن معركة الهوية لن تنجز إلا داخل صيرورة إنجازات اقتصادية وعلاقة واضحة بين الدولة والمواطن , وتنمبة إجتماعية فاعلة ، وإلا سيكون مجتمعنا عرضة لعنصران متضادان أيديولوجيا وفكريا رغم تقاربهم فى الآونة الأخيرة لزوم التكتيك السياسى المرحلى : الأصولية الرافضة للعولمة ذات الإتجاه الواحد والقوى الأخرى المتمسحة بالليبرالية في شكل لاعقلاني لاهثة وراء الاندماج المطلق بالغرب . أى أن مسألة الهوية تقعد بين فكى الرحى : بين هوية أصولية لاتعترف إلا بالإسلام وثقافته ولغته كهوية جمعية وثقافية وتراثية وهى على إستعداد كامل للقضاء على أية فكر أو أيديولوجيا تقف أمام هذا الطرح الفكرى الأصولى , على الرغم من المرونة التى تبديها أحيانا الجماعات الأصولية عندنا فى السودان . كما أنه لم ولن يكون التوفيق بين الأصولية والليبرالية في شكل ما يسمى بالوسطية هو المخرج لأزمة الهوية فى السودان وإذا تواضعنا على ذلك فى لجنة الهوية داخل الحوار الوطنى سوف يبقى الأمر كأنما أركبنا الهوية السودانية حصان جامح دون سرج أو كابح الأمر الذى قد يعطل الكثير من المشاريع الإجتماعية والإقتصادية والسياسية فى المستقبل . لأن ذلك سيعيد إنتاج نفس ماضي الفكر التقليدى وإزدهار الطائفية , دون أدنى تلمس لمكمن الخلل وهو غياب المشروع النهضوى الإجتماعي المتكامل بقواه الفاعلة والذى يعتمد إعتمادا أصيلا على بناء الهوية والشخصية السودانية العاقلة .
وهذا من أمر المهددات الداخلية لأمر الهوية الجمعية السودانية رغم وجود الكثير من الثوابت للقيام بذلك , إلا أن هناك مهدد خارجى فعلى وقوى وذو أثر جبار على الثقافة والهوية والدين فى السودان وهى العولمة الثقافية التى إخترقت السودان بوحشية بل أثرت فى أغلب الجيل الجديد وسيطرت على عقوله بل جرفت الكثير منها .. كأنما قصد بها زحزحة هذا الجيل عن أصوله ومنابعه التراثية والثقافية والدينية وعن الكثير من قيمه الدينية السمحاء . مع أن هاته القيم قد سقطت بعد اجتياح الليبرالية المتوحشة كل أصقاع العالم . ومما يجدر بنا ذكره هنا يجب أن نعترف أن العولمة هي معركة ثقافية و اقتصادية ولغوية . فالبحث عن السوق لترويح البضائع لا يتم بمعزل عن تدمير الثقافات واللغات “المستضعفة فى الدولة النامية والفقيرة معا ، كما أن استثمار الرأسمال المالي يرتبط بتوظيف الرأسمال الرمزي في اتجاه العصبية والطائفية والحجاج أو الصراع الديني. مما يؤكد أن الاختراق الثقافي لنظام العولمة لن ينفصل عن تحديد الموقع داخل المنظومة الاقتصادية الكونية. فالعولمة، إذن، لا يمكن اختزالها في الثقافة بل هي استراتيجية معرفية-اقتصادية وسياسية. إنها نسق يلفظ كل من هو دونه أو يبتلعه وفق معدل الربح والربح وليس غيره فى عالم أحادى القطبية يحدد السوق ويوجد السعر وما يتبعه من أرباح وفوائد أرباح وخدمة الديون إلخ لنفسه . هناك مقوبة دوما ما يسوقه الثقافويين والأنثربولوجيين عندنا ( أعرض ثقافتك تعرف هويتك ) إلا أن الحقيقة معرفة الهوية ليس مجالها هو الثقافي فقط ، بل حتى السياسية والاقتصاد فالعولمة لها عدة أوجه منها الثقافى والإقتصادى والإعلامى إلخ . مما يعني أن الثقافي سيبقى لاحقا في الشروط الراهنة للمعرفة الاقتصادية. إذ أن هيمنة الرأسمالية المتوحشة سيزيد حتى من الإستلاب والاقتلاع الفكري والثقافي. معركة الهوية إذن ليست هي الثقافة بل هى الوجود الاجتماعي بكل مستوياته الحياتية . ويركز الكثيرون من رموز التيار الثقافوي تحليلاته على مسألة القيم والثقافة ، واضعا العولمة في إطار من العموميات ، معتمدا على تقريرات غربية تعتمد كثيرا على الثقافوى ، بعيدا عن الربط بين معركة الهوية والمعركة الاقتصادية ، وكأن تشييد صرح الثقافة للدول النامية فى العالم الثالث هو المدخل لكل تحرر اجتماعي وتاريخي وإقتصادى . وهنا أورد مقطعا من تقرير نادي روما ، حيث يقول التقرير : ( تشكل الهوية الثقافية على المستويين الوطني والدولي واحدة من أهم الحاجات النفسية غير المادية، ويمكن أن تكون مصدرا من مصادر الصراع المتزايد داخل المجتمعات وبين مجتمع وآخر? فنحن نواجه صراعا جديا في مجال القيم? ويوجد نوع من التحمل ولكن لا يوجد تقبل صاف أو ترحيب خالص بقيم الجنوب، ذلك لأنه لا يوجد جهد جاد لمحاولة فهمها ) المصدر : الهوية الثقافية بين الخصوصية وخطاب العولمة الهيمني , الخمسي عبد اللطيف ” : مصدر إلكترونى
مالذى يحملنى أن أجتهد وأن أفهم هوية ثقافية تعمل على إقتلاع كل الهوايا الثقافية والإبداعية وتنميطها فى هوية جمعية واحدة على المستوى الدولى وثانيا كيف تكون تلك الهوية الدولية الموحدة ملبية لحاجات نفسية لكثيرمن شعوب الجنوب كما جاء فى التقرير و خطاب العولمة الثقافى والسياسى وفى آخره العسكرى , يرفض كل تنازل لصالح ثقافات الشعوب غير الغربية ويعمل جادا فى الحفاظ على التراتبية الثقافية التي دافع عنها الأنثروبولوجي الاستعماري. لكن ما يهمنا، نحن كشعوب تابعة هو إقرار تحرر شامل يساهم في كسب رهان الهوية الثقافية خاصتنا الذي هو معركة صعبة تبداء من تأسيس الهوية العامة لدينا وليس مجرد نداء لرفض الوصاية الغربية. وليس من المعقول القول بأن آخر ملجإ للدول التابعة هو الثقافة كما جاء فى تقرير روما ..
فى المحور الأخير للدراسة : أين تتموقع الهوية السودانية وسط هذه الفلسفات

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..