الحرازة والمطر.. “ميثولوجيا” سودانويّة بانتظار التوثيق

تعد الأساطير أو الخرافات البدايات الأولى لما يُعرف بفن الحكايا الشعبية والتي أولدت بدورها فن القصة والرواية؛ فهي عامل مشترك في الفكر الإنساني.. والأسطورة عبارة عن سرد قصصي يهدف إلى تفسير الظواهر الطبيعية والأحداث والسلوكيات الإنسانية، وتتسم الحكايا الميثولوجية “دراسة علم الأساطير” بأنّها ذات طابع تعليمي وأخلاقي في قالب أدبي خاص تستخدم فيه تقنية الإسقاط والرمز، لمعالجة فكرة ما في قالب متنٍ حكائي؛ وتكون على لسان كل الموجودات، وأدنى صور هذه الخرافات أو الميثولوجيا أنّها تفسر ظواهر طبيعية كالأمطار والرياح وخلافه تفسيرًا ميتافيزيقيًا أسطوريًا بحسب عقائد الشعوب ونِحلها، أما أسمى صورها فتلك المتعلقة بتفسير السلوك الإنساني وطبيعة النفس البشرية.. وتزخر ثقافتنا السودانية بالعديد من الخرافات والميثولوجيا الغنيّة بالحكمة والمعالجة؛ ومن ذلك زواج “أبو القردان” أو خنفساء الروث من القمر، وكذلك أسطورة النداهة؛ فهي عند المصريين – بحسب موسوعة ويكيبيديا- امرأة جميلة جدًا تظهر في الليالي الظلماء في الحقول، لتنادي باسم شخص معين، فيقوم هذا الشخص مسحورًا ويتتبع النداء إلى أن يصل إليها ثم يجدونه ميّتا في اليوم التالي.. ولعلّها في الميثولوجيا السودانيّة تشبه “حمار النوم” حين يستيّقظ النائم ليمشي وكأن شخصًا ما يناديه بأن يتبعه؛ مع اختلاف عدم القتل هنا، وقريبة الشبه أيضًا بأسطورة “أب لمبة” وهو من الموروثات الشعبية القديمة ويظهر “أب لمبة” للسائرين في الخلاء ليلا حيث يتراءى لهم ضوء من بعيد، ومن ثمّ يغذون في السير أملا في الوصول إليه ويقضون ليلهم كله في المشي نحوه ولكن بلا جدوى إذ يظل يتباعد ويتباعد إلى أن تكتشف أنّك خدعت، وهناك أيضًا أسطورة الكمبلا والخسوف، والغول، والبعّاتي، وقصة التيتل والحاكم “كسو فور”، كما لا ننسى أنّ الميثولوجيا النوبيّة بسماتها المرتبطة بـ “اباداماك” و”أمون” و”نور”، غنيّة بالأساطير والحكايا وتحتاج إلى مجلدات كاملة لجمعها لفرط ثرائها وتشعبّاتها؛ التي تستحق الدراسة والتنقيب، وبعثها للمتلقي، كما أنّ من شأن الميثولوجيا النوبيّة أن تكون مرجعًا أساسيّاً يسلط الضوء على حقب طويلة من تاريخ السودان وإنسانه؛ فقديمًا غذّت ملاحم هوميروس وغيرها من القصص الميثولوجية الأخرى الأدب في عصور اليونان القديمة.. وانتهز هذه السانحة لدعوة جميع الباحثين والمهتمين لتسليط الضوء على أقاصيصنا الشعبية السودانية، وأهميّة جمعها في كتاب واحد، وتوظيفها عبر التعريب المتخصص في رفد المكتبة السودانية لاسيّما مكتبة الطفل.
لم تقتصر قصص الأساطير على الإنسان والحيوان فقط بل شملت النبات أيضا؛ فقد كَلُف النّاس في القرون الوسطى أيّما كَلف بنبات (اليبروح) أو تفاحة الجن، وهي جنس من النباتات ينتمي إلى الفصيلة الباذنجانية، وكان لهم اعتقاد راسخ بقوتها السحريّة، وأنّها سر الخلود و(أكسير الحياة).. ومن أمثلة ميثولوجيا النبات في ثقافتنا السودانوية قصة حرب الحرازة والمطر- -.. وتقول الأسطورة -التي عرّبتها من الدراجة إلى الفصحى- أن شجرة الحراز أرادت الاحتفال بختان أبنائها، وتمنت أن يكون الحفل لائقًا وألا يعكر صفوه شيء، فشرعت في إرسال الدعوات للجميع؛ ما عدا صديقتها “المطرة”، لأن مجيئها من شأنه أن يخرّب ترتيبات الحفل الذي سيُقام في الهواء الطلق.. تكفل الوشاة وأصحاب النميمة بإيصال الخبر إلى “المطرة” وحاولوا إيغار صدرها على صديقتها الحرازة.. لم تصدّق “المطرة” في بادئ الأمر ما قيل حول عدم دعوتها من قبل صديقتها الحرازة.. وأقرّت في نفسها عدم الغضب؛ بل حاولت إيجاد عذر لها، ومفاجأتها في اليوم الموعود بحضور لم يسبق له مثيل؛. وفي يوم الاحتفال وبينما الجميع مبتهج وفي قمة السعادة فاجأت “المطرة” الجميع؛ ولم تكتفي فقط بذلك؛ بل أحضرت معها أيضًا أبناءها الثلاثة: البرق والرعد والرياح.. فعمّ الخراب والوحل والطين مكان الحفل، فغضبت الحرازة من “المطرة” غضبًا شديدًا.. ومنذ ذلك اليوم قررت الحرازة ألا تخضّر أبدا إبّان فترة الخريف وهطول الأمطار؛ رغم إخضرار كل ما حولها من أشجار.
أمّا أسطورة “أبو القردان” أو ما يعرف بخنفساء الروث فتقول: ما إن يحل الليل حتى تخرج خُنفساء الروث” أبو القردان” في الخلاء الفسيح لتأمّل القمر وإمتاع ناظريها به.. أحبّ “ابو القردان” “القمرة” حبا شديدًا؛ لذا كاشفها برغبته في الزواج منها.. لم ترق الفكرة للقمر؛ فقد كان “ابو القردان” شديد القبح، وحاولت “القمرة” جاهدًا إخباره برفضها الزواج منه، لكنّها خشيت على جرح مشاعره، فالقبح ليس مبررًا كافيًا لرفضه.. وبعد طول بحث وتمحيص هداها تفكيرها إلى إخبار “ابو القردان” بأنّها إذا تزوجته فستضطر إلى السكن معه على سطح الأرض، وهي ليست بالمكان المناسب ليسكن فيه القمر خاصة أنّه أجمل أشكال الفضاء وزينة السماء والكواكب، وملهم العشاق والشعراء؛ فكيف يستقيم الأمر والأرض مليئة بالفضلات والقاذورات..
وحتى يتم الزواج اشترط “القمرة” على “ابو القردان” تنظيف الأرض كلها من الفضلات والروث.. رضي الأخير بالشرط؛ ومنذ ذلك اليوم وحتى هذه اللحظة يبذل “ابو القردان” كامل جهده في تنظيف الأرض من الروث والفضلات حتى يتم زواجه بالقمر.
[email][email protected][/email]
الشكر الجزيل للكاتب علي أثارة هذا الموضوع بالغ الاهمية , خاصة اننا وبسنة الحياة والموت نفقد موروثاتنا الشعبية بفقد النساء قبل الارجال الذين يحفظون هذه الحكم والقصص في صدورهم
ومن قبل اثراء التدوين : فانني اذكر ان قصة الحازة والمطرة قد سمعتها بطريقة مختلفة من حبوباتنا ، فالمطرة هي التي لم تحضر لختان ابناء الحرازة ، “وعشان كدة الحرازة” قاطعت المطر في كل مرة يحضر ولا تخضر أطلاقا في الخريف، والحراز حسب علمي هي الشجرة السودانية الوحيدة التي لاتخضر “وتحت ورقهاصفقها ” في موسم الامطار
وياريت نبد في جمع هذه القصص وروايتها لاطفالنا بدلا عن قصص سندريلا والدبدوب !