وهجُ المناقِد ،، قصةُ أغنيةٍ

حسن الجزولي
عزة وصالك .. أحد أشهر الأغنيات العاطفية التي ظهرت في القرن الماضي، وهي من كلمات الشاعر الراحل مصطفى بطران، وتغنى بها المطرب الراحل عثمان الشفيع، ومن المعروف أن لبطران عدداً من القصائد التي تغنى بها العديد من الشعراء، أشهرها أغنيتي دمعة الشوق التي لحنها وأداها المطرب الراحل كرومة ثم أغنية عقلي انشغل بهواك لحن وآداء المطرب الراحل الأمين برهان.
وبشأن الأغنية التي نحن بصددها، قيل ? والعهدة على من روى ? أن للشاعر الراحل بطران صديق من مدينة كسلا التي كان يزوره فيها مراراً، وفي مرة عند زيارته لصديقه هناك التقى بصبية أثيوبية تعمل في خدمة أسرة صديقه، وتبلغ من العمر سبعة عشر عاماً، كانت من أجمل البنات اللاتي قابلهن الشاعر في حياته، فهام قلبه بها وطفق يناجيها في خياله صباح مساء، إلا أنه كتم ولعه بها ولم يحدث عنها حتى صديقه، بدأ بطران يكثر من زياراته لمنزل الصديق خصيصاً من أجل أن ينعم بلقاء الصبية، من أجمل اللحظات التي يلتقيها في المنزل كانت عندما يجلسان في عصريات كسلا تحت أشجار المنزل الباسقة يتآنسان، والإثيوبية المليحة بالقرب منهما تحت ظل تلك الأشجار تصنع لهما ?قهوة العصرية?، والشاعر ? ما بين رائق المؤانسات مع صديقه ? يسترق النظرات ?الكتومة? لمليحته دون أن يلفت إنتباه صديقه، في واقع الحال فإن الشاعر لم يضع صديقه في صورة هيامه بالصبية إحتراماً له ولأسرته، حيث عد بنت الأثيوبيين بمثابة إبنة كريمة لأسرة صديقه!، وقد حاول مراراً الهروب من هذا الواقع الذي إستقرأ بحسه المرهف أنه سيقوده حتماً لمهاوي التهلكة والتعب!، فلم يستطع إلى ذلك سبيلاً رغم محاولاته الابتعاد عنها بانقطاعه عن زيارات كسلا!، دارت الأيام والأسابيع والأشهر التي حرص خلالها الشاعر ?الولهان? على زيارة صديقه، وجداً وهياماً لمحبوبته، ويبدو أن العشق قد ملأ كامل شغاف قلب الشاعر الرهيف، فانكشف المستور!، حيث إنتبه صديقه للزيارات التي كثرت من الشاعر لمنزله بكسلا، فراح يرصد نظرات الوله من أعين الشاعر تجاه الصبية، فلم يرق له عدم وضوح بطران معه كصديق ووضعه في صورة هذا العشق الذي عدّه جحوداً وعدم ثقة بين صديقين حميمين!، ففكر في كيفية إنهاء هذه ?الاشكالية? دون أن يخسر صديقه الشاعر أو يتسبب في جرح مشاعره.
في مرة وصل بطران من العاصمة لزيارة الصديق بكسلا، وقد لاحظ طيلة مكوثه بالمنزل غياب الصبية الدائم، وحتى عصريات المؤانسة تحت ظلال الأشجار فقد باشرت إعداد القهوة لها أمرأة كبيرة في السن من نواحي أرتريا!، وبعد فترة من مكوثه بمنزل الصديق تأكد فيها عدم وجود مليحته بالمنزل، لم يكن من مناص عندها سوى أن يسأل مباشرة صديقه عن مصير الصبية، وكانت المفاجأة عندما صارحه صاحب المنزل بأنه قد أعاد الصبية لأهلها بعد أن تأكد من أنها ربما تكون سبباً في جفاء غير مبرر بينهما كأصدقاء!، حينها ? وبعد أن تأكد للشاعر حديث صديقه أحس بأنه قد فقد وإلى الأبد أثر محبوبته، فاعتراه لحظتها غضب شديد من صديقه، ومن لحظتها نهض والحيرة والأسى يملآن صدره معلناً لصديقه مقاطعته الأبدية له، فغادر المنزل دون حتى وداع للصديق وأسرته ثم عاد للعاصمة، وبعد أيام قليلة ظهرت أغنية ?عازة وصالك? التي يرثي فيها حاله مع محبوبته التي فقدها للأبد وهو يمني النفس بلقياها مسرعاً بأجنحة تحلق به لديارها لكي يبل شوقه الذي طال بطلعتها!:-
قلت احاربو جمالك
صار عليا عسير
يا بدايع طرفة
ويا معاني زهير
ليت لي يا عازة
جناح أحاكي الطير..
كنت أقصد حيك
ولي رباك أطير
يا النفيسة خصالك..
كيف يكون المصير!
الميدان