دور المجتمع فى مكافحة الفساد

بسم الله الرحمن الرحيم
المجتمع ودوره فى مكافحة الفساد..
المتوكل محمد موسي
[email][email protected][/email]
لسنا بصدد توجيه إتهام للمجتمع السودانى بأن كل أفراده فاسدون ، فهناك بكل تأكيد أتقياء أنقياء من أبنائه ، ولكن إرتفاع معدلات جرائم الفساد بوتائر متصاعدة يجعلنا نعتقد بأن هؤلاء المذكورين هم أقلية وسط أكثرية طاغية لم يُحسن المجتمع تربيتهم وتأهيلهم أخلاقياً كى لا تمتد أيديهم للمال العام وإن فعلوا كان عليه ردعهم وإعادتهم إلى جادة الصواب ، فاللص لا يهنأ بسرقاته إذا وجد مجتمعاً يُعاقبه ويُعنفه على مااقترفت يداه ، أما إذا احتضنه ولم يستنكر فعلته فإنه حتماً سيتمادى فى غيه وفساده لتكون المحصلة ما نشهده اليوم من فساد طاغى يُزكم النوف ويُقلق المضاجع ويُبشر بكوارث ستحل بالبلاد.
من المؤسف حقاً ويقتل كل أملٍ فى النفوس بإنصلاح الحال فى بلادنا ، هو أن الشارع العام يُذهل صباح كل يوم تشرق فيه الشمس فى هذا السودان بحادثٍ عن الفساد وعن وجهٍ منه مريع ومخجل ومخيف ، ولعل الأكثر أسفاً هو رد الفعل العام والخاص تجاه هذا الفساد الذى أزكم الأنوف وسد الأفق بوجهة الكالح والمتوعد بحياةٍ لا يتصور أكثر الناس ، خيالاً وتصوراً ، إلى أى مدى سيبلغ إنحطاطها وترديها فى المستقبل ، كيف يحيا الناس ويأمنون على أموالهم وأنفسهم وسط هذا الخضم المتلاطم من الفساد؟ فساد على مستوى الوزراء فساد على مستوى رؤساء المصالح فساد على مستوى المرؤوسين ، دلونى على من تبقى ولم يُمارس الفساد ؟.
كل الصحف الورقية فى السودان والإلكترونية بما فيها تلك الموالية للحكومة تتحدث بأسً بالغ عن ما وصلت إليه البلاد وغوصانها فى مستنقع الفساد الآسن والذى عم كل مظاهر الحياة ، حتى اصبحت الرشاوى وأكل الربى من الصغائر ومن الآثام التى قد تجد لها تبريرا ، إننا نجزع مما نسمع ونرى من فساد إنتظم كافة أوجه الحياة بعد أن عمَّ واستسهله واستمرأه كثيرٌ من الناس إلا من رحم ربى ، دعونا من الفساد على مستوى المسئولين الكبار فهولاء يزول فسادهم بزوالهم وزوال الحكومة التى ترعاهم ، ولكن الفساد الذى يجعلنا نجزع له حقيقةً ونفزع ، ذلكم الذى انتشر وسط صغار الموظفين والعمال خاصةً فى المرافق التى يرتادها أصحاب الحاجات والباحثون عن الخدمات وهو فساد يصعب محاربته دون شن حملةٍ قومية جادة تستهدف إستئصاله من جذوره ، ولعل خطره العظيم يكمن فى صعوبة ملاحقته وتقصى آثار مرتكبيه وذلك لأنه يصدر عن عدد كبيرٍ من الموظفين العموميين فى المرافق العامة ينتشرون بطول وعرض البلاد ، غالبا ما لايكون الضوء مسلطاً عليهم مثل كبار الفاسدين فى الوظائف العليا.
الفساد الذى أصبح سيرةً فى كل لسان ، إحدى أسباب تفاقمه تعود إلى غياب دور المجتمع فى ممارسة سلطاته وما لديه من صلاحيات وهى صلاحيات لا يستطيع أى حاكم أوأى قوة من إنتزاعها أو منعها من أن تسرى على أفراد هذا المجتمع ، ولكن للأسف فإن غياب هذا الدور فى محاربة الفساد أدى إلى تجذره وترسخة فى حياة المجتمع السودانى حتى أصبح أو كاد أن يكون ركناً من أركان الثقافة السودانية ، من منا من لم يسمع قط لمثل هذا الحوار الذى يدور فى المجتمع السودانى كمسلمة من المسلمات :( والله فلان كان مسئول كبير ولكنه نسى أن يصلح أحواله حتى شالوه من وظيفتوا !) أو مثل هذه النصائح :( ياخى أدفع ليهم حاجة حيطلعوا ليك التصديق!! ) مثل هذه النصائح والأحاديث منتشرة فى ثقافة المواطن البسيط فى المجتمع السودانى وهى أنجع السبل لإستشراء الفساد الذى يبدأ من دفع أموال بسيطة لا يأبه الناس لخطرها لكنها فى واقع الأمر هى بمثابة كارثة ستحيق بصيحفة المجتمع وتملأها بالبقع السوداء ثم تتطور الأمور حتى تلتف حول عنق المجتمع الذى يربى مثل هؤلاء الفاسدين ليُصبح آخر المطاف مجرد فرّاخة لإنتاج عتاة اللصوص ، ودليلنا على ذلك أن الذين يفسدون فى المصالح الحكومية والوزارات لم يفدوا للبلاد من خارج السودان ولم يُولدوا ويترعرعوا فى داخل تلك المؤسسات التى ينهبونها إنما المجتمع هو المكان الذى خرجوا منه وتوجهوا نحو هذه المؤسسات ليعيثوا فيها الفساد ولذا يجب أن ننتبه لإستئصال هذه الثقافة التى تسود بكثافة داخل المجتمع حتى نرفد مؤسسات الدولة بمواطنيين صالحين ، ربما يقول قائل إن الفساد أفرزته الحكومة ونحن بدورنا نقول من أين أتى القائمون على أمر الحكومة أليسوا هم أعضاء فى منظومة المجتمع السودانى ؟ وقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال : مثلما تكونوا يُول عليكم .
إن محاربة الفساد والمفسدين وإقصائهم من المواقع العامة ونشر قيم الفضيلة والأمانة والشفافية تُعد إحدى أقدس واجبات المجتمع التى تبدأ من التربية المنزلية والمدرسية ثم مقاطعة كل من ثبت أنه أثرى بالتعدى على المال العام إجتماعياً ، فلا يُعقل أن نرجو صلاحاً والمجتمع يحتفى باللص ويفسح له فى المجالس ويحرص على إظهار الود والإحترام له وهو يُدرك جيداً أن هذا اللص منذ نعومة أظافره نشأ فى هذا الحى أو فى تلك المدينة ولا يملك هو ولا أسرته شيئاً ثم لم يرث ولم يغترب ، لتظهر عليه فجأة مظاهر النعمة بين ليلةٍ وضحاها فكيف يطيقون زيارته وتلبية دعواته لهم بمناسبة وبغير مناسبة وهم يدركون أن ما يُقدمه لهم من طعامٍ وشراب مصدره الحرام ؟ كان آباؤنا وأجدادنا ونحن أطفال يحذروننا من أكل الطعام عند من يُشتبه فى مصادر ثرائه ولكننا اليوم نلاحظ أن المجتمع بدأ يتخلى عن قيمه الزاجرة هذه ويتهافت على موائد هؤلاء اللصوص ، المجتمع لديه سلطة رادعة وزاجرة وقوية يمكن أن يستخدمها فى مكافحة المفسدين ولذا عليه تفعيل دوره تربوياً وإجتماعياً من أجل تزكية المجتمع ومحاربة كل أشكال وألوان الفساد ..
وبمثلما ننادى المجتمع للإضطلاع بدوره فى مقاطعة من يثبت إعتدائه على المال العام ، عليه أيضاً تشجيع الصادقين وأصحاب الأيادى النظيفة من أبنائه وأن يقدم لهم الدعم المعنوى وأن يُعظم من قدرهم وأن يحرص على تزكيتهم حتى ولو بصورة معنوية ويقدمهم ليمثلوه ما دعت الحاجة إلى ذلك حتى يصبحوا رموزاً ونماذجاً يُقتدى بهم ، أيضاً عليه بالضغط على الحكومة من أجل تفعيل القوانيين التى تكافح الفساد والمفسدين ووضع حد لظاهرة إفلات المفسدين من المساءلة الجنائية ، وفى هذا الصدد عليه إفراز مؤسسات مجتمع مدنى قادرة على الضغط على الحكومة من أجل إجراء إصلاحات تُعزز من قيم النزاهة والشفافية في عملها والرقابة على القطاع العام وتقوية حكم القانون فى مواجهة الفاسدين.