الرياضة في خدمة السياسة

عادل إبراهيم حمد
لعل أشهر اختراق أحدثته الرياضة في ميدان السياسة هو ما فعلته زيارة فريق البينج بونج الأميركي إلى الصين في سبعينيات القرن الماضي. فقد وضعت تلك الزيارة حداً للقطيعة بين البلدين، وكانت مقدمة للاعتراف الأميركي بالصين الشعبية. وعند تناول آخر الأحداث الرياضية نجد أن دولة غينيا الاستوائية قد رضيت بالدخول في مجازفة مواجهة داء الإيبولا لتحقيق مكسب أدبي وسياسي برفع اسم الدولة المغمورة وترداد اسمها في الوكالات العالمية لعدة أيام. وحقق أفيال ساحل العاج الفوز بالبطولة مقدمين أجمل هدية للرئيس الحسن واترا. فالشعب يلتف حول قائده في لحظات الانتصار، ويلاحظ التنافس المحموم على تنظيم البطولات الكبرى مثل الأولمبياد وبطولة العالم لكرة القدم، لذا عدّ فوز دولة قطر بتنظيم كأس العالم 2022 إنجازاً تاريخياً.
يهتم الساسة والمفكرون بكل ما من شأنه تقوية النسيج الاجتماعي والأواصر الوطنية في البلد الواحد، وتزداد الحاجة للأطر القومية الجامعة والمانعة لمهددات التمزق في البلدان متسعة المساحة ومتعددة القبائل والثقافات كالسودان، لذا أولى الدارسون اهتماماً كبيراً لتجربة الأحزاب الجماهيرية الكبيرة التي نجحت في تجاوز إطار القبيلة الضيق، ثم إطار الطائفة وينظر كثير من الدارسين باهتمام لا يقل عن اهتمامهم بالأحزاب لناديي الهلال والمريخ باعتبارهما كيانين قوميين شعبيين، تجاوزا حدود القبيلة والجهة فنالاية شعبية في كل أنحاء القطر، الشيء الذي لم يتحقق لأي حزب سياسي، ويقف المهتمون بصفة خاصة عند الحب الجماهيري الذي لقيه الناديان في جنوب السودان، حيث لم يحظ أي كيان في الشمال بمحبة الجنوبيين غير الهلال والمريخ. وكم كان لافتا سفر مشجعين من جوبا إلى كمبالا لمؤازرة المريخ في مباراة إفريقية ضد بطل يوغندا.
يقول مهتمون بالتاريخ الرياضي إن الناديين كانا نادياً واحداً اسمه (تيم عباس) قبل أن ينقسم إلى فريقين هما الهلال والمريخ، وسواء صحت هذه الرواية أو لم تصح فإن الثابت هو أن الهلال والمريخ وبحكم نشأتهما في المركز حيث البرلمان والحكومة والإذاعة قد وجدا اهتماماً استثنائياً جعل المتابع في الولايات الذي يرتبط بمركز العاصمة لعدة أسباب يشجع الهلال أو المريخ بجانب تشجيعه لأهلي مدني أو أمل عطبرة أو حي العرب في بورتسودان، وبذلك لم يعد الناديان يمثلان مدينة أم درمان أو مديرية الخرطوم وحدها.
ظهرت في الفترة الأخيرة ومع تجربة الدوري الممتاز فرق قوية في شندي وعطبرة وكادقلي يغدق عليها الولاة وأبناء تلك الولايات أموالاً طائلة، وتجلب هذه الأندية لاعبين محترفين ومدربين من خارج السودان. وقد تهزم هذه الأندية الهلال والمريخ ولكن تلاحظ أن الإعلام يعتبر أن تعادل أي من الناديين مع أحد هذه الفرق أمر غير طبيعي. فيقول على سبيل المثال إن الهلال كان سيئاً بدلاً من القول إن أهلي شندي كان ممتازاً. ولا ينتظر مع المكانة التاريخية للناديين أن يطمح ناد ولائي في منافسة الناديين على صفة القومية، وسوف يظل طموح الأندية الأخرى في هذه المرحلة هو تقديم أداء مهاري قريب من مستوى الناديين الكبيرين فيرتفع المستوى الفني للمنافسة.
قد يقول قائل إن التجربة – بما فيها تجربة الناديين الكبيرين – ما زالت حديثة، وإن التطور الاجتماعي والسياسي قد يجعل مواطن الولاية ينتمي في مستقبل غير بعيد لفريق مدينته وحده، هنا يبرز التساؤل إن كان ذلك أفضل وألا يؤدي غياب الانتماء لفريق قومي إلى إضعاف التماسك الشعبي القومي وإلى بروز عصبيات ولائية؟ لا يرى أصحاب الفكرة البديلة أي احتمال لبروز عصبيات ولائية على حساب الانتماء القومي في حال بروز فرق ولائية تلغي احتكار الناديين الكبيرين للقمة، فهل يكون برنامج أحد الولاة بناء فريق قوي في ولايته يستجلب له أفضل لاعبي القارة، فيفوز الفريق ببطولة السودان لثلاث سنوات متوالية، ويفوز ببطولة إفريقيا فينهي إمبراطورية (هلاريخ)، وينال الوالي شعبية لم يحققها له البرنامج السياسي التقليدي؟
كلها احتمالات واردة، لكن المقدمات المنطقية تقول باستمرار سيطرة الناديين الكبيرين لفترة طويلة. وهي سيطرة غير ضارة إن لم نقل إنها ضرورية ما دام الناديان ضمن كيانات قومية لا يستغني الوطن عن دورها المهم.?
?? [email][email protected][/email] العرب
مقال جميل يا حبيبنا عادل الله يوفقك