الإقامة في عمامة الطيب صالح

الخرطوم – محفوظ بشرى
لسنوات، عبَّر كتاب سودانيون كُثر، وفي مناسبات مختلفة، عن ضيقهم بالبقاء “القسري” تحت سقف الطيب صالح الذي تحلّ اليوم ذكرى رحيله السادسة، وهو ما فَسَّر – في ما بعد – ردود الأفعال التي تجلَّت في محاولات عجولة لرفع بعض الأسماء، جزافاً، إلى مستوى أدب الطيب صالح، علماً أن تلك المحاولات باءت بالفشل، ولم تصمد أمام اختبار القارئ.
رغم كل ما كُتب عنه؛ لم يفهم السودانيون حتى الآن ما الذي يميّز أدب الطيب صالح ليجد كل ذلك الاهتمام. لذا لم تأتِ محاولات إنتاج أدب فلكلوري ساذج بالنتائج المنتظرة، ممن ظنوا أنهم ينتجون ما أعجب “الآخر” في أدب صاحب “عرس الزين”.
ظلت الحيرة حاضرةً في نظرة الأدباء السودانيين إلى أعمال الطيب صالح، وهي حيرة تتجلّى في مواقف متناقضة يتّخذونها، مدحاً بإغداق، أو قدحاً بحذر، حين تجيء سيرة الرجل، أو حين النقاش عن سرّ اهتمام الآخر، العربي والأوروبي، بجوانب لا يرونها ذات بال في أعماله، على حساب جوانب أخرى لا يُنظر إليها.
تتعالى الأصوات بنفي اتهامات تَسبُّب الطيب صالح في الضعف والقصور والكسل الأدبي عند الكتاب السودانيين؛ لكن لا يمكن التعامي عن أن أكثر المنتج السردي السوداني، حتى اليوم، يعدّ ضعيفاً بالفعل، لدى مقارنته بأدب الطيب صالح.
ومع اعتبار أدب هذا الكاتب، بل رواية “موسم الهجرة إلى الشمال” بالذات، النموذج الأكثر كمالاً للكتابة في السودان، رغم أنها كُتبت في الستينيات؛ يبدو جلياً أن هناك معضلةً، قد يكون لها الإسهام الأكبر في كبح تطور الرواية السودانية.
من جانبٍ، كانت هذه “النمذجة” لعمل كلاسيكي يصنفه بعضهم ضمن “أدب ما بعد الاستعمار”، بأسئلته وقضاياه البعيدة بالضرورة عن الحراك الحديث؛ سبباً مباشراً في سَجْن السرد السوداني، حتى اليوم، تحت سقف الطيب صالح، بينما تغذّي القوة والسلطة التي اكتسبتها “موسم الهجرة إلى الشمال” في المشهد الأدبي العالمي هذه السيطرة المطلقة.
فحين نُشر هذا العمل، منتصف الستينيات، كانت الرواية في السودان لا تزال تحبو نحو التأسيس، فجاءت الهالة العظيمة التي حصَّلتها “الموسم” لتغطي على فرص التطور الطبيعي لفن السرد كما يجدر به؛ أي بعتبات متصاعدة وراسخة، وليس كطفرة مثل التي أحدثها الكاتب الراحل.
هناك جانب آخر يتعلق بنوع من الصراع يختلف عن ذلك الذي اشتغلت عليه “موسم الهجرة إلى الشمال”. حيث يقودنا النظر إلى النفوذ الذي يتمتع به أدب الطيب صالح، في السودان على الأقل، إلى أن السبب الذي عزّز هذا النفوذ ليس بعيداً عن أزمة الهوية السودانية، وما يتبعها من تركيز من الهامش (السودان) على “مركز الهوية”، بانتظار أي شكل من أشكال الاعتراف به.
ظهر الطيب صالح في وقت كان السودانيون بحاجة إلى “بطل” يلتفون حوله، ويزاحمون به الشعوب، في ظل الفشل الذريع للنخب السودانية في ترك أثر يُعتدّ به قبل الطيب صالح.
لقد انبهر العرب، ثم الغرب به، فانبهرنا بمن بهرهم، وتشبثنا به، ومجَّدناه، واكتفينا به، وحتى حين أفاق العالم من انبهاره به لم نفق نحن، ولم نُفلت أيدينا ممن نتباهى حتى الآن بحصوله على اعتراف الجميع به/بنا.
من غير هذا السياق التاريخي، نشكّ في أن “موسم الهجرة إلى الشمال” كانت لتجد هذا “التقديس التابوي” الذي كرّسها على مدى عقود في السودان، سقفاً تُقاس عليه جميع الأبنية.
شاء أم أبى، فإن الطيب صالح مدمِّر ومعطِّل لتطور السرد السوداني، بتلك الحدود المقدّسة التي رسمها قبل نصف قرن، فدفعت الأكثرية إلى البقاء داخلها من أجل ضمان السلامة، ودفعت البعض إلى التوهّم أنهم قفزوا خارجها، ناسين أن الخروج ليس صعوداً دوماً.
إن المشهد الأدبي في السودان حديثٌ، وهشٌّ، لا يزال سائلاً في طور التشكّل. إنه ليس مثل الوضع في مصر مثلاً، حيث لا وجود لكاتبٍ واحد يحكم المشهد وتدور حوله كل الحياة الأدبية، بل نجد أسماءً كثيرةً وكبيرةً، وخيارات متوافرة للصاعدين، بينما توجد في السودان أيقونة واحدة أقوى من غيرها، مسيطرة، وأحادية، وقاهرة، حتى إن الكاتب يجد، وهو يكتب، رقيبين عليه: الطيب صالح، وذاته.
الآن، في ظل التغيرات الحادة والسريعة في الرؤى والمفاهيم، التي يشهدها السودان، ويمتد تأثيرها إلى أجيالٍ ورثت الأسئلة الإشكالية ذاتها، هل ننتظر أن تسفر الكثافة السردية الحادثة الآن، بغثّها وسمينها، عن انفجار سردي حقيقي يمثّل ثورة على سقف الطيب صالح، ويؤسّس من جديد لسردٍ يشبه قرنه الجديد هذا؟
إن الطيب صالح هو الأب الذي لا يريد أبناؤه قتله، أو لا يستطيعون، من أجل أن يمضي الجميع قُدماً خارج ظله الدافئ، قبل أن يصبح الحال شبيهاً بقول الشاعر خالد حسن عثمان في إحدى قصائده: “من يأسه قال السلطان لنا: ما خلقتكم أنا/ من يأسنا قلنا له: خلقتنا”.
العربي
معليش بالدارجي كده.اعتقد ان الامر ليس بيد الكاتب السوداني قدر ماهو بيد موهبته وتلاحمها مع ثقافات جديده (بسيطه-متراكمة التجارب ).في اعتقادي البسيط أن الطيب صالح كشف لنا مدي ضعفنا في تأثرنا بثقافتنا السودانيه.مقارنة كتابنا كعدد بالكتاب المصريين تعد ظالمه من ناحية التجارب فقط ﻻ الجودة فبلدنا ولاد للكتاب الجيدين.تجربة الطيب صالح متفرده في تلاحمه و اندماجه مع مكونات اجتماعيه جديده ممتزجه بأداء سلوكي متفرد فهو في تفكيره متفرد وماتحويله لمجال دراسته من العلوم للاقتصاد والعلوم السياسية الا تجلي واضح لتفرد طريقه تفكير هذا الرجل . مره اخري انشغلنا بالنتائج الا وهي مقارنة نتاج تجربه الطيب صالح مع تجارب الكتاب والروائيين السودانيون الاخرون والمقارنة منعدمة الاساس تجربيا وليس جودة مره اخرى.تحدث مره عن النقاد العرب لروايته موسم الهجرة إلى الشمال فقال هذا الروائي الفذ اجريت كذا حوار بين المتنبئ و ابو تمام ولم يلحظها احد من النقاد،ممايمثل الماما واسعاً في كيفية إسقاط تجارب الشعراء علي رواية واقعية مثل موسم الهجرة إلى الشمال. الا رحم الله الطيب صالح رحمة واسعه وادخله فسيح جناته مع الصديقين والشهداء و جميع ادبائنا .
التقليد والمحاكاة والغيرة لادب الطيب صالح لا يفيد لاعتبارين ,,الاول منها هو انها موهبة ولا يمكن ان تكون نفس الموهبة لدي الاخر,,وثانيها انها جاءت بدون تكلف وبدون محاكاة وجاءت ابضا رواياته من خلال البيئة التي عاش فيها ,,فلكل انسان بيئتة التي تميزه..
تحية واحتراما….
اخي العزيز:
جانبك الصواب حينما ذكرت جازما (رغم كل ما كُتب عنه؛ لم يفهم السودانيون حتى الآن ما الذي يميّز أدب الطيب صالح ليجد كل ذلك الاهتمام. لذا لم تأتِ محاولات إنتاج أدب فلكلوري ساذج بالنتائج المنتظرة، ممن ظنوا أنهم ينتجون ما أعجب “الآخر” في أدب صاحب “عرس الزين”.)
لا اظن ان المدخل لاستيعاب مفردة الايقونة (الطيب صالح) هو العقل او الدراسة الاكاديمية …
لابد ان تتوفر ابعاد اخرى في تعاطي ما يكتبه الطيب صالح …
ابعاد لم تتوفر في كثير ممن تطرقوا لادبه ….
عزيزي : –
لن يستوعب ما يكتبه الطيب صالح الا حينما (ان لا يتمني احدهم ان يكون شيئا سيوى ذاته..!!!)
تتمثل كتابات الطيب صالح في شخصه الذي نهل من شتى النواحي وكتب بتجرد ، وتمرد على نفسه وعلى كل الاعراف .. فالكتابة عند الطيب صالح تختفي فيها كل العوائق التي تشوه المضمون … فتب بتمرد وتجرد….
فهو يأنس ويزهو حينما يقول : (أنا تربالي) فعمق هذه الكلمة لمحتها في ملامحه وكان ينثر في المكان ذلك الزهو …
الطيب صالح (حالة) لن تتكرر الا حينما يتخلص الكتاب عن ذلك الزهو الزائف ويستبدلونه بزهو البساطة…
حينما نتجرد من الزهو الزائف نبدع….
فكان الطيب ذاته المجردة فابدع….. !!!!!
تحياتي
هذا الزعم غير صحيح , استغرب لماذا تحتفي الساحة الثقافية بمثل هذا الكلام حتي اصبح فينا كأنه الحقيقة التي ليس دونها حقائق الكلام عن شهرة الطيب صالح او عباية او عمته التي لفت و حجبت الشمس بظلها عن كل من اتي بعده شماعة, وتم استهلالكها كثيرا من قبل كثير الكتاب , دا غير صحيح طبعا
الادب السوداني معروف والاديب السوداني معروف علي مستوي العالم ومحترم ومقدر ومترجمة كتبه الي كل اللغات , ابحث في جوجول عن ناس
عبدالعزيز بركة ساكن- أمير تاج السر- عبدالغني كرم الله , والكاتبة رانيا حميدة , وليلي ابو العلا
واسامة عبد الحليم عيسى الحلو- ابراهيم اسحق وغيرهم كثير من كافة الاجيال
نحن في الحقيقة غير محترمين من قبل العرب , غير معترف بادبنا, وغير مسموح لنا بالدخول الي ناديهم دي كل الحكاية, لكن هناك براحات اخري وابواب اخري
و كتابنا لايقلون موهبة عن المرحوم الطيب صالح ولا عن غيره من كتاب العالم, ورصيد الكاتب السوداني لدي القارىء لايمكن ان نقيسه بمدي تقدير قارىء آخر لهذا الكاتب , انها مسالة متعلقة بمدي اهتمام القارىءايا كان بما يحب ان يقرأ , ولو انك كتبت رواية عن تعدد الزوجات في الاسلام لاحتفت بها اوربا اكثر مما لو انك كتبت رواية فلسفية عميقة عن التحرر من طغيان الاستعمار او طغيان امرأة او اي حاجة
الطيب صالح لم يصنع نفسه بل اعماله هي التي صنعت منه الطيب صالح الاديب العالمي , وعلي حسب وجهة نظري اري ان موسم الهجرة للشمال رواية عالمية وبل من افضل الروايات العالمية لما تحتويه من بساطة الكلمات وعمقها في آن
واي كاتب يريد ان يصل الي ما وصل اليه الطيب صالح فليجيد عمله والقاري هو الحكم
الله المستعان ,,,,
الطيب نفسه رحمه الله نفي كثيرا هذا التغول واشار ان هناك كثيرين احسن منه ولكنه قال الفرق انني كنت في اوروبا مركز الضوء هذه هي الاشكاليه ولعله كان كما كانت موسم الهجرة وجوده هناك اشكالية اوجدت الرواية وهي اشكالية جدلية قائمه الي الان ولعل في عدم حلها او القرب منه داعش مثلا مع احداثيات كثيرة متداخله او موسم الهجرة هي محاولة حوار الحضارات وليست صراعه ) الطيب كان بسيطا بساطة العشب علي الارض واحيانا وهو بقربك تحسه سارح بعيد متامل واجمل ما في الطيب وطنيته القروية البسيطه في حبه لبلده