العلاقة السودانية الأميركية

عادل إبراهيم حمد
هي علاقة بين دولة عظمى ودولة من العالم الثالث, فهل يفرض هذا البون الشاسع أن تكون العلاقة بين تابع مطيع ومتبوع آمر؟ وهي علاقة يجسد أحد طرفيها فكرة السيطرة على العالم؛ هذه الفكرة القديمة التي تتبدل من مرحلة إلى أخرى, فقد كانت طموحاً شخصياً يحقق العظمة والأبهة للقائد المسيطر على أكبر رقعة, والمتحكم في كل شعوب الأرض إن أمكن. هكذا كانت الفكرة التي دفعت الإسكندر وهولاكو وجنكيزخان ونابليون وهتلر للخروج بجيوشهم من أوطانهم لحكم العالم. وسوف تظل فكرة حكم العالم كله من مركز واحد باقية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها, لكن تتبدل الفكرة من سيطرة شخص واحد يرنو للعظمة إلى أمة واحدة تريد السيادة على بقية الأمم, كما حدث في فترة الاستعمار التقليدي حين ظهرت الإمبراطوريات الاستعمارية الأوربية. وبزوالها تحورت الفكرة إلى السيطرة بالقوة الناعمة التي لا تتوسل لأهدافها بالغزو العسكري المباشر. ولم تبق السيطرة غاية في حد ذاتها بعد أن أصبح هم القوى العظمى نشر قيم تؤمن بها الدولة المسيطرة. ورغم تراجع المواجهات العسكرية والغزو المباشر, لكن القوى الكبرى تضع قواها المادية كمهدد ورادع, تلوّح بها كتذكير باحتمال توظيفها إذا دعا الحال؛ لذا تتمدد القيم التي تبشر بها دولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية التي تعتبر أن حدود أمنها القومي تنتهي عند انتهاء حدود العالم. وتعتبر نفسها معنية بما يدور في ميانمار وبيرو والفلبين ومالي وفيجي والمالديف وأوكرانيا وموريشوس وزمبابوي وكوريا والساقية الحمراء ووادي الذهب ودار فور.
هذه هي الولايات المتحدة الأمريكية فهل يكون السودان متهوراً إذا أبدى شيئاً من العناد في قبول الشروط الأمريكية؟
لن يكون الأمر بهذا التبسيط, فالدولة العظمى نفسها تسعى لتحسين العلاقة مع السودان, مثلما يحرص السودان على إزالة التوتر في العلاقة بين البلدين؛ يتبدى ذلك في الدعوة التي وجهتها الإدارة الأمريكية لوزير الخارجية السوداني علي كرتي ومساعد الرئيس إبراهيم غندور, ومسارعة المسؤولين السودانيين إلى تلبية الدعوة ؛ لكن لكل طرف منطلقه المختلف .
الولايات المتحدة الساعية للسيطرة تفضل وجود دول أخرى أو قوى إقليمية تلعب دوراً مكملاً لا تستغني عنه الولايات المتحدة .. ولم يبد السودان في بداية حكم الإنقاذ استعداداً لمثل هذا الدور, بل أبدى تحدياً أقرب للتهور واستعرض اعتزازه الوطني بشيء من الإفراط. وهو نظام لم يجد الترحيب لإطاحته بحكومة منتخبة في توقيت ارتفعت فيه قيمة الديمقراطية دولياً بعد تراجع القطب الدولي الشرقي الذي كان ملاذاً لحكومات ثورية لا تعتمد الديمقراطية الغربية. وزاد الأمر تعقيداً باستدعاء نظام السودان الجديد لعامل غيبي حين كان النظام أقرب إلى الدولة الدينية, فاعتبر السودان نفسه جزءاً من معركة دينية فاصلة في آخر الزمان, إن لم يكن هو رأس الرمح في هذه المعركة. فأعملت الولايات المتحدة أسلحتها المتمثلة في إدراج السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب وما يترتب على ذلك من مقاطعة وعقوبات اقتصادية. ولما فعلت هذه الأسلحة فعلها, قوي التيار المتعقل في النظام السوداني وتراجعت حدة الخطاب الوطني المعتد والنزعة الإسلامية المتطرفة, إلا أن رد الفعل الأمريكي لم يتناسب مع هذه التحولات, إذ يبدو أن الولايات المتحدة قررت أن تستخلص أكبر قدر من التنازلات بعد ثبوت جدوى الضغوط. فهل تختصر العلاقة بين الدولتين في ضغوط الدولة العظمى ورضوخ الدولة الصغيرة؟
تجربة العلاقة بين الدول العظمى والصغرى لا تقول بهذه المعادلة المعتمدة كلياً على ميل كفة القوة لصالح الدول الكبرى, فدولة مثل كوبا أزعجت الولايات المتحدة كثيراً رغم عدم التكافؤ. وسارت جهود الولايات المتحدة في التسوية موازية لجهودها في الترويض, حيث لا يمكن إنكار الإزعاج الذي سببته كوبا للولايات المتحدة رغم صغر الجزيرة الجارة, وكذلك كان الحال مع كوريا الشمالية وليبيا وفنزويلا وإيران ..
أما السودان فلم يختر خيار التصعيد والإصرار على تحالفات إقليمية تزعج الولايات المتحدة, بقدر ما فضّل تحسين سجله في حقوق الإنسان وإجازة دستور تعددي مما جعله يحقق تقدماً نسبياً في اتجاه التصحيح؛ وعل أفضل إنجاز للسودان في هذا التوجه الإيجابي هو نجاحه في إيقاف الحرب في جنوب السودان, ويكتسب هذا الإنجاز أهميته الخاصة من توافقه مع توجه عالمي نحو السلام وإعلاء قيمته. وأوفى السودان بالتزاماته الواردة في اتفاقية السلام الشامل (نيفاشا) بما فيها إجراء استفتاء شفاف, ثم التزم بنتيجة الاستفتاء رغم ما فيها من خسارة فادحة بانفصال جنوب السودان. ورغم كل ذلك لم يجن السودان (الجزرات) التي وعدت بها أمريكا في حال التزام السودان ببنود الاتفاقية, فلم يرفع اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب, ولم تلغ ديونه, وظل الرئيس الأمريكي يجدد العقوبات كل سنة وكأن شيئاً لم يكن .. التزام السودان بتعهداته ونكوص أمريكا عن وعودها يفترض أن يكون حجر الزاوية في أي تفاوض مع الدولة العظمى, وأن يوظف السودان إعلامياً وسياسياً هذه الحقيقة الداعمة لموقف السودان المسؤول, حتى يكافأ السودان على التزامه بالمواثيق والعهود مثلما لوحق وعوقب عندما كان دولة مارقة .. من هنا يفترض أن يركز السودان على خلق منظومة لعلاقة متوازنة قوامها جدلية السلام والديمقراطية في السودان, فيعمل على استصدار موقف مبدئي مشترك رافض للحرب, كمقابل لتنازلات من الحكومة السودانية في اتجاه التحول الديمقراطي الكامل ولإكمال تراجع السودان عن تحالفات إقليمية أضرت به وأعاقت تقاربه مع الولايات المتحدة .. وبعبارة أخرى: يفترض ألا يترك السودان موضوع الحرب بلا موقف مبدئي أمريكي واضح منه .. ويكون الترتيب المنصف هو أن يعلن أولاً الرفض المبدئي الأمريكي للحرب, ثم تكون تنازلات السودان في مقابل هذا الموقف الأمريكي الصريح, بدلاً من ترك خيار الحرب مفتوحاً, مع مطالبة السودان بتقديم تنازلات بلا مقابل, فتصبح الحرب أداة ضغط يساق بموجبها السودان إلى حيث لا يريد ..
تحقيق السودان للسلام في الجنوب لم يستثمر جيداً مع الدولة العظمى الراعية لقضية السلام. ولا بد أن يصحح السودان خطته بأن يكون منطلقه لتحسين العلاقة مع أمريكا هو هذا الإنجاز النادر في سجلات السودان والدال علي الجدية؛ فإن فعل, فهو ليس بحاجة إلى الانشغال بالتذكير بجرائم أمريكا في فيتنام أو حقوق الهنود الحمر أو معركة هرمجدون الفاصلة .
? [email][email protected][/email] العرب
يا صديقي الاثير ابن الزعيم يخطئ من يقاوح امريكا لانها ستمزمزه كما تفعل مع الانقاذ الان ستتنازل الانقاذ بوعي في سبيل رفع العقوبات وهي التي جنت علي نفسها بغير قلنا بهذا في مقال امريكا مصلحتها فوق كل ولا تعطي بالمقابل المتكافئ !!!