هل علاقة السودان وأميركا مرشحة لتغيير حقيقي؟

محجوب محمد صالح

أكمل البروفسير إبراهيم غندور جولة محادثاته في الولايات المتحدة مع المسؤولين الحكوميين وعاد إلى الخرطوم ليؤكد وصوله إلى اتفاق مع مسؤولي الإدارة الأميركية على مواصلة الحوار بأمل تحقيق مفاهمات مشتركة بين البلدين تؤدي إلى تطبيع العلاقات بينهما، وليس هذه هي المرة الأولى التي يدير فيها السودان حواراً استكشافيا مع الولايات المتحدة ولن تكون الأخيرة؛ فالسودان بات بنداً ثابتاً في الأجندة الأميركية رغم تغيير الإدارات وعبر كل الحكومات التي تعاقبت على الحكم في واشنطن خلال ربع القرن الأخير من الزمان، ولكن العلاقات ما زالت متوترة والاتهامات متبادلة.

وإثر عودته إلى الخرطوم التقى د.غندور برئيس الجمهورية وأطلعه على ما دار في محادثاته التي جاءت تلبية لدعوة من الحكومة الأميركية، وبعد ذلك اللقاء عبر رئيس الجمهورية عن رغبته في استمرار الحوار مع واشنطن بغية الوصول إلى (تفاهمات مشتركة بما يحقق مصلحة السودان ورغبته في علاقة طبيعية مع أميركا وكل دول العالم مبنية على التفاهم المشترك والاحترام المتبادل).

الحوار بين الطرفين أصلا لم ينقطع لكنه كان يسير في خط متعرج ويتوقف أحيانا وسط اتهامات متبادلة حول الطرف الذي تسبب في عرقلة التطبيع، فالحكومة تتهم الولايات المتحدة بأنها درجت على عدم الوفاء بوعود تقطعها على نفسها والولايات المتحدة ترى أن السودان لم يكن جاداً في إحداث التغييرات المنشودة في سياساته ومواقفه? المسألة إذن ليست مجرد استئناف الحوار بل المشكلة في الوصول إلى تفاهمات حقيقية تطبق على الأرض.

الحكومة السودانية تريد تطبيع العلاقات مع أميركا وتأتي على قمة ما تتوقعه من مثل هذا التطبيع رفع الحصار الاقتصادي المفروض عليها والذي زاد مؤخرا بالحصار المصرفي، وتريد دعماً لمطلبها بإعفاء الدين الذي ترى أنها أكملت مطلوباته الفنية لكنه يتعثر بسبب المعارضة السياسية من جانب الولايات المتحدة، وتريد رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وتريد الخروج من القيود التجارية المفروضة على تصدير التكنولوجيا الأميركية لها.
الولايات المتحدة من جانبها تعترف بأن السودان يحتل موقعاً استراتيجياً في منطقة حساسة وتريده لجانبها ليس في مشروعها السياسي العالمي فحسب، بل تتصور أن له دوراً غائباً في مواجهة نزاعين خطيرين: صراع الحركات الإسلامية المتطرفة في العالم الإسلامي متمثلة في القاعدة وداعش وغيرهما من الحركات المستحدثة، وصراع الحركات المتطرفة الإفريقية متمثلة في بوكو حرام وجيش الرب وغيرهما، ولكنها ترى أن أوضاع السودان الداخلية تقعد بالحكومة عن أداء هذا الدور، إضافة للحروب الداخلية والصراع السياسي الداخلي، وأن سياسات الحكومة هي التي تقود إلى هذا الخلل ولذلك تريد منها انتهاج سياسات جديدة وشاملة تحقق أولا السلام بوضع حد للحروب الداخلية وثانيا الوصول إلى وفاق سياسي مع كافة القوى يقود إلى حكومة وفاق وطني.

الحكومة من جانبها ترى أنها قدمت تنازلات وتعاونت في الحرب على الإرهاب بعد أحداث سبتمبر، وتعاملت مع قضية الجنوب وفق الطرح الأميركي وارتضت أن ينفصل الجنوب بسلام، وأنها فعلت كل ذلك لتصل إلى تطبيع وعدت به الولايات المتحدة لكنها تنكرت له، والولايات المتحدة على قناعة بأن الوعود الحكومية منقوصة وجزئية، وأن حل مشكلة الجنوب الذي تحقق لم يأت في إطار استراتيجية للسلام الشامل بدليل أنه في اللحظة التي تم فيها توقيع اتفاقية السلام مع الجنوب كانت حرب أشد شراسة تدور في إقليم دارفور، وأنها حرب توسعت اليوم لتشمل النيل الأزرق وجبال النوبة وأن الوعود بإحداث تغيير في نظام الحكم ظلت مجرد وعود لا يسندها فعل، بل أحيانا يأتي الفعل متناقضا تماماً مع الوعود الكلامية، في إشارة إلى المأزق الذي دخلت فيه مبادرة الحوار الوطني الأخيرة التي رحب بها المجتمع الدولي واستقبلها بمنتهى التفاؤل، ثم ما لبث ذلك التفاؤل أن تحول إلى يأس وتشاؤم جراء ممارسات وإجراءات أقدمت عليها الحكومة أجهضت مشروع الحوار.

إذن الهوة بين الموقفين لن يجسرها لقاء عابر ولن يحدث تحسن العلاقات بمجرد إطلاق الأقوال التي لا تصاحبها أفعال.
هل ستكون لقاءات غندور مقدمة لحوار جديد؟ وهل سيسبق الحوار الجديد تعديل وتبديل في المواقف؟ أميركا قالت إن هدفها من لقاء الأسبوع الماضي هو توضيح موقفها من العلاقة الأميركية السودانية، وموقفها ذلك شرحته مراراً وكلما أمعنت في شرحه كلما استبان التباعد بين الموقفين، ولن يجري الحوار ما لم تبد الحكومة تجاوباً عملياً مع ما تثيره أميركا دون التفريط في السيادة الوطنية، وذلك عبر تغيير حقيقي في الواقع السياسي على الأرض في السودان.

ويبقى السؤال: هل الحكومة مستعدة لأن تدفع ذلك الثمن؟ هذا هو ما ينبغي أن يكون موضع الحوار الداخلي في أروقة الحكومة إذا كانت حريصة على التطبيع وترى فيه مصلحة كبرى وإلا فإن المجهود الحالي سينضم إلى قائمة طويلة من المحاولات السابقة!

? [email][email protected][/email] العرب

تعليق واحد

  1. شكرا للاستاذ محجوب محمد صالح فكلامك واضح وعميق حول موقف امريكا من النظام الحاكم في السودان وموقف النظام الحاكم في السودان من امريكا
    وانا هنا لتاكيد
    بان ماتم وسيتم لن يؤهل النظام الحاكم في السودان لتطبيع علاقاته مع امريكا للبون الشاسع والتقاطعات في النهج والاسلوب
    امريكا تضع شرط تحسين الوضع الداخلى والديمقراطية وحقوق الانسان والحرية وعدم التدخل في شئون الدول الاخرى اساسا لتحسين العلاقات
    وهذه من المستحيلات بالنسبة للنظام الحاكم في السودان ..لماذا
    لانه متى مامنح النظام الحاكم الشعب السوداني الديمقراطية وحقوق الانسان والحرية فان النظام الحاكم في السودان سيسقط صبيحة اليوم التالي وقد ايقن النظام الحاكم من ذلك عبر السيناريو الاستكشافي الذي قام به (حوار الوثبة ) الذي سرعان ما عاد وابتلعه وكانه لم يكن ابدا بل وسارع الخطى في تعديل الدستور واعلان الانتخابات حتى بدون منافسين ورغما عن مقاطعه الشعب لها ليفرض امرا واقعا كما فرض نفسه على الشعب السوداني بانقلابه على حكومة ديمقراطية لذلك لا يمكن ان يتجرع النظام السم بيديه ابدا .. اما دول الجوار فقد تعقدت الحسابات وتقاطعت المواقف مع مصر وبات امر انتماء النظام الحاكم في السودان لتنظيم الاخوان المسلمين امر يستحيل معه التوافق هذا بجانب السعودية ودول الخليج وليبيا التي ترى في محاولات تطبيع العلاقات معها عبر زيارات تكتيكية او اغلاق المراكز الثقافية الايرانية من قبل النظام الحاكم في السودان هي مجرد محاولات يائسة وسيظل النظام الحاكم في السودان منبوذا لديها وهدفا لن يهدا لهم بال الا بازالته واجتثاثة تماما كما حدث تماما مع تنظيم الاخوان المسلمين بمصر بوصفه مهدد رئيسي لامنهم القومي
    ولكن تبقى علاقة الشعب السوداني وطيده ودافئة مع الشعب السوداني خصوصا بعد رفع الحظر للبرمجيات مما يتيح لامريكا التواصل بصورة افضل مع الشعب السوداني ومعرفة حقيقة النظام الحاكم عن قرب وبصورة اشمل واعمق

  2. يعود الفضل لعميد الصحافة السودانية محجوب محمد صالح طاول من كشف ضعف الحكومة السودانية ابان مفاوضات السلام فهو اول من نشر وعلق في الايام يوم 13 يناير 2003 تهديد دانفورث للحكومة علنا بالاسراع بارسال الوفد المفاوض لحضور ورشة نيروبي لمسالة المناطق الثلاث . وبالتاي فمحجوب هو اول من يعلم ضعف الحكومة السودانية في مواجهة الامريكان . لكن التحليل ينقصه شئ مهم ما نظرة الامريكان للشعب السوداني (صاحب الحق الاول) فيما يدور علما بان نظرة الحكومة السودانية هي نظرة الراعي للرعية يقودها الي ما يريد ولا قيمة حقيقية للشعب . صحيح ان الامريكان اصروا علي اضافة بعض البهارات في اتفاقية السلام مثل (التحول الدبموقراطي) التي رفضها (علي عثمان) رفضا باتا مستفيدا من توهان المعارضة انذاك . وعلي كل حال ان علي الامريكان ان يعلمو ان الشعب السوداني (صاحب الامر) سيقول كلمته قريبا في الاوضاع التي تريد الولايات المتحدة الابقاء عليها لصيانة مصالحه ولن يقبل الشعب بعد الان بفتات من (هامش حرية) الان يريد الشعب الحرية كاملة غير منقوصة وينادي ب(ارحل) و (قرفنا) و (ما تفوتوا خلص قاعدين لمتين) . هذ اجراس الحرية تدق فهل يسمعها الامريكان

  3. السياسة الامريكية بالنسبة للعالم العربى والاسلامى متروك حصريا لاسرائيل وما الادارة الامريكية الاواجهة فقط.الطريق الوحيد لاصلاح العلاقات مع امريكا يسير عبر تل ابيب والتطبيع الكامل مع اسرائيل. والكلام ده قالو مسؤل كبير عندنا ،قبل انفصال الجنوب، ان الامريكان قالوا له اننا سنحل جميع مشاكل السودان فقط اقبلوا التطبيع مع اسرائيل. السؤال هل نحن السودانيين مستعديين لذلك؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..