سودان لاين: ومن رأى (1-2)

أفق بعيد

سودان لاين: ومن رأى (1-2)

فيصل محمد صالح
[email][email protected][/email]

أثار الزميل الطاهر ساتي في عموده المقروء بالزميلة “السوداني” أمس، أشجاني، وهو يندب ويتحسر على حال الخطوط البحرية السودانية “سودان لاين” التي كانت واحدة من أكبر شركات النقل البحري عربيا وأفريقيا، ثم تحولت لمجمع للحديد الخردة الذي يباع بأبخس الأمان.
ليس من رأى كمن سمع يا صديقي، ولك ان تتخيل وجعنا نحن الذين رافقنا “سودانلاين”، وهي جزء من عمرنا، من طفولتنا، وصبانا وحتى شبابنا الذي يولي من بين أيدينا. سودانلاين ليست مجرد شركة، حكومية كانت أو غير حكومية، لكنها “حيوات” متكاملة ومتداخلة، مثلها مثل مشروع الجزيرة لناس مدني والجزيرة، ومثل السكة حديد لناس عطبرة، وهي جزء من ذاكرتنا المعجونة بماء البحر الاحمر ورماله.
عاصرناها حين بدأت بالباخرة “سنار” وربما كنا أطفالا صغارا وقتها لا نعي شيئا، لكننا تحسرنا وبكينا حين قيل لنا أن الباخرة “اركويت” قد غرقت في خليج البسكاي، شعرنا أننا فقدنا جزءا من حياتنا. كنا نحفظ أسماء البواخر القديمة والجديدة، نعرف تواريخ نزولها للبحر، ونترقب القادمات الجدد، لأن يوم قدومها هو مهرجان للفرح والانبساط. كانت تمثل بالنسبة لنا الوطن كله، خاصة وأن أسماء بواخرها كانت تحمل اسم مناطق ومدن الخرطوم المختلفة، شمالا وجنوبا، شرقا وغربا. تتآخى في بواخر “سودانلاين” مريدي مع مروي، وسنكات مع دارفور، والأبيض مع سنار، وغيرها من البواخر التي بلغت 15 باخرة.
كنا نحفظ أسماء الكباتن والمهندسين، وبالذات الرواد منهم، كابتن قاسم رحمه الله، ثم كابتن عبدون وكابتن عبد الرحمن الزين، وكابتن تبة الفيل، وكابتن نقدالله، حتى كابتن ناجي مكي ورفاقهم، وزملائهم من المهندسين. كانوا نجوما سواطع، نسعد إن سلمنا عليهم في زيارة مدرسية أو عائلية للبواخر، ونسعد أكثر إن صادفناهم في سوق بورتسودان او في مناسبة عامة، ونعود لـ”نقبض الجو” بهذا الحدث السعيد.
بل حتى البحارة من أبناء حينا كانوا نجوما، ننتظر قدومهم لبورتسودان بفارغ الصبر ليحكوا لنا عن أوروبا ومباهجها وغرائبها وميناء ليفربول، لا يهم إن كان في الحديث بعض مبالغات من “محجوب رجالة” أو محمد خضر، لكنهم كانوا المصدر الوحيد، ولم نكن نعلم أحدا رأى العالم الخارجي غيرهم.
نعمنا في طفولتنا بأكل حلويات الماكنتوش وبسكويت “فاميلي سيركل” وشربنا الفيمتو، في وقت لم يسمع فيه ناس دكتور البوني بـ”حلاوة قطن” دعك من أن يأكلوها. دخلت بيوتنا الثلاجات والغسالات والبوتاجازات الحديثة والملابس المستوردة، كل هذا كان بفضل سودانلاين.
نعرف مواعيد وصول البواخر ونترقبها بشوق ولهفة، وكنا نحن أبناء البر الشرقي أكثر حظا ومعرفة، إذ قد ترسي الباخرة خارج الميناء “هانكر” تنتظر الدخولن فنقضي نهارنا وليلنا نراقبها، ونعرف في أي مربط رست، وما إذا كانت تقف على الرصيف مباشرة أو “سايدنق”. كانت هذه المصطلحات جزء من الثقافة اليومية العادية لأهل بورتسودن، وبالذات الأحياء القريبة من الميناء.
كنا نعمل في الميناء في الإجازات، ويا بخت وسعد اي منا إذا عمل في مربط في باخرة لـ”سودتنلاين” فستجد من يعرفه ويدعوك لتناول الإفطار أو الغداء بالباخرة، في مطعم يعمل بالنظام الأفرنجي.
أثرت أشجاني ياصديقي، وما كتبت غير صدى ذكريات، ودعنا نعود مرة أخرى لنتحدث عن ما آل إليه حال “سودانلاين”.
صحيفة الشاهد

تعليق واحد

  1. عزيزى فيصل ذكريات نتحسر عليها الأن و سودان لاين دمرت بالكامل فى عهد الأنقاذ
    الأن تشرد كل طاقم سودان لاين و من وجد فرصة عمل هاجر و هو يتحسر على ما وصلت
    اليه .. و ننتظر بقية المقال فأنتم أول من تتكحل عيونكم من شواطئ سلبونا ببواخر
    سودان لاين و هى فى طريقها للمربط …

  2. اخي فيصل ابن سلبونا وفريقنا الاستقلال لقد ابكيتني حين اثرت لواعج الشوق لايام مضت بالثغر الحبيب انا كتبت عن سودان لاين بهذه الغراء قبل ثوب عرسها الجديد …اشواقنا اصبحت اشواك في حلوقنا ياعزيزي البكاء اصبح ثقافة وطنالبكاء وووووووووووب حي وووووووووووب حي علي عزة ووطن العز من البكاء اصابتنا المياه البضاء بالعيون ونحرم من فترة لاخري من القراءة والكتابة لا نقول الا حسبنا الله ونعم الوكيل علي هؤلاء الابالسةالذين لا احساس لهم بالوطن والمواطن ونقول لهم اليس الصبح بقريب !!!!!!

  3. يا سادة يا كرام – قصة حقيقية كنت بطلها
    لدي صديق و اخ عزيز مهندس بحري خريجاالاكاديمية البحرية من ابناء الخرطوم و يبحث عن وظيفة – منتصف التسعينات – و قدم اوراقه في سودان لاين و اترفض – المهم واحد جزاه الله خير دبر لينا موعد مع مدمر سودان لاين الاكبر الضلالي الكبير و الرجل ما كنا بنعرفو المهم انا و صديقي المهندس مشينا في الموعد و عند دخولنا الي مكتب الجزار رئيس مجلس الادارة – مكتب طويل جدا و فخم جدا – المهم مع دخولنا هب سعادتو و قعد يكبر و يهلل – الخلعة مسكتنا احنا – المهم الضلالي ده قال لينا انا شوفتكم في الحلم امبارح و كنت مستنيكم – في لحظات وسط الانفعال بتاعو قام نادى احد الاشخاص و تم قبول صديقي في التو و اللحظة بدون اي تأخير.
    هكذا كانوا يديرون اكبر صرح قومي اقتصادي ناجح في السودان …
    رحمك الله يا صلاح عمر . اين هؤلاء من قامة مثلك .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..