“ويكاب وسلات” الغذاء التقليدي.. عصيدة طارت عصافيرها

الخرطوم – الزين عثمان

هنا يبتسم لخطوك التراب تمد ابتسامتك وفقاً لدائرة مساحتها مليون ميل مربع، يكفيك من القصة أن تكون سودانياً ومن اللحظة القول (في هذه الأرض ما يستحق الحياة) التي تدور بك ثم تدور وتستقر في نهاية أمرها عند مثلت (ما كان وماهو كائن الأن وما سيكون غذا)، الماضي الحاضر والمستقبل الصورة تحيط بها سودانيتها في أيام الخميس والجمعة والسبت.

الوجوه تتدثر بابتسامتها الخضراء الأصوات تنادي على بعضها بـ (يازول) الناس هنا في معرض الخرطوم الدولي، وتحت لافتة مجموعة دال الغذائية يدقون على طبل فرحهم ويصرخون ملء حناجرهم (أحلى يوم المهرجان)، الوطن يوازي فرحة القادمين به يسع الجميع، وهم يجالسون بعضهم الواحد في قدح عصيدة مُشبّع للغاية لم تكن العصيدة لتأتي دون توابعها، فالمهرجان هو مهرجان السودان للأغذية التقليدية.

المعرض الأن:

“ديل أهلي البقيف في الدارة واتنبر وأقول للدنيا ديل أهلي عرب ممزوجة بدم الزنوج الحارة” ديل أهلي كعادتهم لم يأتوا خاليي الوفاض، جاءوا يحملون خيرهم من كل مكان، دخلوا المعرض ومعهم زادهم، والمثل داك (زاد الحبان ليهو مكان)، حين يأتي الزاد ومن يتناولونه، فيمكنك أن تغني بصوت مصطفى سيد أحمد ضيوفاً دقوا باب فرحي بيهم ملاء حتى الكبابي. لكن على غير العادة لم يكن حتى النصف الفارغ من الكوب فارغاً فقد امتلأ لحظتئذ.

عادي أن تعتذر لـ (عاطف خيري) وتصرخ في المهرجان (البنبر الخالي مدان) البنابر والعناقريب وقف السعف وأشياء أخرى كانت موضوعة بعناية في باحة معرض الخرطوم الدولي في بري, الأقدام التي تضرب على الأرض، فتخرج الغبار من قلب السراميك.

موسيقا وفرح:

آلات الموسيقى التقليدية وحالات (النفخ) من الجميع تخرج سمفونية صوتها تسر السامعين وتخبرهم بما يملكونه من تعدد عرقي وثقافي. كانت كل الأشياء تتدافع هناك. النساء يجلسن حول دائرة الدلوكة وهن يغنين لي البلد وهو يستطعم كوب شاي بلقيمات مصنوعة بمحبة، وكان الشيخ العبيد ودبدر هنا يخبرنا (الما عندو محبة ما عندو الحبة) المحبة تستطيل لتصبح قندول ذرة يشتعل من تحته الحقل وعداً وتمني. المسيرية والنوبة الدينكا الشلك والنوير أهل الأنقسنا ونوبة الشمال كل البلد كانت هناك الأرض أكثر اتساعاً كما القلوب التي يكسوها بياض النيات من أجل أن تمضي المسيرة للأمام ودون توقف الفكرة هي أننا سنجلب الماضي لنعيش في الحاضر ونستشرق المستقبل.

صناعة الدهشة:

جلب الماضي إلى مسرح المعرض الحاضر كانت هي الصورة الطاغية في أيام المهرجان الصورة المرسومة بتفاصيلها كانت مدخلاً لصناعة الدهشة التي يمكن تبريرها في حال ارتسمت على محياء هؤلاء الأجانب, لكن الأكثر دهشة هي ظهورها على محياء أبناء وبنات البلد من الجيل الجديد, وتم رسمها بطريقة خاصة على وجوه الأجيال السابقة. رجل في الخمسين من عمره بدأ وكأنه عاد سنوات للوراء، وهو يقوم بدور الشرح لمن يرافقونه في مهرجان كان يتوشح بثوب الاختلاف الذي يغذي فكرة الانتماء لأرض تسعد بأن تكون من أحد أبنائها. الساقية هنا تحمل من الماضي لتصب في المستقبل، وهي واضحة لعيان من يسألون عنها قبل الذين يعرفونها.

جنوبياً هواها:

الشاعر محمد طه القدال كان ضمن الحاضرين في المهرجان طالبنا في وقت بأن (ما نجيب سيرة الجنوب) وجابها هو بأنه حسم جدل التاسع من يوليو بالقول بس من دمي ما قدروا فصلوه الجنوبيين كانوا هنا رفقة أهل الوطن القديم وقريباً من المسيرة يعاودون ذات الرقصات الأولى, ويغمسون أياديهم عميقاً في قدح العصيدة الموجود للفرق الجنوبية والوجبات القادمة من هناك كانت رسالة أخرى مفادها أن الوطن ما زال يتقاسم ذات اللقمة, ويندفع مع النيل الذي لن يغير مسيله أصحاب مهرجان السودان للأغذية لم يتوقفوا عند نقطة استعادة أريج الوحدة مع أبناء الجنوب. وإنما أضافوا عليها أحلام الغد بإعلانه ايصال كافة المنتجات السودانية للخارج قريباً. لم يكن الجنوب وحده، فقد هبت علينا نسائم الشمال وخيرات كردفان الغرة وسلات الشرق وخير الوسط الماهل كان هناك السودان.

وصفة الويكاب:

الويكاب لمن لا يعرفونه هو ودعم (النعيمية) التي تجمعها صلة قرابة بأم شعيفة التي خرجت من ذات رحم أم تكشو يدفع البحر بالكجيك, ولا يتوقف في محطة الفسيخ تمد القراصة بنظرها كرتين فتنعكس على صفحة العصيدة ناصعة البياض التي تعلوها حمرة, يمكنك تجميع كل الخليط بعد استخدامك (المرحاكة) كل هذه الوصفات يمكنك أن تقرأها، وأن تشاهدها في الوقت نفسه وأنت تتجول في ردهات المعرض قد تغوص قدمك في الماضي البعيد وتندلق عليها مديدة البلح أو مديدة حلبة أو تصيبك رعشة المتعة وأنت تتذوق طعم الشربوت، فتهرب منه إلى عصير الدوم الحلال وعصير اللالوب وغيرها من الأطعمة. يمكنك أن تكتفي من اللحظة بدهشتك الأولى التي ينهيها أحساسك بعظمة الانتماء لهذه الأرض وعجزك من ممارسة الوقوف لتشكر من جعلوا هذا ممكناً، فأنت الآن فقط تعرف الطريقة التي يتم من خلالها صنع النعيمية والويكاب والشرموط الأبيض والسلات وغيرها.

تسترخي وأنت تقرأ السؤال في عيون هذه الصغيرة تكتفي بإجابات جدها وهو يسترسل، وكأنه يستعيد الزمن الموصوف عندهم بـ (السمح) السماحة تصنع هذه المرة من السعف فتحملها تلك الأجنبية في يدها، وهي تردد أوووه سودان الأنشودة يتقافز معها آخرون في الساحة، وهم يجمعون كل شتات الثقافات في حوش واحد تظللهم ذات الابتسامة بلونها الأخضر

اليوم التالي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..