إلى متى تدوم الحروب الأهلية في السودان؟ا

إلى متى تدوم الحروب الأهلية في السودان؟

د.الطيب زين العابدين

ما كاد السودان يخرج من الوصف الشائن الذي ألصق به أنه خاض أطول حرب أهلية في إفريقيا لأربعة عقود بين الحكومة المركزية وحركات التمرد في جنوب السودان إلى أن عقد اتفاقية السلام الشامل (2005) التي أدت في نهايتها إلى تفتيت وحدة السودان وفصل الجنوب عنه، وبنهاية حرب جبهة الشرق (1994- 2006)، وخفض حدة حرب دارفور (2003-2011)، حتى اندلعت فيه حرب جديدة في كل من النيل الأزرق وجنوب كردفان (يونيو 2011- إلى اليوم)، وتهديد بحرب ثانية قد تكون أشد ضراوة بين دولة الشمال ودولة الجنوب. وقد توعد رئيس الجمهورية قبل أيام وهو يرتدي لباسه العسكري في احتفالية الدفاع الشعبي (3/3/2012) بأننا قدمنا 18 ألف شهيد من قبل وعلى استعداد لتقديم ذات الرقم اليوم، وهدد بأن «أي زول يرفع أصبعو على السودان بنقطعوا ليهو وأي زول يرفع عينو بنقدها ليهو». ولم يبدُ على الرئيس أنه كان يتحسب لشئ او يبالي بشئ وهو يذكر بذلك الحجم الكبير من التضحيات الجسام ويهدد الاعداء بقطع الأصابع وقلع العيون، بل في الحقيقة أنه كان يعني ما يقول بممارسته لكل الطقوس السابقة التي اعتادها في مثل هذه الاحوال ، وطلب في نهاية حديثه من كل ولاية في السودان على بؤس حالها أن تجهز لواءً كاملاً استعداداً للحرب المتوقعة (اللواء حوالي 1200 عسكري)، أما ولاية الخرطوم فخصّها بنسبة أعلى وهي أن تجهز كل محلية فيها لواءً كاملاً أي سبعة ألوية لكافة المحليات. وأحسب أن الرئيس كان جاداً فيما يقول بصرف النظر عن مقدرة الولايات في تجهيز ما أمر به (يعني مش هظار)، وقد بدأت بعض الولايات المطيعة بالفعل الاستجابة لتعليمات الرئيس التي صدرت على الهواء مباشرة!

وهذا يعني أننا لم نكتفِ بسمعة أطول حرب أهلية في إفريقيا، ولا بسبة أول بلد موحد لأكثر من مئة سنة في إفريقيا تنفصل عنه ثلث أرضه وربع سكانه، بل يبدو أن الطريق أصبح سالكاً لمزيد من الحروب والتضحيات واحتمالات التفتيت. والسؤال الذي يؤرقني هو: لماذا يكون قدر أهل السودان كل هذه الحروب والمعاناة فيما بينهم وهم الذين عرفوا بالسماحة والطيبة والعفو عند المقدرة والمجاملة الزائدة للغريب أكثر من أي بلد في إفريقيا؟ يبدو أن هناك انفصاماً تاماً بين طبيعة الشخصية السودانية العادية وبين سلوكيات النخبة الحاكمة التي تعاقبت علينا منذ الاستقلال إلى يومنا هذا، وعرضتنا إلى كل تلك المحن والرزايا التي ما زلنا ندفع ثمنها غالياً. ما هو السبب في هذا الانفصام؟ وما هو السبب وراء سلوكيات أولئك الحكام النشاز؟ وإلى متى تدوم تلك الحروب الأهلية الطاحنة ويدفع الشعب الطيب ثمنها على حساب قوته وصحته وتعليم أبنائه؟ الغريب أن السلطة الحاكمة تستطيع أن تلوذ بالصمت والاستكانة عن أراضٍ سودانية اغتصبتها بعض دول الجوار (كينيا وأثيوبيا وليبيا ومصر) ولا تطيق الصبر على مطالبات بعض أقاليم الهامش بقسمة عادلة في السلطة والثروة حتى تخوض معها حرباً ضروساً تهلك الحرث والنسل، وعندما تعجز السلطة عن كسب الحرب تقبل مرغمة أن ينفصل ذلك الإقليم عن البلد الأم! فالسودان لم يخض منذ استقلاله قبل ستين عاماً حرباً واحدة ضد عدو خارجي بل كانت كل حروبه لسنوات متطاولة ضد بعض أبنائه في الجنوب والغرب والشرق، فإلى متى يتخصص الجيش السوداني في معالجة المشاكل السياسية الداخلية بالقوة المسلحة؟

والمفارقة بين الشعب والسلطة الحاكمة ليس فقط في مجال العداوة والحرب ولكنها تمتد لمجالات أخرى، فأفراد الشعب السوداني عرفوا بين دول الخليج بالأمانة والصدق أكثر من أية جنسية أخرى ولكن المؤشرات الدولية تضع السودان بين أكثر دول العالم فساداً وأقلهم شفافية، وخبراء السودان من أنجح وأكفأ الناس في دول الاغتراب ولكن خبراء الحكومة السودانية عرفوا بالفشل والتسيب والإهمال، ولقد كانت مؤسسات التعليم والعلاج من أحسن المؤسسات في إفريقيا والعالم العربي ولكنها تدهورت إلى المؤخرة في زمن البترول والمشروع الحضاري. هل هذه المفارقات بين طبيعة الشعب وقدراته وبين ممارسة السلطة وسياساتها محض صدفة أم قدر رباني وقع علينا من حيث لا ندري ولا نحتسب؟ أم هو مما كسبت أيدينا ويد السلطة التي تحكمنا؟ لقد تعاقبت علينا منذ الاستقلال ثلاثة أنظمة ديمقراطية حكمت (11 سنة) كل منها كانت أضعف من سابقتها وأقل كفاءة وثلاثة أنظمة عسكرية امتد حكمها لـ( 43 سنة) كل نظام منها كان أشد قسوة وأسوأ أداءً وأكثر فساداً مما سبقه. لماذا هذا التدهور المريع في أداء حكوماتنا بمعايير التعددية الديمقراطية التنافسية التي تجنح عادة للأفضل وبمعايير الضبط والظبط في الإدارة العسكرية القوية؟ لقد ابتلينا بسلبيات النظامين دون حسناتهما، وعلى كل تظل الديمقراطية هي الأفضل بما توفره من حريات وحقوق ووسيلة سلمية للتغيير. وحتى انتفاضاتنا الشعبية ضد الاستبداد سبقت كل دول العالم العربي ولكنها تأخرت عندما بدأ ربيع العالم العربي يجتاح المنطقة!يبدو أن هناك خطأ ما أو جرثومة ما في كيان هذا الشعب الطيب المتفرد القابل لكل التناقضات النفسية والاجتماعية. فالسوداني قد يقدم أغلى ما عنده إكراماً لضيفه الغريب ولكنه قد يقتل قريبه اللصيق انتقاماً لكلمة جارحة لا تسوى عند الآخرين جناح بعوضة. نحتاج من الدارسين والخبراء في علم النفس والاجتماع والسياسة من يفسر لنا مثل هذه التناقضات والمفارقات التي قعدت بنا من المضي قدماً في النهضة والنمو، ويجدر بالحكومة أن تلتفت لمثل هذه الدراسات المفيدة التي تسبر مواطن الضعف والقوة في كياننا النفسي والاجتماعي قبل أن تحاول إعادة صياغة الإنسان وفق تصور آيديولوجي بعينه.

وبما أننا نعاني في الوقت الحاضر من عداوات واحتراب خارجي وداخلي مع جنوب السودان وفي ولايات جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور، فإني اقترح وصفة جديدة سهلة التطبيق وقليلة التكاليف لمحاولة حل المشكلات العالقة بيننا والجنوب وبين الحكومة وولايات جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور لعلها تكون أكثر نجاعة من حلول الحكومة الاحترابية. لقد سعت الحكومة في الماضي للبحث عن وساطة إفريقية بينها وبين حركات التمرد بدأت في أديس أببا ثم أبوجا ثم مجموعة الإيقاد، ودخل في الخط أصدقاء الإيقاد ثم شركاء الإيقاد، ودول الترويكا (النرويج والمملكة المتحدة والولايات المتحدة)، والسناتور الأمريكي دانفورث الذي أشرف على وقف الحرب في جبال النوبة وكتب مسودة بروتوكول أبيي، وفريق الخبراء لرسم حدود منطقة أبيي، ثم جاءت من بعد ذلك الجامعة العربية والاتحاد الافريقي ولجنة ثابو أمبيكي لحكماء القارة، وعدد يصعب حصره من مبعوثي الرئيس الأمريكي وغيره من رؤساء الدول الكبرى، ثم دولة قطر التي احتكرت بنجاح استضافة وفود مشكلة دارفور. ولم تكن تلك الوساطات في معظم الأحيان لمصلحة حكومة السودان، ومع ذلك صبرت عليها طويلاً. واقتراحي السهل الممتنع أن تحاول الحكومة هذه المرة وساطة سودانية محلية من بعض الشخصيات الوطنية المستقلة ذات القبول لكل أطراف النزاع من أمثال السادة أبيل ألير ودفع الله الحاج يوسف وأنيس حجار وبونا ملوال ومحجوب محمد صالح وعبد الماجد حامد خليل وسعاد ابراهيم عيسى وبلقيس بدري والتجاني الكارب وكامل الطيب إدريس وقاسم بدري وإبراهيم الأمين وغيرهم، على أن يكون تكوينها وتحديد مهامها بالتشاور مع أطراف النزاع في الجنوب ودارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، وأن تمكن بالاطلاع على وثائق النزاع ومواقف الأطراف المختلفة وأن تستعين بمن تشاء من الخبراء والمختصين. وقد نجحت في اليومين الماضيين الوساطة التي قادها الأستاذ حسن عثمان رزق مع بعض الشخصيات في حلحلة مشكلة المناصير التي اعتصم أهلها في العراء أمام مباني حكومة الولاية لأكثر من ثلاثة أشهر بعد أن تمترس كل طرف في موقعه لا يحيد عنه رغم الاتفاق على عناصر الحل من كل الجهات المعنية. وعلى كل إذا لم تنجح الوساطة التي نريدها لمشكلة الحرب في السودان لأن قضاياها أكثر خطورة وأشد تعقيدا فلن يخسر أحد من أطراف النزاع شيئا وإذا نجحت سيربح الجميع ويربح الوطن أيضا، ولذا فهي تستحق المحاولة والمخاطرة.

الصحافة

تعليق واحد

  1. ج/ الى أن يزول الحزب الحاكم (المؤتمر الوثني‏)‏ تجار الدين و عصابة هذا العصر و المستقبل

  2. من المفارقة أيضا يا بروف أنك تتظاهر بأنك لا تدرك لماذا السودانيون فى منافيهم هم خبراء و من أنجح و أكفأ الفئات فى بلاد الغربة و أفشلهم فى السودان. إن لم تعلم – و أنت تعلم علم اليقين – هذه المفارقة عاصرتها بنفسك حين جلبت الحكومة مؤيدينها و أحلتهم مكان الغير منتمين لها فى حملة التمكين الهولاكية. أنت تعلم هذا ولكنها المكابرة.

  3. صراحه يابروف نحن ماشايفين جرثومه غير الكيزان … لكن الجمل مابشوف عوجة رقبته .. منذ ان ادخل الدين في السياسه واصبح مطيه لطلاب السلطه والجاه نحن ماشمينا عافيه .. وحربنا مع الجنوب الكانت حرب مطلببه بقت حرب دينيه .. والنهب المسلح بقي حرب لتصفية القبائل الافريقيه .. يابروف السودان مشكلته انه في ناس اسمهم الاخوان ومن شابههم يريدون ان يكونوا اوصياء عليه وعلي حياة شعبه ودينه … ولن تحل مشاكل السودان الا بشيئن الاول ان تبتعد المؤسسه العسكريه سبب الاذيه عن السلطه والسعي لها والثاني ان ترتضي جميع الاحزاب والفئات الشعبيه بالديمقراطيه كوسيله لتداول السلطه .. وان لاتسعي الاحزاب ذات الخلفيات الدينيه للاستيلاء علي السلطه لفرض ايدلوجيتهم وتتطبيق الوصايه علي الشعب … هذا او الطوفان

  4. لن تتوقف إلى أن يقر الإسلامويون، بمختلف تصوراتهم، أن الوطنية عنصر وحدة و الدين عنصر تفرقة.

  5. ـ كلام كله تناقض. فى الحقيقة إذا فعلا نحن شعب ناجح كان من الاجدر أن تكون بلادنا من أحسن البلاد.لانه الشعب الناجح هو الشعب الذى يرفض الزل والمهانة ويرفض الاحكام العسكرية ويفرض الديموقرطية حتى لو كلفه ذلك أرواح من شعبه. لكن نحنا عاوزين نقيم ثورة من منازلنا . ثم قصة الحروب المفروضة علينا من المجتمع الدولى. طبعا يا بروف انت كنت جزءا من النظام ولاكنك اصبحت خارجه الان، لكن بتعمل معاهم بالمثل الذى يقول لما تقع البقرة بتكثر سكاكينها.

  6. غايتو المشكلة دي عندها حلين الحل الاول هو الي ان يرث الله الارض ومن عليها والثاني ان تجئ حكومة تتقي الله في شعبها وتقدر مصالحه العليا ولا تفرط في اراضيه حتي الخيار الثاني اشك في حصوله اصلا وكفاية مصر وليبيا وتونس والمغرب وهلم جرا

  7. والله يا بروف لا حا نوسطك ولا حا نقبل اى وساطة ولو يوغندا ولا كينيا ولا اثيوبيا ولا ليبيا ولا مصر أخدت ليها بضع امتار من بلدنا الواسعة دى مبروكة عليهم وما بتغلى على الجار الا عليك الله كيف تقبل ناس عمرك كلو بتملكهم يرفعوا نخرتهم عليك أسمعها منى الفور والنوبة ديل ما عندنا معاهم صلح بس البندقية غلبناهم يرجعوا مملوكين لينا ذى زمان غلبونا بنفصلهم واليمشوا فى ستين داهية

  8. إنتو يا أخوان الشيطان أسباب مشاكل السودان …قسمتوه السودان وشردتوه الناس وعذبتوه الناس وقتلتوه الناس وإغتصبتوه الناس وجوعتوه الناس ولسه عندك نفس تتكلم ياسيد الطيب زين العابدين…أرحموا أهل السودان وأغربوا عنا…لعنة الله عليكم.

  9. انت يا المدعو بروف

    كزاب كزاب وكزاب

    وانت تعلم ذلك

    انا عندى ليك سؤال واحد بس

    انت والذين معك هل تؤمنون بالله واليوم الاخر والحساب

    اشك فى ذلك ولذلك ختم على قلوبكم وانت الان كبير فى السن

    وقربت

  10. اجابة لعنوان المقال …عندما ترجع على راس ادارة المركز الاسلامي وتفتح اقسام جديدة لضباط الجيش وتعلمهم كيف يدخلوا في السلم كآفة ؟؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..