سودانلاين: ومن رأى (2-2)

أفق بعيد
سودانلاين: ومن رأى (2-2)
فيصل محمد صالح
[email][email protected][/email]
نواصل الحديث عن الخطوط البحرية السودانية “سودانلاين” وما آل إليه حالها من خراب، وكانت زاوية الأمس مزيج من الحنين والذكريات الجميلة، ولكن ما زال هناك حديث، غير الذكريات، يستحق أن يقال عن حال سودانلاين الآن. لقد تكاثرت النصال على هذه الشركة الكبيرة والفتية، وأنتاشتها السهام من كل ناحية، حتى خرت صريعة، وتحولت لجثة كبيرة من الحديد الخردة.
كانت الشركة كما ذكرت صاحبة حضور فاعل في صناعة النقل البحري، تعمل على نقل صادرات السودان وجلب وارداته، لكنها تخطت ذلك بتلقيها عروض الإيجار من شركات ومؤسسات عالمية، فوصلت الشركة لتعمل في موانئ الصين وأمريكا اللاتينية، بعد أن كانت تنحصر بين الموانئ الأوروبية والعربية والأفريقية، ولم يحدث ذلك اعتباطا وإنما هو نتيجة تخطيط ودراسة من ناحية ثم نتاج السمعة الحسنة للالتزام والانضباط ونظافة سجلاتها من الانتهاكات الفردية والجماعية ، مثل جرائم التهريب ونقل المخدرات…الخ من ناحية أخرى.
المسؤول الأول في انهيار الشركة كان سياسة الخصخصة اللعينة، التي لم تتم على أساس مدروس ولا استرشدت بتجارب العالم المتنوعة، وإنما تم تطبيقها بطريقة فجة، فعرضت ثلاث من ايقونات السودان الاقتصادية للانهيار، وهي السكة حديد والخطوط الجوية السودانية “سودانير” والخطوط البحرية السودانية “سودانلاين”. كل منها كان الناقل الوطني في مجاله، فتم عرضه في سوق الله أكبر ليمزقه السماسرة كيفما شاءوا، ولم نعرف شروط تأهيل المتقدمين للعطاءات وقدراتهم وامكانيتهم، والفرق بين شركة تعمل في مجال المطاعم والتعدين وبين صناعة النقل الجوي.
تعرضت الخطوط البحرية السودانية إذن لمحنة الخصخصة والبيع بالقطاعي حين فشل بيع الجملة، ثم مغامرة الدخول في شراكة غير مدروسة، انتهت بأن تخلصت الشركة من كل بواخرها، دون استخدام سياسة الإحلال والتبديل، فباعت الكل دون أن تشتري باخرة جديدة، وتحولت لوكالة للنقل البحري بعد أن كانت واحدة من أكبر شركات النقل البحري عربيا وإفريقيا.
ثم تكالبت على الشركة إدارات عملت على تخريبها، جهلا أحيانا، وبتدبير وسوء نية أحايين أخرى، ولها ملفات فساد معروفة وموثقة، وقد يصل الأمر لمرحلة الخيانة الوطنية إن علمنا أن هذه الإدارات وجدت الحماية والإصرار على استمرارها في العمل رغم كل شئ، لم يسألها أحد ولم تسائلها أية جهة. وهكذا تحولت الشركة من مسار النجاح والربحية لتهبط في مستنقع الفشل والخسائر المالية الكبيرة. والمؤسف أن في كل مرحلة، كان الحادبون، من عمال وموظفي الشركة ومنسوبيها ومسؤوليها السابقين، يتحركون وينبهون ويكتبون التقارير والمذكرات دون أن تجد التفات أو انتباها من المسؤولين في الدولة.
الموضوع يستحق مساءلة برلمانية تبدأ بلجنة تقصي حقائق بصلاحيات كبيرة، ثم عرض تقريرها على البرلمان ومناقشته بشكل مفتوح، وأخيرا مساءلة المخطئين والفاسدين، غض النظر عن مواقعهم ومسؤولياتهم. ربما يكون هذا مجرد تمني لا يسمح بتحقيقه ظرف البرلمان الحالي وتركيبته، لكنه على كل حال هو الطريق الوحيد لمعرفة ماذا حدث للشركة، وهو أيضا طريق معرفة كيف نتستعيد شركة الخطوط البحرية السودانية وكيف نعيد لها عافيتها المسروقة.