مبدأ أبو ذر ..

*(الكل يبكي على الوطن
ولا أحد يزرع في رصيفه وردة..).
-أحمد العراقي-
ج
.. يستحق أبو ذر الغفاري أن نكرّمه ونطلق على أفكاره لقب المبدأ الغفاري.
كان أبو ذر الغفاري شيخاً جليلاً زاهداً، وفوق ذلك كان لا يطيق الخطأ والميل.
اعتاد أبو ذر حين يمر من أمام جاره أن يلقي التحية عليه. وذات مرة كان هذا الجار يضع طبقة من الطين على سور داره، ومر أبو ذر من أمامه ولم يسلّم عليه. تضايق الجار وغضب وقال في نفسه: ترى لماذا لم يسلم عليّ الشيخ؟ هل أزعجته؟ عزّ عليه كثيراً أن يمر الشيخ من أمامه ولم يسلّم عليه. فترك عمله ولحق به وقال له: يا شيخنا لماذا لم تسلم عليّ؟هل أزعجتك بشيء لا سمح الله؟ قال له أبو ذر: إنك تضع طبقة إضافية من الطين على سور دارك، والأولى أن تقبع الطبقة المهترئة وتضع بدلاً عنها. فقال الجار: وما يزعجك في هذا يا شيخنا؟ فقال أبو ذر: إنك أخذت بهذا جزءاً من الفضاء العام أو من الشارع وهذا ليس حقاً لك؟
بالتأكيد هذا الجزء البسيط الذي أخذه الجار من الملك العام لا يهدد الشارع. لكن من حيث المبدأ فإن التعدي على المال العام يبدأ بشيء طفيف وتزداد الجرأة شيئاً فشيئاً ويصبح الملك العام أو المال العام مشاعاً لمن يستمرئ التعدي وهكذا.
كان أبو ذر ينتقد بقسوة الفساد والممارسات التي تستهين بالمال العام. كانوا يرسلونه من المدينة إلى الشام ليستريحوا منه. وبعد مدة يضيق به معاوية (والي الشام)، فيعيده إليهم، ثم يبعدونه إلى بغداد، وفي بغداد يبعدونه إلى أي منطقة نائية.
قال له الرسول الكريم مرة: تولد وحيداً وتعيش وحيداً وتموت وحيداً. وفعلاً هكذا صار. وقال عنه الرسول الكريم مرة: ما أقلّت الغبراء ولا أظلّت الخضراء أصدق لهجة من أبي ذر.
كان حتى أعداؤه يثقون به ويستدعونه للشهادة في قضية كان شاهداً عليها.
منذ ذلك الوقت وإلى الآن لم تتغير الأمور كثيراً بل زاد التعدي على المال العام وصرنا نشهد ابتكارات كثيرة في هذا المجال، والفساد يلبس أثواباً مبهرجة. والأهم أن الرجل الصادق والذي يحارب الفساد ما زال يولد وحيداً ويعيش وحيداً ويموت وحيدا.
[email][email protected][/email]