أتسلى بتاريخ أُنثوي ظهر فجأة أمام الحانة

المتبقي مما حفظتهُ من تلك الليلة ضوء ممزوج بحبر الحيّرَة كي أستطيع أن أكونَ داخل المدينةَ وأنا خارجهُا.
ميدل ايست أونلاين
بقلم: قيس مجيد المولى
إغواءُ مُفتَرقٍ
لم أتفحص خطواتي القادمةَ معي حين دخلتُ البيتَ ولكني تفحصتُ سمعي حين سمعت محمد عبده:
ضناني الشوق واشتاقت عيوني ** وكُثر الدمع هالجرح جفوني
أدركت بأني تركت جهاز التلفاز مفتوحاً منذ تلك الليلة وحتى عودتي إلى البيت ظهراً وبشكل عشوائي خلعت ما كنت أرتدي وتمددت على سريري لأكمل الإستماع وأتلذذ بتلك الأغنية الحزينة والمؤلمة والتي أصبحت أداة وصل بيني وبين آخرين، كانت أجسادُ كُتبٍ قد تمددت هي الأخرى إلى جانبي حيث شاركتني عالمي طوال الليلة الماضية.
وما أن أكملَ عبده “ضناني” حتى استكملت تذكرَ مَن ضناني وعبرَ يدي اليُسرى تحسستُ أدونيس في أمس المكان الآن وفية يحفزني دائماً على المغامرةِ المقبولة وغير المقبولة عبر مَقطعٍ طَبَعَهُ في رأسي:
إن جَنَحتَ إلى شَهوَةٍ
تتأججُ في جانبيك
وَتَجانَستُما
فأبتَدِرها
لا جُناحَ عَليك.
ولقد رأيت أن المتبقي مما حفظتهُ من تلك الليلة ضوء ممزوج بحبر الحيّرَة كي أستطيع أن أكونَ داخل المدينةَ وأنا خارجهُا لإبقاءِ بعضُ الحروفِ في أُفقٍ مَطويٍّ لا يفتح إلا بصورةٍ لامرأةٍ رايتها في دائرة الجوازات.
كان حديثي وإياها منكمشاً ومتقطعا في سرديته، ولكني وعلى حين غفلة وكَهِّرٍ وحشيٍّ أخبرتها بأني رأيت هذا الوجه مراراً، ولكن لا أدري رأيتهُ أين؟ وبالمقابل قَدَّرَت بأني أعرفها لذلك أزاحت نظارتَها الشمسيةَ عن عينيها ورأيتُ قمراً يطلُ على الرصافة وتذكرتُ كم رأيتها في تلفاز وطني عبر الصوت والصورة ولم أستطع أن أكمل تعبيري سوى بارتيادِ إشاراتٍ مُرتبكةٍ من أصابعي وهن يشرن لأشياء غير مفهومةٍ ذكرتُ من بينها الخوفَ والأقدارَ غير المرئيةِ والمُفاجئة:
فاجأتهُ الغُيومُ
بتأويلِها
عندما راح في الليل
يقرأُ
ما كَتَبتهُ إليهِ النُجوم
ولقد جلستُ طوال تلك المدة في المرايا كي أحجب الرؤيا عن القادمين وأتسلى بتاريخٍ أُنثوي ظهرَ أمام الحانةِ ووراء الأعياد ووراء القضبان ولم أجد في الورق المُستَنسَخ بَناتَ أوى. ولم أجد لماذا كأنك الآن؟ سألتُ سعديَ يوسف قالَ: ذَهبا للعشب. قلتُ لَه: الحانَةَ انكفأت… وجاءَ القط؟
ثم أخذتني يدي اليُمنى إلى نظام الخطاب، وكان مساراً لِصدفة وثغرة رقيقة ونقطة في اختفاء الممكن وطرائق الدليل لإنجازِ مُهمةٍ في السلسلةِ والانتظام والتاريخ التقليدي للأفكار ولذلك (الباء) الذي أصبح تعريفاً لهوس اللامرئيات في اللاتَذَكُر ولم أسأل فوكو عن أسماء المسجلين في سجل الزيارات المُقَدَسة ولم أُعَدِل مَفهومَ الحرية المرتبطِ بِنَظرية المربعات، وقد شُكِّلَت أوراقُ النسيان القريب على شجرة كانت الأرّضَةُ قد قرضت جذورها، ولم تبق النافورةُ الزرقاء كي أرمِ بها المزيدَ من ألوان الضوء وهذه المرة تفحصتُ أقدامي. حركتُ أصابعي استدرتُ بِهما لاتجاهات وبنفس اللحظة تفحصتُ رأسي واستدار بي لاتجاهات غير معلومة لكنهُ لم يوضحَ لي:
إغواءُ مُفتَرقٍ
ووسوسةُ اختبار
أهناكَ ما يختارهُ.. ؟
أيفرُ من طينٍ
إلى طينٍ
ومن نارٍ لِنار.
أما الأوراق المتناثرةُ معي في السرير فكانت استخدامُ بَذئ للحواس يُربطُ بتغيير لُغةٍ إقليمية ونسيان ناجح لاختصار نُعاس والرأسُ صدى الساعة في توقيت مسافر ومستودعُ أيامٍ يقف أمامي بنظارتين واحدةً للرؤيا والأخرى للقراءة تُركا بين يديَ بعد أن غادر جسدان الآن والأمس، المكانَ وبقيت ذُبالةُ المَغيب في ركن البيت الذي لا تأتي إليه الشمسُ أبداً.
[email][email protected][/email]