اليسار في السودان إلى أين؟!(11)

جهاز المتفرغين والحفاظ على جسد الحزب.. الحلقة الحادية عشر
تتلبسنا هنا صدى تلك الصرخة التي أطلقها جاك دريدا في وجه من أعلنوا موت ماركس، ودشنوا لنهاية التاريخ على نحو ما فعل فوكوياما ومن تبعه من مفكري الليبرالية الجديدة، ولكأن دريدا قد تلبسته روح (الزير سالم) المهلهل بن ربيعة عندما بلغه نبأ مقتل أخيه على يد جساس بن مرة فصرخ متعجبا: أهذا الإمعة الرخو يقتل كليباً!!

تحقيق: خالد فتحي :علاء الدين محمود

تذكير
أتينا فيما سبق من الحلقة الماضية على ذكر هالة القداسة التي أحيط بها شخص السكرتير العام للحزب الشيوعي الأستاذ الراحل محمد إبراهيم نقد، وكيف أن الحزب قد اختزل في شخصه تماما إلى قول القيادي بالحزب وعضو اللجنة المركزية يوسف حسين أن من الأفضل أن يظل نقد مختفياً مع عائد عمل بسيط بدلاً عن ظهوره، لأن ذلك سيطرشق المسألة كلها.. “نقد كوم والحزب كوم”.
ولعل حديث يوسف حسين يدل على أن الحزب قد اختزل عملياً في شخص السكرتير العام، وليصبح الموقف في مجمله شاهداً على أزمة القيادة في الحزب الشيوعي عقب عام 1971م، والذي صارت المهمة المقدمة عقبه ـ أي ذلك التاريخ ـ الحفاظ على جسد الحزب وهي المهمة التي يصفها د. صدقي كبلو بالمهمة غير العبثية، ويقول كبلو إن مهمة الحفاظ على جسد الحزب ليست مهمة عبثية، ولكن لأن الحفاظ على الحزب يعني الحفاظ على الأداة الأكثر أهمية في الصراع السياسي والاجتماعي والثقافي في البلاد. أداة التنظيم والعمل المنظم الجماعي الذي ينتمي إلى لشعب.
الحفاظ على جسد الحزب
ويمضي كبلو في حديثه قائلاً: لم يك الحفاظ على جسد الحزب غاية في ذاته، بل كان دائماً الحفاظ على أهم أداة للعمل السياسي التنظيم الحزبي الموحد حول برنامج واحد وخط سياسي واحد. الحزب الشيوعي السوداني اتحاد اختياري بين مناضلين يتفقون على برنامج وخط سياسي ويسيِّرون أمورهم وفقاً لقواعد تنظيمية محددة، ومن فترة إلى أخرى ونسبة لتعقيدات الصراع الاجتماعي والطبقي تبرز آراء تحاول أن تحوِّل الحزب من حزب للطبقة العاملة والجماهير الكادحة لحزب يخدم مصالح أخرى فيدور صراع ديمقراطي كامل داخل الحزب ويحسم الصراع، إما بمؤتمر تداولي أو بقرار من اللجنة المركزية أو بالمؤتمر العام، وكما توجد حالات وافقت الأقلية على البقاء في الحزب رغم رفض آرائها، توجد حالات مشهورة بخروج الأقلية من الحزب فيما يسمى بالانقسامات في الحزب الشيوعي.
وربما يحمل حديث كبلو، تحذيرا مبطنا مضمونه أن إما هذا، أو أن تصبح المهمة بالفعل عبثية وغاية في حد ذاتها!!
حياة معطلة
وربما شيء من ذلك قد حدث أن تحولت المهمة في اعتقاد كثيرين غاية في حد ذاتها، مهمة تقعد الحزب كثيرا عن التصدي للمهام السياسية والفكرية لتصبح الحياة داخل الحزب الشيوعي معطلة وراء مبرر الحفاظ على جسد الحزب ، ولتصبح الحياة خانقة خلوا من حرية إبداء الرأي إلا عبر مواعين ضيقة، ويقول شيوعي فضل حجب اسمه أن تلك المهمة ولكأن المقصود منها حماية تلك القيادات التي تطاول بقاءها في قيادة الحزب أو من يسميهم بـ”جهاز المتفرغين” ويرى كثيرون أن سيطرة هذا الجهاز قد أفسد الحياة الحزبية، وحرم الحزب من دماء جديدة تضخ في عروقه، وحرمه من الممارسة الديمقراطية، وبالتالي أسهم في أن يتحول الحزب إلى ما يشبه الطائفة وأنتج ظاهرة التيار اليميني داخل الحزب الساعي الى تصفية الحزب وركل منطلقاته الفكرية بعيدا، غير أن هنالك من يرى أن مهمة الحفاظ على جسد الحزب لها ما يبررها على خلفية القمع الذي تعرض له الحزب في السابق وظل يتعرض له بعد استيلاء الإسلاميين على الحكم بعد انقلاب 1989م.
ويرى أبو بكر الأمين أن أزمة اليسار تتجلى في أن اليسار الذي كان على أعتاب الحكم حملته أمواج السياسة في بلدنا إلى موقع بعيد من التأثير على الأحداث بسبب صعود التيارات الإسلامية عبر الانقلاب، إلى سدة الحكم ومن على مركز السلطة عملت هذه القوى على إضعاف مواقع اليسار من خلال العنف البدني والقانوني إلى جانب محاولاتها على الجبهة الفكرية تصفية الحساب مع الفكر الماركسي والفكر القومي.
الدفاع عن الوجود
وقد وضعت هذه التحولات قوى اليسار جميعها في موقع الدفاع عن الوجود والحفاظ على أحزابها ولو علي أدنى مستوى، وقد أسهم في هذا الوضع- إضافة لما ذكر- نزف كبير في الكوادر عبر الهجرة للخارج ومعاناة من إختراقات أمنية واسعة
وقد كتب على هذه الأحزاب المعبرة عن قوى اليسار وهي بهذا الوضع أن تسهم في معركة جليلة عنوانها اسقاط النظام الإنقلابي لفتح الباب أمام تطور البلاد الديمقراطي وضمان سيادته وحل أزمته الاقتصادية ووضعه من جديد في مصاف الدول الناهضة.
فالأزمة بالطبع عنوانها العجز وهو يعني ضعف في المقدرات الفكرية والتنظيمية والسياسية- الدعائية والقضية مطروحة على هذا النحو المنطقي البسيط، أن تتخلص أحزاب اليسار عن عجزها، وأن تطور مقدراتها لتسطيع أن تقوم بالمهام الكبيرة الملقاة على عاتقها.
عودة
ويرى أبو بكر الأمين أن هناك إمكانية واسعة لهذه القوى كي تتخلص من عجزها وأن تعود من جديد لمركز الفعل السياسي، لكن هذه الإمكانية تتطلب عملاً كبيراً وجهداً قاصداً على مختلف الجبهات، وهو عمل سيكون ذا طابع ثوري حقيقي لأنه شرط من شروط نضوج الثورات، وهو متعلق بالعامل الذاتي في مقابل العوامل الموضوعية.
إن الوعي لا يتحول لقوة مادية إلا إذا تجسد في كيانات وأشكال تنظيمية فعالة تتوسط بين الفكرة والفعل، الفعل الجماعي الجماهيري الواسع المسمى بالانتفاض، لذا فإني أري أن العمل التنظيمي عنصر مركزي في النشاط الحزبي بجانبيه المترابطين تنظيم الحزب وتنظيم الجماهير،
وعندما نلاحظ أن النصال الفكري الكبير الذي شنته قوى المعارضة كلها ومن ضمنها قوى اليسار في فضح حكم الإسلاميين، وتهافت دعوتهم وتناقضاتهم بين ما وعدوا به من طهارة وما تكشف عن فساد عظيم وتفريط في سيادة البلاد وأرضها وغير ذلك من جوانب الجولات الفكرية والسياسية والدعائية التحريضية نتيقن من إعتبارها كافية ومحققة لأهدافها في عزل الحكم وتجفيف مواقعه وقسم صفوفه وإرباكه.
لكن من الواضح كذلك أن الخطوة المنطقية التالية أو المتلازمة هي تحويل هذا الرصيد إلى كيانات منظمة تعبئ القوات الشعبية لتعيد تفعيل الأدوات المجربة القديمة في الاضراب والعصيان.
إن الفكر التنظيمي يتأخر عن مطلوبات الساحة الملحة وتبدو أشكال التحالف متخلفة حتى عن ما تبديه الجماهير من حيوية وإبداع، ليست هناك همة لدراسة الأشكال التي تطرحها الحياة في عفوية النهوض الجماهيري وهو يناجز سلطة الانقلابيين، فإذا استطاعت العقول اليسارية أن تتقدم على هذه الجبهة لتمكنت من أن تقدم خدمة جليلة للنهوض الثوري الجماهيري ولنفسها في ذات الوقت
ستطرح الحياة دائماً قضاياها وتقترح في ذات الوقت اتجاهات الحلول عندما تنصج القوى التي تهمها هذه القصايا وتفرز هذه القوى ومن بين صفوفها من يفصح عن مطالبها التاريخية وتكوّن صفوة من قادة معززين بالحماسة والمشروعية قانوناً وتأريخاً وأخلاقاً، فإذا كانت هناك وعلى الأرض هيئات وكيانات تمتاز بمقدرتها على التعرف على هذه القوى الجديدة- القديمة والاندماج معها فكراً وخبرة وتجربة أخذاً وعطاءاً فهذا هو المطلوب، ولكن إن عجزت الكيانات والهيئات عن هذا الواجب فإن الحياة لن تتوقف كي تنتظر أحداً وستمضي لتكمل مسيرتها حتى لو اضطرت إلى أن تبني أحزاباً جديدة تشرئب بها للثورة وبناء حياتها الجديدة.
المتفرغون وأزمة الحزب
وفي مقالات تناولت شأن جهاز المتفرغين يرى مهتمون بتجربة الحزب الشيوعي، خاصة من الذين كانوا من بين صفوفه أن القيادات الموجودة على رأس الحزب ولإسباب موضوعية وهن منهم الفكر ووهنت الإرادة والقدرة والممارسة، خاصة أن الوجوه هي ذات الوجوه ، بالتالي هم يخربون ربما دون أن يعوا الحياة الحزبية ويستلبون أعضاء الحزب ويلغون دور طلائع الشعب السوداني، وبحكم أنهم متفرغون لفترة طويلة جدا فقد اعتادوا على العائد المادي الذي يأتيهم من الحزب.
وبالتالي صارت حياتهم مرتبطة بالحزب وببقاءهم في القيادة، وكما اسلفنا فإن ذلك من شأنه أن يفرغ الحزب من القيادات الشابة القادرة على الفعل، أو أن تصير تلك القيادات مدجنة ومستنسخة من تلك القيادات تستلف نفس طرائق التفكير، ورأينا كيف أن ذلك قد أثر كثيرا في المقدرات النظرية والفكرية للكوادر الحزبية، وبؤس الحياة الحزبية أنتج أفكارا فقيرة بائسة ومن هنا يبرز استنتاج مهم وهو أن الذين يتصدون لمسألة تطوير الفكر الماركسي داخل الحزب الشيوعي لا يمتلكون لا الامكانيات ولا الأدوات المعرفية اللازمة لعملية هذا التصدي، وكذلك بالمقابل الذين يحكمون بفشل النظرية الماركسية، ويبدو أنهم ليسو سوى صدى لأفكار راجت ما بعد سقوط الاتحاد السوفييتي والمعسكر الاشتراكي، إن الجمود الذي يقول محمد إبراهيم نقد إنه قد حاصر أفكار ماركس، قد أحاط بالقدر الأكبر بعقول من تصدى لقراءة تلك الأفكار مبتغاة إعمال النقد ليصبح نقدا أبتر وبلا أدوات، إن أول من تصدى للجمود في أفكار ماركس كان ماركس نفسه عندما قال: “لست ماركسيا” عندما انتقد الذين حولوا أفكاره ومقولاته إلى اكليشيهات جامدة، لقد أتى حين من الدهر صارت فيه الماركسية ترقد جثة هامدة فوق سرير بروكست، كما قال محمود أمين العالم عندما صارت الماركسية إيديلوجية رسمية للدولة السوفيتية
إن ما ذهب إليه الأفاضل في الحزب الشيوعي في سياق رفضهم للماركسية يدل على أمر في غاية الخطورة وهو المعرفة السطحية بالماركسية، المعرفة غير المتعمقة بالماركسية، ولا أدل على ذلك من أن الأحكام التي وضعها هؤلاء الجهابزة في مبارزتهم للماركسية كقولهم أنها “ذات حمولة ايديولوجية ثقيلة” أو ” أن مؤسسيها وضعوا تصورا مكتملا وحتميا للمجتمع الإشتراكي “أو” انتهت الماركسية لانكسار عظم ظهرها المتمثل في ديكتاتورية البروليتاريا”
لقد أظهرت هذه الهيمنة المتطاولة أزمة القيادة داخل الحزب بشكل واضح وكان لها تأثيرها الكبير على الحزب الشيوعي وكانت حقيقة خصما على تأريخه الكبير ويقول أبو بكر الأمين تراجعت قضية القيادة في الطرح وجرى تناولها بطريقة جزئية- وسطحية في كثير من الأحيان مع أن هذه القضية يجب أن توضع في قلب الإهتمام لأن قضية القيادة شديدة الترابط والتشابك بكل القضايا الأخرى بهذا القدر أو ذاك وفي جملة واحدة تقول عنها أنها قضية مركزية
الأدب المتوفر حول موضوع القيادة كثير ومنه الأفكار المدهشة شديدة الراهنية التي صاغها الشهيد عبد الخالق محجوب سواء في تقرير المؤتمر العام الرابع أو في قضايا ما بعد المؤتمر أو في سبيل تحسين العمل القيادي بعد عام من المؤتمر أو دورة يوليو 1968م إلى جانب التناول اللاحق لها فيما بعد يوليو 1971م في دورة يونيو 1975م ودورة ديسمبر 78 ودورة سبتمبر 84
ومن المؤكد أن الرجوع إلى الصياغات السابقة يساعد كثيراً في معرفة المسار التاريخي الذي طرحت فيه القضية وتاريخ تطور فكر الشيوعيين وهم يعالجون المسألة في إطار حزبهم، لكن الوضع الحالي وطبيعة المتغيرات داخل الحزب وفي الحركة السياسية، وفي الواقع السوداني تدفع في اتجاه إعادة طرح القضية على مستوى أعلى مما سبق.
رؤية عبد الخالق
طرح عبد الخالق على الحزب قضية القيادة بعد المؤتمر الرابع وهو يعرف حق المعرفة أن القيادة التي افرزها المؤتمر الرابع لم تكن على مستوى انجازات المؤتمر الفكرية المتقدمة، والحقيقة المعروفة هي أن المؤتمر الرابع لم ينتخب القيادة وانما أجاز الترشيحات المقدمة من اللجنة المركزية والتي أفرزت قيادة على شكل صفقة أو مساومة ولم تكن بأي حال من الأحوال خلاصة الاختيار الحر لمناديب المؤتمر.
خرج المؤتمر الرابع بلجنة مركزية ضعيفة تمثلت فيها التيارات الانتهازية بوزن كبير بينما اصبح التيار الثوري الذي مثله عبد الخالق تيار أقلية داخل اللجنة المركزية لكن عبد الخلاق ظل يستدرج التيار اليميني كي يفصح عن نفسه وظل يطرح عليه قضايا الصراع ويدعوه إلى مواجهتها وتحويل النقاش حولها في الحزب إلى معركة لتصحيح أوضاع الحزب ليرتفع لمستوى ما قرره المؤتمر الرابع لكن التيار الانتهازي اليميني احجم عن ذلك ولاذ بالصمت العميق وهذه أيضاً طريقة في خوض الصراع!
وكان عبد الخالق يعلم ان التيار اليميني غير عميق الجذور في الحزب لذا فهو يفضل حسم القضايا خارج الحزب وهذا ما حدث حينما عمد ذلك التيار إلى التكتيكات الانقلابية انظر قوله وهو يصوغ قانون نمو الحزب ويحدد التناقضات التي تحكمه في عام 1968 (إن البعد عن حل التناقض الجوهري الذي أشرنا إليه يمكن ان يؤدي إلى التلقائية وإلى محاولة حل مشاكل العمل القيادي خارج إطار الحزب وإلى اجهاض منجزات المؤتمر الرابع في هذه القضية الجوهرية لمستقبل العمل الثوري) وكأنه كان يقرأ الغيب فقد توجهت التيارات الانتهازية لحل مشاكل العمل الثوري عن طريق رهنها لحلفاء من البرجوازية الصغيرة العسكرية لانجاز (التحول الثوري)
إذا عمد المؤتمر الخامس إلى تشكيل القيادة على طريقة المؤتمر الرابع فإن ذلك سيعد انتصاراً جديداً للاتجاه اليميني المسيطر في القيادة منذ سنوات ما بعد ردة 1971م القاسية.
وفي الحقيقة فإن مفهوم القيادة نفسه يحتاج إلى معالجة وتوضيح ففي الغالب يجري تصويب النظر للهيئات العليا عند الحديث عن مسألة القيادة، لكن الحزب الشيوعي كان قد توصل منذ زمان إلى أن فرع الحزب هو القائد في مجاله للنشاط الذي يجري حوله وهو المسئول عنه، لهذا فإن قضية تأهيل فرع الحزب وهي قضية قيادية من الدرجة الأولى يجب أن ترتفع إلى الدرجة الأولى ثم تندرج بعدها عشرات المسائل المرتبطة مثل جماعية القيادية والمنهاج القيادي وانتخاب القيادة وقضية الكادر ومستوى معرفته ومعايير تقويمه وما يسمى بالقبضة القيادية.. الخ وفرع الحزب هو مناط القيادة وكل الهيئات الأخرى وحتى أعلى هيئة هي أشكال لخدمة فرع الحزب لأنه الوجه الحزبي الذي يلامس الجماهير بصورة مباشرة والمقدرات التي ينطوي عليها فرع الحزب هي التي تحدد مستوى علاقته بالجماهير ومقدار نجاح عمل الحزب بينها وتحدد وتيرة وحجم البناء الحزبي.
وعلى هذا الأساس فإن حق فرع الحزب في قيادة مجاله من أهم الحقوق الحزبية لكن هذا الحق جرى انتهاكه بصورة متواترة وبعبارة أخرى جرى انتهاك الديمقراطية في صفوف الحزب وفرضت وصاية كريهة على فرع الحزب باسم الأشراف أو تحت أسماء مثل القبضة الحزبية أو تحت ستار ومبررات التأمين وحماية جسد الحزب.
من الضروري واللازم الخروج من عهود الوصاية على فرع الحزب والتي تبلغ أعلى اشكالها عندما يتم تعيين قيادة الفرع نفسها من قبل الهيئات الأعلى ومن هذا الحجر جاءت كل المصائب ومنها ضعف الحزب وضعف صلاته بالجماهير وتقوقعه وعقم حياته الداخلية وابتعاد اعضائه وتوقف البناء الحزبي ومن ثم وجدت الأجهزة المعادية الجو الملائم للإختراق على كل المستويات
كيف عالج عبد الخالق المسألة
يحدد عبد الخالق محجوب الإطار الذي يتوجب أن تعالج مشاكل القيادة ضمنه وهو ميدان التناقض الجوهري فيما بين الحزب والقوى الاجتماعية حوله التي تتطلع اليه للقيادة وتجلي هذا التناقض على مستوى الحزب فيما بين طموح عضوية الحزب العالي ومستوى النشاط القيادي الفعلي من قيادة الفرع وحتى اللجنة المركزية.
ولا ريب أن الحزب خلال الأربعين عاماً الماضية فشل في حل هذا التناقض لصالح تطور الثورة السودانية ويمكن القول إن القوى الاجتماعية حول الحزب وبسبب عجزه عن إفراز القيادة المطلوبة قامت بخلق منظماتها الخاصة ووصل الحد بأقسام منها إلى رفع السلاح دفاعاً عن وجودها وعن القضايا الملتهبة بمعزل عن حزب الشيوعيين، وعلى هذا المستوى الجديد تنطرح قضية القيادة- على المؤتمر الخامس لأجل حل التناقض الداخلي لمصلحة المطامح العالية لعضوية الحزب حتى يتحول الحزب من جديد ليصبح قوة جذب جماهيري.
لكن على المؤتمر الخامس أن يبدأ من الاقرار بالحقيقة وهي الفشل في هذه المهمة- هذا إذا كان المؤتمر يرغب في مواجهة المسألة على نحو جدي ويترتب على هذا الاقرار المحاسبة الضرورية للقيادات التي فشلت في حل تناقضات الحزب لصالح تطوره. وهذه مسألة مبدئية للحد البعيد.
الحرب على الشيوعية
ربما ما فات على قيادات الحزب الشيوعي أن مضمون الشيوعية هو المساواة بين جميع الأعضاء في الحقوق والواجبات وليس لعضو شرف بالاقدمية بل لقدرته على المواكبة والالتزام الصارم بالنقد والنقد الذاتي. وأن احترام القيادة يفرض نفسه حين يتطابق فكر القيادة مع الممارسة. كما كان يردد القائد عبدالخالق محجوب
غير أن الواضح وللأسباب التي أتينا على ذكرها أن في قيادة الحزب من ظلوا يسعون جهد مقدرتهم على ابعاد
الشيوعية عن الحياة العامة وقتل روح المبادرة داخل الحزب من قبل من يخشون الممارسة الديمقراطية الحزبية على مستوى الشكل والمحتوى
وكان لذلك تأثير كبير في ضعف العائد الفكري في ظل سيطرة جهاز المتفرغين، وكما اسلفنا فإن التفرغ مطلوب لحين من الدهر ولكن ليس لكل الدهر، وسنرى لاحقا ببعض التفصيل كيف أثر ذلك الأمر على فقر الحياة الفكرية داخل الحزب.
الحلقة القادمة … لم يكونوا ماركسيين
التيار

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..