مطلوب مفاوضات لبناء الثقة

مطلوب مفاوضات لبناء الثقة
أيمن مبارك أبو الحسن
[email][email protected][/email]
ظلت العلاقة بين دولة الجنوب ونظيرتها في الشمال منذ الإنفصال في يوليو الماضي تتأرجح في دائرة صغيرة ، وكافة القضايا العالقة كانت تبدأ طريقها نحو الحل ثم ترتطم بجبال من الشكوك وإنعدام الثقة فتعود أدراجها لنقطة البداية… فتراكمت الملفات وتضخمت، ثم تضاءل الأمل لإيجاد حلول تجنب الطرفين الإنزلاق لمزيد من الأزمات. كم عدد جولات المفاوضات التي جرت بين الجانبين، وكم هي المرات التي تم التوصل لإتفاق إطاري ثم تعود الأوضاع لما كانت عليه سواء على صعيد الحروب الإعلامية المتبادلة أو على الأرض وصلت للإحتكاك المباشر في أكثر من مكان. ويبدو أن تحرك العلاقات من مرحلة المهد إلى مستويات أبعد يحتاج لمعجزة حقيقية في ظل تمترس كل طرف خلف مواقفه خاصة بعد الأوضاع الجديدة التي أحدثها وقف الجنوب للإمدادات النفطية وما أسفر عنه من مشاكل إقتصادية كبيرة للبلدين وبالذات في الجنوب. تجاوز المراحل التفاوضية الحالية بين الجانبين يحتاج لشجاعة وإرادة حقيقة لا يبدو أن حكومة الجنوب تملكها وهو ما برهنت عليه مواقف الوفود المتكررة، فما ان يحين موعد التوقيع على أي إتفاق حتى يحدث تراجع في المواقف ثم نعود لنقطة البداية من جديد.
دولة جنوب السودان منذ إستقلالها قبل ثمانية أشهر ارتهنت لإرادة خارجية كانت كفيلة بالتأثير على مواقفها فيما يتعلق بالعلاقة مع الشمال وهو السبب الرئيسي في عدم التقدم في حل الملفات الشائكة بين الجانبين. وتركيز حكومة الجنوب على مشاكلها مع الشمال كان خصماً على الأوضاع الداخلية، فلم تلتفت لشعبها ولم تسع لتحسين الأوضاع المعيشية للمواطن البسيط الذي عانى كثيراً وانتظر ميلاد دولته بفارق الصبر حتى ينعم بالجنة الموعودة، فالكهرباء في جوبا العاصمة ظلت مقطوعة لأكثر من شهر وهي بعيدة المنال عن المواطنيين البسطاء، إرتفاع مهول في أسعار السلع الغذائية التي كانت تعتمد في الدرجة الأولى على الشمال وانعكس ذلك على زيادة مستويات التضخم لنسب فلكية وهناك أكثر من 2.7 مليون مواطن بحاجة إلى مساعدات غذائية حسب تقارير المنظمات الدولية. إلى جانب استعار الحروب القبلية في الدولة الوليدة. كل ذلك تجاهلته حكومة الجنوب وسحبته من قائمة أولوياتها، فظلت منشغلة بجارتها، تتربص بكل ما هو شمالي وتسعى للمزيد من المشاكل المتأزمة أصلاً مع الدولة الأم ضاربة عرض الحائط بكل الإتفاقيات التي أبرمتها مع دولة الشمال بدعم حركات التمرد في النيل الأزرق وجنوب كردفان. آخر تلك الإتفاقيات ما تم في أديس أبابا الثلاثاء الماضي والذي تضمن عدداً من المسائل من بينها الحريات الأربع، ووقف الحملات الإعلامية بين الجانبين مما بعث بعض التفاؤل.
لكن قبل أن يجف حبر الإتفاق، ها هو سلفاكير نفسه يقود أولى الهجمات الإعلامية بإنتقاداته الحادة لحكومة الشمال، وإتهامه لها بإعاقة التنمية في دولته لنعود مرة أخرى للمربع الأول الذي يتطلب مزيداً من العمل حتى نصل لنفس النقطة. هذا التخبط في المواقف يؤكد أن حكومة الجنوب لم تصل بعد لمرحلة إمتلاك إرادتها، فخطابها هو ترجمة لإملاءات خارجيـة وإلا فما هو تفسير تصريحات سلفاكير الحادة التي جاءت مباشرة بعد التوقيع على إتفاق إطاري وقبل اللقاء المرتقب للرئيس سلفاكير ونظيره عمر البشير من أجل إيجاد حل جذري للقضايا العالقة. لن تتقدم العلاقات دون أن يتمكن الطرفان من بناء الثقة أولاً والنأي عن التدخلات الخارجيـة ومن غير ذلك فلن تفلح أي مفاوضات أو لقاءات مشتركة أو حتى إتفاقات على الورق تنسف بنودها قبل أن يجف مدادا الحبر الذي كتبت به بسبب الشكوك وإنعدام الثقة.