إتفاق الدوحة لسلام دارفور هل يصلح لأن يكون أخر محطات البحث عن السلام؟

إشراف:- محمد الصادق
المؤتمر الوطني يصر و يتمسك ويسعي لأن يكون إتفاق الدوحة آخر محاولات البحث عن السلام في دارفور ، و يرفض رفضاً قاطعاً الدعوة لفتح منبرٍ آخَر ، رغماً عن فشل إتفاق الدوحة في تحقيق السلام وإيقاف الحرب في الاقليم ، فالحرب مازالت مستعرة وأعداد النازحين في إزديادٍ مطردٍ ، ويواصل الحزب الحاكم مساعيه الهادفة إلي إجبار الحركات الدارفورية التي مازالت تحمل السلاح للإنضمام لوثيقة الدوحة بالحسم العسكري أو بالإستسلام ، ومن ثم يدعوها للتنافس مع الحركات الموقعة التي إنقسمت وتحول بعضها إلي أحزاب والبعض الآخر في طريقه للتحول ، علي المناصب الممنوحة لها من قبله بقدر إنصياعها وتماهيها مع برنامجه وخطه السياسي المتمثل في إقرار الكل بتحكمه بالسلطة والثروة .
الدوحة علي خطي ابوجا :-
الدوحة سارت علي خطي أبوجا ففشلت في وقف الحرب الدائرة في الاقليم بل تفاقمت ، ومن البديهي أن نجاح أي اتفاق سلام في دارفوريتحدد بمقدرته علي إيقاف نزيف الدم ، وتوفير الأمن للإقليم ، ومن ثم تلبية المطالب المشروعة الأخري من إقتسام للسلطة والثروة ، والعودة الطوعية للنازحين واللاجئين لمناطقهم الأصلية مع توفير مستلزمات العودة لهم ، مع التعويض المجزي لما لحق بهم من إنتهاكات ، ومحاسبة الذين قاموا بهذه الانتهاكات ، تلك المطالب التي دائما ما تلتف حولها حكومة المؤتمر الوطني .
تم التوقيع علي إتفاق الدوحة في 14 يوليو 2011م ، بعد تجاوزه لكثيرٍ من المطالب المشروعة والمتفق عليها من أهل دارفور ، والتي من أجلها حملت الحركات المسلحة السلاح في وجه المركز مثل قبوله بنائب للرئيس من المؤتمر الوطني وليس من قواه الحية الباحثة عن حلول عادلة ومرضية للأزمة ، وتمريره لزيادة عدد أقاليم دارفور من دون إستفتاء وعلي أساس قبلي ، وتساهل في حق أبناء دارفور في القبول للجامعات مجاناً ، وحصرها فقط علي أبناء النازحين واللاجئيين .
بطء وإنتقائية في التنفيذ :-
ومع ذلك لازم تطبيق بنود الاتفاقية بطءٌ شديدٌ وانتقائية في التنفيذ ، فالبنود التي يري المؤتمر الوطني أنها تؤثر علي سلطته أو تزيد من شعبية الحركات يماطل في تنفيذها ، فمثلاً لم يتم تكوين مفوضية الخدمة المدنية التي من المفترض أن تعالج خلل إستيعاب أبناء دارفور في الخدمة المدنية بإستيعابهم وفق الاحصاء السكاني لعام 2008م ، وتغاضت الوثيقة عن الفصل الأول في الوثيقة المتمثل في حقوق الإنسان والحريات الأساسية ، فعدا إكمال إنشاء المفوضية الوطنية لحقوق الانسان ، فجميع البنود الأخري في هذا الفصل لم تجد حظها من التطبيق ، والأسري والمعتقلين والمحكومين من أبناء دارفور الموجودين في السجون القومية بسبب أزمة دارفور لم يطلق سراح سوي عشرة أفراد من أعضاء التحرير والعدالة ، وعدد خمسة من اعضاء العدل والمساواة بناء علي اتفاق الدوحة الثاني ، ولم يتم نشر مراقبيين أمميين وأفارقة لمحاكم جرائم دارفور ، ولم يصدر رئيس الجمهورية مرسوماً جمهورياً بإنشاء بنك تنمية دارفور ، مع عدم إنشاء مفوضيات لحقوق الانسان بأقاليم دارفور، والفشل في تكوين شرطة مجتمعية من أبناء النازحين واللاجئين العائدين لتشارك في حفظ و أمن وسلامة معسكرات النازحين وقري العودة الطوعية .
كلفتة الترتيبات الأمنية :-
والترتيبات الأمنية تم كلفتت خطواتها حتي تسمح لتحول حركة التحرير والعدالة بعد إنقسامها لحزبين في سبيل الإسراع بالحاقها بإنتخابات أبريل 2015م ، لزيادة عدد الأحزاب المشاركة في الانتخابات التي قاطعتها معظم الأحزاب التأريخية والفاعلة في الساحة السياسية السودانية . وأعلن إكتمال الترتيبات الأمنية بينما لازال المدنيون في دارفور يتهددم القتل والقصف والحرق والنزوح والاغتصاب ، رغماً عن أن معظم مبادئ وقف إطلاق النار في الترتيبات الأمنية ركزت علي حماية المدنيين ، وخصوصاً النساء والأطفال ، ولكننا في المقابل نجد أن الانتهاكات ضد مواطني دارفور لم تتوقف يوماً ، حتي وبعد توقيع وثيقة الدوحة وسريان مبادئ وقف إطلاق النار ، وهذا يعني أن إتفاق الدوحة ينتهك يومياً دون باكٍ ، فحركة التحرير والعدالة المعني الأول بذلك نجدها تسابق الزمن حتي تكمل بنود الإتفاقية شكلياً ، دون اعتبارٍ لما حادث علي الأرض من قتلٍ وسلبٍ واغتصاب لمواطني دارفور . وتم إكمال بند الترتيبات الأمنية ولم تتم معالجة وجود مقاتلين مسلحين أجانب في دارفور ، كما نصت الإتفاقية في الفقرة (396) علي ذلك : (يمثل وجود مقاتلين مسلحين أجانب في دارفور تحدياً خطيراً للسلم والأمن ، ويشكل تهديداً محتملاً لهذا الاتفاق ، وتتخذ حكومة السودان التدابير الملائمة للسيطرة علي هذه المجموعات ، ونزع سلاحها وتحييدها ، وإعادتها إلي موطنها) . وتجاوز المؤتمر الوطني وتغاضت الحركات الموقعة نزع سلاح مجموعات المليشيات المسلحة كما نصت الوثيقة بصريح العبارة في الفقرة (399) علي ذلك :- (يتم نزع سلاح كل مجموعات المليشيات المسلحة وحلها باعتبار ذلك شرطاً أساسياً لتنفيذ تدابير المراقبة علي الأسلحة الشاملة ولضمان تحقيق السلام في مختلف أنحاء دارفور ، وتكون حكومة السودان مسؤولة عن نزع سلاح المليشيات المسلحة وحلها ، ومحاربة الأشخاص المسلحين بشكل غير شرعي ، والعصابات والمجموعات الأخري الخارجة عن القانون ، الأجنبية والمحلية علي حد سواء ، والتي تنفذ عملياتها في دارفور) .
الترتيبات الأمنية مزيدٌ من التجاوزات :-
الترتيبات الأمنية هي عملية تتكون من مراحل متواصلة ومترابطة مع بعض ، تبدأ بالإيقاف الدائم لوقف إطلاق النار ، وتنتهي بالدمج ، وبالتالي لا يصلح معها التنفيذ الانتقائي والترقيع الذي حدث من قبل حكومة المؤتمر الوطني ، فمن المفترض بعد إعلان وقف إطلاق النار الدائم ، تدخل الترتيبات الأمنية في فك الارتباط الذي ينص علي إلزام المليشيات التابعة للحكومة والخاضعة لسيطرتها أو نفوذها بوقف إطلاق النار ، ولكننا نجد في المقابل أن حكومة المؤتمر الوطني سعت لإنشاء مزيد من المليشيات المسلحة التي تستخدمها بالوكالة في حربها علي الحركات المسلحة الدارفورية ، وفي الجانب الآخر إذا توقفت حركتا التحرير والعدالة ، والعدل والمساواة ? السلام عن التجنيد ، فإن بقية الحركات الغير موقعة مستمرة في التجنيد لمواصلة انتزاع الحقوق عبر الخيار العسكري . وكان لزاماً علي حكومة المؤتمر الوطني إذا وصلت الترتيبات الأمنية لمرحلة إعادة الانتشار ، أن تقوم بنزع سلاح كل مجموعات المليشيات المسلحة وحلها بإعتباره شرطاً اساسياً لتنفيذ تدابير المراقبة علي الأسلحة الشاملة ولضمان تحقيق السلام في مختلف انحاء دارفور ولكن هذا لم يحدث . ووجود قوات اليوناميد ضروريٌ لإشرافها ومتابعتها لكثير من مراحل الترتيبات الأمنية ، كما نصت علي ذلك وثيقة الدوحة ولكننا نجد في المقابل أنها تواجه كثيراً من العقبات المصنوعة حتي لا تؤدي مهامها وبالتالي يبقي الوضع في الأرض علي ما عليه . نصت وأقرت الترتيبات الأمنية علي أمن معسكرات النازحين ، وضرورة السماح لمرور العمليات الإنسانية ، فالبند (413) ينص علي أن تقوم حكومة السودان بالتشاور مع سلطة دارفور الإقليمية بتجنيد متطوعين من أبناء وبنات المجتمعات المحلية ، ومن النازحين واللاجئين العائدين للشرطة المجتمعية لتشارك في حفظ أمن وسلامة معسكرات النازحين وقري العودة الطوعية . تساهم اليوناميد في تدريب الشرطة المجتمعية .
414- تتفق الأطراف علي الامتناع عن أية أعمال قد تعرض العمليات الإنسانية في دارفور للخطر وتؤكد التزامها بتهيئة الأوضاع الامنية المناسبة لضمان تدفق السلع والمساعدات الإنسانية دون تعويق ، وضمان توفر الأمن في معسكرات النازحين وتهيئة بيئة مواتية لعودة النازحين واللاجئين عودة طوعية آمنة ومستدامة إلي مواطنهم الأصلية .
415- تمتنع قوات الأطراف عن القيام بأية أنشطة تضر بسلامة النازحين ورفاهم وأمنهم .
ولكن في الواقع أن معسكرات النازحين ظلت وما زالت تتعرض للاقتحامات المتكررة وبالتطويق والحصار الأمني ومنع وصول السلع إليها ، وحياة النازحين مازالت تتعرض لخطر القتل والخطف والنهب والاغتصاب ، وكذلك يتعرضون لنقص الغذاء وغياب الرعاية الطبية والصحية بالطرد الذي يتم للمنظمات الإنسانية التي تقدم الخدمات للنازحين في المعسكرات ، مما جعل معظم النازحين لا يشعرون بتغيير إيجابي رغماً عن قرب نهاية أجل إتفاقية الدوحة .
الفشل يتطلب البحث :-
إذا تجاوزت إتفاقية الدوحة لكثير من مطالب أهل دارفور ، وصاحب تنفيذها الانتقائية ، فالبنود التي كان يمكن لها أن تحدث فارقاً إيجابياً في أوضاع المواطنين و النازحين أهملت وتم كلفتتها عن قصد ، وفي نفس الوقت لم تستطع الاتفاقية أن تحقق الأمن للمواطن والنازح علي حدٍ سواء ، وأصبحت أداة لحكومة المؤتمر الوطني تستخدمها في شق الصف الدارفوري وتعتبرها خاتمة الاتفاقيات وتقدسها وترفض لمكونات دارفور والمجتمع الدولي اقتراح منابر أخري ، بينما تتيح لنفسها مفاوضات جانبية وجزئية وبرعاية أجنبية كما حدث في أم جرس 1 وأم جرس 2 ، وإذا أخذنا في الاعتبار أن كثيراً من الحركات التاريخية والفاعلة علي الأرض قد رفضتها منذ البداية ، كما أن أجلها سوف تنتهي مع بداية الانتخابات في ابريل القادم ، وبالتالي يصبح البحث عن السلام في دارفور بعيداً عن الدوحة ضرورياً وملحاً . ويتطلب البحث مزيداً من الخطوات الإيجابية ، وتقديم المزيد من التنازلات من قبل حكومة المؤتمر الوطني ، والابتعاد عن الحلول الجزيئة التي أثبتت فشلها في أبوجا والدوحة ، فالحل القومي لأزمة دارفور صار مطلب غالبية القوي السودانية من الحركات التي مازالت تحمل السلاح في دارفور ، والحركة الشعبية لتحرير السودان التي تحمل السلاح في جبال النوبة والنيل الأزرق ، وغالبية الأحزاب السياسية المعارضة . وعندما يأتي الحل يمشاركة الجميع فإن الجميع يحرص علي تنفيذه .
الميدان