الفيلم الإيراني «رجم ثريا» ملحمة سينمائية تعكس الواقع المؤلم للاستبداد المبرّر بالدين

قرية تحتفل بسفك حياة بريئة بالموسيقى وقرع طبول النصر
القاهرة ? من مروة جمال: سبعة أعوام تفصلنا عن عرض الفيلم السينمائي الإيراني «رجم ثريا» في دور السينما العالمية، غير أن هذا الفيلم، والذي حاز شهرة واسعة وقت عرضه عام 2008، ما لبث أن توارت شهرته شيئا فشيئا، ثم دبت فيه الحياة من جديد في احتفالات المرأة بعيدها خلال شهر مارس / آذار الجاري، بسبب ممارسات تنظيم «الدولة الإسلامية».
الفيلم جسد معاناة فتاة تسمى «ثريا» لقيت حتفها عام 1986 رجما، وهي القصة التي سجلها الصحافى الفرنسى الإيرانى الأصل فردجون ساهيب جام، وتحكي معاناة ثريا منوتشهري السيدة الإيرانية المحكوم عليها بالرجم.
وحاز الفيلم شهرة واسعة لدى انتاجه عام 2008، ثم اكسبته ممارسات تنظيم «الدولة الإسلامية»، هذه الأيام زخما جديدا، فاختاره الاتحاد النسائي المصري، تحت التأسيس، ليكون الفيلم المصاحب لاحتفالاته بيوم المرأة خلال شهر آذار/مارس، وأقام له عرضا خاصا أعقبه ندوة بالمركز الثقافي المجري وسط القاهرة، مساء الأربعاء الماضي.
وقالت الناقدة السينمائية ماجدة موريس في تفسيرها لهذا الاهتمام الذي يحوزه الفيلم رغم مرور سبع سنوات على انتاجه: «يظل عدد ضحايا الرجم حتى الموت بفتاوى دينية مرشحا للزيادة طالما ظل الأمر مسكوتا عنه، لذلك كان من المهم أن يتم تسليط الضوء على هذه القضية في شهر مارس الذي يحتفل فيه العالم بيوم المرأة العالمي من خلال عرض الفيلم الواقعي (رجم ثريا)».
وخلال عام 2014 أقدم تنظيم «الدولة الإسلامية» على رجم فتاتين، وهما الحالتين المعلنتين، ومتوقع أن يكون العدد أكثر من ذلك بكثير، بحسب موريس.
ورجم التنظيم في 18 يوليو/تموز عام 2014 فتاة في مدينة الرّقة السورية بتهمة ارتكاب الزنا، استنادا لفتوى دينية، وفي يوم 21 أكتوبر/تشرين أول من العام نفسه قام التنظيم برجم فتاة للتهمة نفسها في ريف حماة.
وآثارت فتاة حماة السورية التعاطف، حيث ظهر في مقطع الفيديو الذي بثته مواقع موالية للتنظيم والد السيدة وهو يقودها لتنفيذ الحكم، وهو المشهد ذاته الذي يظهره فيلم «رجم ثريا»، حيث شارك والدها في رجمها بالحجارة.
وتوضح موريس أن الفيلم عبارة عن ملحمة إنسانية تعكس الواقع المؤلم الذي تعانيه النساء تحت سطوة الحكم الفاشي المستتر خلف الدين، كما حدث في إيران سابقا ويحدث في العراق و سوريا حاليا .
وفيما يتعلق بالمستوى الفني للفيلم لفتت الناقدة إلى أن الأداء التمثيلي للبطلتين «ثريا وزهرة « كانا موفقا للغاية، بداية من هدوء ملامح ثريا الذي يناسب كثيرا استسلامها لقدرها و نهاية بقوة ملامح خالتها التي تعكس قوتها، ما مكنها من كشف الحقيقة للعالم كله .
كذلك كان التصوير السينمائي للفيلم كاشفا لتفاصيل الحياة الاجتماعية بشكل مرئي جعل المشاهد يشعر وكأنه يعيش في ذات القرية بفقرها وجهلها وتحيز قاطنوها للرجل ضد المرأة، بحسب موريس.
وفيما يتعلق بالإخراج، لفتت موريس إلى أن ابداعه يتجلى في مشهد الرجم الذي استغرق وقتا طويلا من عمر الفيلم و مع ذلك لم ينفر منه المشاهد، لأن المخرج نجح في تحويله من مشهد تقتل فيه ضحية فردية زورا وبهتانا لمشهد يعكس قضية جماعية تعانيها الكثير من السيدات، ومن هنا اكتسب الفيلم عالميته.
وتضيف: «وبالرغم من دموية المشهد، إلا أنه لم يقدم جرعة عنف زائدة، ونجح المخرج في تشتيت ذهن المشاهد عن المشهد الدموي بتركيزه على عدة عناصر أخرى منها صمود ثريا، تألم المحافظ ، تعاطف إحدى جاراتها وشماتة الأخرى وعجز أحد أبنائها عن المشاركة في الرجم».
وتدور أحداث الفيلم في قرية كوباي في إيران حيث كانت تعاني ثريا من عربدة زوجها «علي» خلف النساء لكنها رفضت أن تقبل بالطلاق منه دون أن يلتزم بدفع مؤخر الصداق والانفاق على أبنائه .
بدأ علي بتحريض أطفالها الذكور ضدها وغرس فيهم أن هذا الكون مسخر لخدمة الرجال وأن النساء ليسوا إلا إحدى الأدوات المتاحة لإرضاء الرجل، خرجت ثريا من منزله تجر طفلتيها إلى منزل خالتها زهرة.
وهناك تلقت عرضا من «المُلا حسن « شيخ القرية بأن تذهب لتعمل خادمة في منزل « هاشم» زوج صديقتها المتوفاة، ومن هنا فكر زوجها في الخلاص منها ليتخلص بالتبعية من النفقة والمؤخر فبدأ يشيع حولها شائعات الزنا مع زوج صديقتها.
لم تستمع ثريا لمخاوف خالتها من شائعات الزوج؛ خوفا من أن تلقى طفلتيها مصيرها من الخدمة في البيوت منذ الصغر ثم الزواج من رجل يتاجر بسمعتها .
نجح الزوج في إحكام مؤامرته وعاونه فيها « الملا حسن» بعد تلقيه تهديدات من الزوج بفضح أمره لأهل القرية، حيث أنه كان سجينا جنائيا لفترة طويلة.
آخر خيوط المؤامرة تمثلت في « هاشم» زوج صديقتها الذي ضعف أمام تهديدات «علي» له بأن يلقى مصير الرجم نفسه إذا لم يعترف بأنها تدعوه للفاحشة، وبأن يلقي بابنه في مصحة نفسية أو في السجن بعد مقتله، فشهد زورا وبهتانا ضد ثريا
«لا تتصرف كالمنافق و أنت تجهر بالقرآن أمام الناس» هكذا دافعت زهرة خالة ثريا عنها وهي تسمع ما يصبه فوق رأسها الملا حسن من اتهامات لا تقوَى على إثبات عكسها ، و ما هي إلا دقائق قليلة حتى كان الحكم بالرجم جاهزا وبالإجماع.
عبثا حاولت زهرة أن تهرب بثريا من القرية؛ فعند كل قارعة طريق يقف الرجال المشحونين بنار الشرف لترقبهم .
تفرغت ثريا لتوديع ابنتيها فأهدت الأولى قلادة فضية وأوصتها بألا تخلعها عن رقبتها يوما، وأهدت الثانية خاتم زواجها الذي ورثته عن أمها وأوصتها بأن تورثه لابنتها حينما تكبر وتتزوج.
أما وصيتها لخالتها فكانت بأن تخبر ابنتيها بحقيقة أمهما فلا يشعران بالخزي من ذكراها، فوعدت الخالة المكلومة بأن يعرف العالم كله من خلالها حقيقة رجم ثريا.
وفي الوقت الذي كانت فيه ثريا تودع طفلتيها، انهمك أطفال القرية الملعونة في جمع حجارة الرجم، بينما أحضر الزوج المدّعي لفة من الحبال كي توثق بها ثريا أثناء رجمها خوفا من هربها .
وكان الملا حسن يستلقي في استرخاء تحت يدي الحلاق كي يهذب له شاربه ولحيته.
وبينما كانت الخالة تهتم بثريا وكأنها عروس فتصفف شعرها وتلبسها أجمل رداء أبيض لديها قبل أن تغلفها بعباية سوداء وكأنها تعلن الحداد عليها، كانت تلك الأخيرة تتمتم: «لست خائفة من الموت وإنما من الموت بالحجارة? من ألم الرجم ظلما «.
وبتعالي صيحات الرجال «الله أكبر» علمت ثريا بأن موعد تنفيذ الحكم الجائر قد حان، وقبل أن تنهار الدمعة المتحجرة في عينها شدّت خالتها من أزرها بكلمة حاسمة « قفي» فوقفت ثريا و سارت على قدميها بخطى ثابتة لمصيرها المحتوم .
وفي طريقها لتنفيذ الحكم لمحت ثريا القبر الذي يحفره لها رجال القرية، فوطأته بعينيها قبل قدميها ولم تفق سوى على صوت محافظ القرية وهو يأمر خالتها بأن تنزع عنها العباءة.
ابتسمت لخالتها زهرة وكأنها تشجعها على أن تفعل، وبنبرة صوت هادئة قالت : «عاهدت نفسي على ألا ابكي .. فلا تبكين أنت الأخرى»، فردت الخالة بابتسامة ونبرة صوت مماثلة «الله والجنة في انتظارك? اذكري الله بملء قلبك».
و قبل أن يرتطم بها حجر الموت الأول طارت عن رأسها الطرحة البيضاء التي زينتها بها خالتها إيذانا بأن روحها ستطير عن جسدها أيضا.
ومع غروب الشمس تحول جسد ثريا لكتلة مصبوغة بالأحمر تتناثر فوقها حبّات الحجارة التي قتلتها الحجارة ذاتها اكتست بدم ثريا، وحدها خصلات شعر رأسها ظلت تتطاير وكأنها تأبى أن تغادر الحياة.
وبينما كانت زهرة تجمع ما أبقته الكلاب من جثة ثريا بعدما رفض راجموها دفنها، كان أهل القرية يحتفلون بفعلتهم على أنغام الموسيقى وقرع طبول النصر .
ولكن الخالة زهرة لم تنس أبدا وعدها لثريا بأن العالم كله سيعرف حقيقة ما حدث لها يوما، فوضعها القدر في طريق صحفي فرنسي تعطلت سيارته فلجأ إلى أقرب ميكانيكي «هاشم» شاهد الإثبات.
فتتبعته خلسة عن عيون أهل القرية وسجلّت معه تفاصيل القصة وعاونته على الهرب من قبضة الملا حسن الذي عرف بسره، لتتحول مأساة ثريا إلى أيقونة يستدعيها المدافعون عن حقوق المرأة و الإنسان كلما كرر المجرمون جريمتهم بتفاصيلها البشعة نفسها على مر العصور و الأزمان.
القدس العربي