صناعة السكاكين.. مهنة تخطو شمسها نحو الغروب .. حرفة متوارثة

سنار – محمد عبد الباقي

ثلاثة أعوام قضاها (الطيب فيصل) في تعلم صناعة المناقيش والمخارم وسكاكين قطع البصل قبل أن يحترف وبصورة رسمية صناعة السكاكين الرجالية، وتسميتها بالسكاكين الرجالية سنفصل فيها لاحقاً، الطيب فيصل بعد تركه للمدرسة في الصف الخامس لجأ إلى مهنة كانت سوف تؤول إليه بالوراثة لولا استعجاله في الذهاب إليها مبكراً قبل أن يكمل تعليمه المدرسي، وبما أنه لم يكشف عن سبب احترافه لصناعة السكاكين مبكراً، فهل هي الحاجة الاقتصادية أم خوفه على مهنة أجداده من الاندثار، بدوري سأبتعد عن منطقة التخمين في أسبابه الخاصة، ونفصل في المهنة نفسها وبراعته هو في إنجاز أعمال أقل ما توصف به أنها رائعة وساحرة بنفس القدر!!

# بين المطرقة والسندان

بين أكثر من عشرة حدادين يجلس (الطيب فيصل) تحت مظلة من جوالات الخيش بالقرب من إحدى الأشجار العتيقة وسط سوق سنجة الكبير، دوي صوت المطارق يصُم الآذان، جميعهم يعملون بهمة، يصارعون الحديد بأيادٍ هدها التعب، يطرقون عليه وهو (سُخُنْ) يطوعونه على أمزجتهم، يتسابقون على الابتكار، ويبدعون في صناعة السكاكين بكافة أحجامها ومقاساتها من حديد النِيكل المميز، تجمعهُم في السوق ليس جديداً، رغم أنهم لا يملكون حق الاستقرار كغيرهم من العاملين فيه، إذ تنقلوا كثيراً قبل أن يستقروا في مكانهم الحالي قبل اثني عشر عاماً بالتمام والكمال، لكنهم يتوقعون أن يُؤمروا بالرحيل في أي وقت، وإن طلب منهم ذلك ليس أمامهم بدٌّ غير البحث عن شجرة أخرى على أطراف السوق ينصبون تحتها خيامهم، ويزيلونها بحسب مزاج أو أطماع السلطات الرسمية في المكان الجديد، لا تجد بين جميع الحدادين من يصف عملهم بالشاق، الممارسة اليومية جعلتهم يتجاوزون دائرة الشكوى والملل، فصاروا يؤدون مهامهم بنشوى يفتقرها لها الكثير من العاملين في مجالات مشابهة، ولذا يصفون أنفسهم بتلذذ بأنهم وحدهم من استطاع أن ينتزع الابتسامة من بين المطرقة والسندان.

# مهنة الطفولة

في عمر مبكر من حياته امتهن (الطيب فيصل) الحدادة، فعمل صبياً حداداً مع أحد أقربائه، وبحسب وصفه أنه كان يقوم بأعمال هامشية صغيرة يمارسها عادة من هم في عمره داخل ورش الحدادة، فبدأ بعمل المناقيش وقناطر السكاكين التي تمثل غطاء يثبت به العود على السكين، وكذلك تدرب كثيراً على صناعة السكاكين التي تستخدم في المطابخ، تلك التي يطلقون عليها سكاكين النساء، ومن ثم ولج لمجال صناعة السكاكين الرجالية التي تصنع من حديد أقل في جودته من النيكل، واستمر يسبر غور هذا النوع لأكثر من ثلاث سنوات حتى أجازه معلمه ومنحه الإذن بصناعة السكاكين من حديد النيكل ذي الجودة العالية والمهم كثيراً في صناعة السكاكين. كغيره من محترفي هذه المهنة منذ مئات السنين يرى أنها تأثرت بوضوح بالغزو (السكيني) الذي أطل مؤخراً من دول عديدة مما جعل المواطنين يقبلون عليه أكثر من غيره من السكاكين المصنوعة محلياً.

# منافسة لا تفتر!!

تمثل سكاكين النيكل أفضل أنواع السكاكين كما أوضح (الطيب فيصل) لأن النيكل له ميزة عدم التأثر بالصدأ أو بأي نوع من العوامل الطبيعية الأخرى، وبسبب هذه الميزة غير المتوفرة في أنواع السكاكين الأخرى لا يزال المواطنون يقبلون على شراء سكاكين النيكل رغم غلاء أسعارها، حيث يتراوح سعر سكين النيكل الواحدة زما بين 90 – 270 جنيهاً، وهذه أسعار السكاكين التي يتم صنع أعوادها من شجرة الحِميض، أما هنالك أنواع تُصنع أعوادها من الأبنوس، فيبلغ سعر الواحدة منها (350) جنيهاً. وأرجع الطيب أسباب ارتفاع سكاكين النيكل إلى عدم توفره، حيث يشتريه الحدادون دائماً بأسعار باهظة من الدلالات وتجار الخردة، وليست هنالك جهة بعينها يشترونه منها، ويعد سوق مدينة سنجة هو المنشأ الرئيسي لصناعة السكاكين الجيدة، ومنه يحمل التجار بالجمل للأسواق النائية في الجنوب كأسواق الدالي والمزموم وجبال موية وسقدي وأسواق المحليات الشرقية من ولاية سنار، حيث يوجد الرعاة كما يأتي تجار من ولايات أخرى يشترونها بالجملة من سنجة ويذهبون بها لولاياتهم لبيعها هنالك.
اخر لحظة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..