?مافيا الندرة? يشكو أصحاب الأفران بود مدني من ندرة في الدقيق، بينما يوصي خبير اقتصادي الدولة بضرورة أن لا يُترك استيراد الدقيق والقمح للقطاع الخاص

ود مدني ? إمتنان الرضي
في الأيام القليلة الماضية، أعلنت الحكومة حزمة من القرارات الاقتصادية لمعالجة بنية الاقتصاد، وتضمنت قوانين صارمة في تهريب السلع المدعومة بما فيها القمح، ويؤكد وزير المالية أن معاش الناس هو البند الأول في ميزانية (2018)م.
ولكن وزير الدولة بالمالية، عبد الرحمن ضرار، لم يستبعد أن تشمل الميزانية المقبلة رفع الدعم عن المحروقات أو القمح خلال حديثه بالبرلمان قبل يومين.
ويقول خبراء اقتصاديون لـ(اليوم التالي)، إن منافذ توزيع الدقيق محدودة، وإن التوزيع من المطاحن إلى الأفران يتم قطعه عمداً لإحداث ندرة مفتعلة يستفيد منها تجار (السوق الأسود)، ويمكن حل هذه الأزمة بتقليل الاعتماد على الواردات التي تتعلق بالقمح والدقيق عن طريق سياسة التوسع في زراعة القمح أفقيا ورأسيا، أما وزارة المالية فرأت أن كل الولايات تأخذ حصتها من الدقيق كاملة، وأن الدولة تدعم القمح باعتباره سلعة استراتيجية.
ويتطلب استيراد القمح توفير عملة أجنبية بضمانات غير متوفرة لوزارة المالية، في حين يقدر الاستهلاك اليومي بحوالى (3.5) أطنان، في حين أن باقي الإنتاج يذهب لدول الجوار عن طريق التهريب، وذلك في ظل دعوة من الخبراء لاستمرار الحكومة في استيراد الدقيق بكمية معيِّنة، على أن تستورد القمح ضمن إطار زيادة الإنتاج لتوفير المخزون.
ويتجاوز استهلاك السودان من القمح مليوني طن سنوياً، في حين تنتج البلاد ما لا يتجاوز (12 %) إلى (17 %) من الاستهلاك السنوي. ويأتي ذلك بالرغم من سعي الدولة لتوطين إنتاج القمح داخليًا وسعيها الدؤوب في سبيل التوسع في مساحات الإنتاج، إضافة إلى توجيهات بتشكيل لجنة عليا للتوسع في زراعة القمح بالبلاد.
ووفقاً لإحصاءات حكومية، فإن حجم دعم الوقود والقمح في موازنة الدولة بلغ (5) مليارات جنيه (833 مليون دولار). وتشير المعلومات إلى أن رفع الدعم عن الخبز يشكل جزءاً من برنامج متفق عليه في البرنامج الخماسي للإصلاح الاقتصادي (2014- 2019)، ويأتي استكمالاً لما طرح في العام الماضي 2016 من تحرير تجارة القمح والدقيق.
ندرة في الدقيق:
وشكا بعض أصحاب الأفران في مدينة ود مدني من ندرة في الدقيق، وأوضحوا لـ(اليوم التالي) أن بعض الشركات الموزعة للدقيق لم تأت منذ فترة ولم تقم بتوزيعه لهم، لذلك يضطرون للشراء من (السوق الأسود) بزيادة (150) جنيهاً لجوال الدقيق، فيصبح سعره (350) جنيهاً.
ويؤكد مصطفى علي، صاحب أحد الأفران بود مدني، لـ(اليوم التالي) أن هناك ندرة في بيع الدقيق وأنه يقوم بشراء الدقيق من السوق الأسود، معللاً ذلك بأن الفرن يتسلم فقط ثلاثة جوالات من الشركات، لأن بعضها يأتي إليهم مرة في الأسبوع ويكون نصيبهم منها أربعة جوالات، وهنالك كمية لا تأتيهم على الإطلاق ويكون مجموع نصيبهم من شركات الدقيق (10) جولات دقيق أسبوعياً، وهي لا تكفي لدى بعض الأفران ليوم واحد ناهيك عن أسبوع.
أسعار الخميرة:
ويشير صاحب الفرن إلى أن هناك ارتفاعا في سعر (كرتونة الخميرة) التي وصلت إلى (900) جنيه، ويتم استهلاكها في يوم واحد، وبهذا الوضع لا تحقق المخابز أرباحا. وتوقع مصطفى حدوث زيادة في أسعار الدقيق مع ارتفاع الدولار الذي ساهم أيضا في ارتفاع سلعة الدقيق، وشكك في أن كميات من الدقيق يتم تهريبها إلى دولة (جنوب السودان)، ولم يستبعد أن يصل سعر الرغيفة إلى (5) جنيهات، إذا استمر هذا الوضع، وقال: ?نحن نعمل دون أرباح، وهناك ضرائب مفروضة على العمال بالمخابز?.
من جانبهم، أبدى بعض الأهالي في مدينة مدني امتعاضهم من عدم توفر الخبز في أحياء بالمدينة، وقال مواطنون التقتهم (اليوم التالي)، إنهم يخشون من أن (يصبح سعر الرغيفة واحد جنيه) رغم صغر حجمها.
رفع الدعم:
وزير المالية والتخطيط الاقتصادي، أشار إلى أن هناك جهات تقوم بتهريب القمح إلى دول الجوار، كما أن البعض يستغل الدقيق لأغراض أخرى غير الخبز، لكن الدقيق يصل إلى الولايات بصورة منتظمة، وكل ولاية تأخذ حصتها رغم أن القمح يحمل الدولة مبالغ ضخمه لتوفيره باعتباره سلعة استراتيجية، وذكر أن الدولة تدعم القمح بـ(355) جنيهاً للجوال، فيما تدعم المستورد بـ(111) جنيهاً، مشيرا إلى أن التوزيع إلى الولايات يتم وفق الاستهلاك، وأكد عدم فرض أي زيادة في أسعار الدقيق، حتى مع تذبذب سعر الصرف، ولفت إلى أن سعر (الجوال) للمخابز لا يتجاوز الـ(150) جنيهاً، بينما يتفاوت من ولاية إلى أخرى بسبب رسوم الترحيل، واتهم بعض الولايات بفرض رسوم رغم أن الدقيق مدعوم من الدولة، وكشف الوزير أن معالجة أزمة الخبز لن تتم إلا برفع الدعم عن القمح كليا.
ندرة مفتعلة:
في ذات الاتجاه يؤكد المحلل الاقتصادي، كمال كرار، أن هناك (مافيا) متنفذة تتحكم في استيراد الدقيق والقمح، ويقول إن هذه المجموعات لديها علاقة بجهات تنفيذية عليا ولا تستفيد فقط من استيراد الدقيق والقمح، بل يمتد نفوذها من التحكم في العرض والتوزيع، بمعنى أن هذا الدقيق لا يجد طريقه إلى الأفران والمخازن، بل يتسلل إلى (السوق الأسود) لصالح هذه المجموعات.
وأضاف كرار لـ(اليوم التالي): ?رغم أن منافذ توزيع الدقيق محدودة إلا أن هذه السلسلة من المطاحن إلى الأفران يتم قطعها عمداً لإحداث ندرة مفتعلة يستفيد منها تجار (السوق الأسود) في الدقيق، أضف إلى ذلك أن عملية التوزيع وخاصة الدقيق تشرف عليها جهات أمنية?، موضحا أن أصحاب المخابز والمواطنين مجابهون بارتفاع أسعار الدقيق وقلة الوزن.
ورأى كرار أن الحل يكمن في تقليل الاعتماد على الواردات التي تتعلق بالقمح والدقيق عن طريق سياسة التوسع في زراعة القمح أفقيا ورأسيا والاهتمام بالزراعة.
ويقترح كرار أن يتم إعطاء القمح والدقيق أولوية بتوفير النقد الأجنبي للاستيراد، حتى تتم تغطية حاجات الاستيراد بصورة كاملة، ويوصي بضرورة أن لا يُترك استيراد الدقيق والقمح للقطاع الخاص، بل تستورده الجهة الرسمية وتقوم بتوزيعه للمطاحن. وختم كمال حديث قائلاً: ?إن أزمة الدقيق لا تتجزأ من الأزمة الشاملة في الاقتصاد السوداني المتعلقة بالإنتاج في كافة القطاعات?.
اليوم التالي.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..