النظام السوداني ( تحول إستراتيجي أم تموضع تكتيكي؟)

أحمد عثمان عمر

(1)
بدون شك تمكن النظام السوداني من إصابة كثير من المراقبين بالذهول حين قام بوثبة جديدة على مستوى العلاقات الخارجية هذه المرة، و شارك دفعة واحدة في عاصفة الحزم التي أعلنتها المملكة العربية السعودية ضد حركة أنصار الله اليمنية (الحوثيون). و سبب الذهول هو النقلة المفاجئة التي قام بها النظام دون مقدمات أو تمهيد، من مواقع العلاقة الإستراتيجية العميقة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، إلى الإنخراط في حرب ساخنة و مباشرة ضد أحد حلفائها الموثوقين، والمشاركة الفاعلة في حرب المعسكر النقيض و المنافس، بل وطرد المؤسسات الثقافية الإيرانية. و لكن المراقب اللصيق لأداء النظام السوداني و المحلل الذي يدرك طبيعة النظام و قواه الإجتماعية ، لا يمكن أن يدهشه هذا التحول الذي يشبه تماماً هذا النظام و أمثاله.
(2)
فالنظام من حيث البنية الإجتماعية هو نظام للرأسمالية الطفيلية المعادية للإنتاج و للقوى المنتجة ، و المستغلة للشعب السوداني بكافة فئاته و شرائحه و قواه الإجتماعية. و في سبيل تكريس هذا الإستغلال و تمكين طفيلييه من التطفل، لا سقوف أو قيم أو أخلاق أو برنامج سياسي أو دين أو أي قواعد من الممكن أن تقيده أو تقف في طريقه. فهو على عكس الرأسمالية المنخرطة في العملية الإنتاجية، لاثوابت له ولا منظومة قيم تحكمه ولا مشروع سياسي أو إجتماعي يربطه بشعبه، إلا برنامج النهب المعادي للجماهير. و لذلك هو مستعد لفعل كل ما يثبت أقدامه و يوطد سلطته ، ويعزز مكانة طفيلييه و يمدهم بدماء جديدة تسمح لهم بمزيد من الوقت و مزيد من الأرباح العائدة من النهب و التطفل. لذلك هو مستعد للقفز من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار دون أن يطرف له جفن، ودون أن يحس بأي تناقض، ومع استعداد دائم لتبرير الموقفين المتناقضين بخطاب ديني و كذب مفضوح و ممل و متكرر.
(3)
أما من ناحية الوضع العام، فالنظام برغم تحالفه الوطيد مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية الذي نتج عنه تطوير صناعته العسكرية و نقل الخبرات الأمنية والإستخباراتية ، إلا أنه لم يستفد من هذا التحالف في الجوانب الأخرى التي تؤسس لإستقرار النظام السياسي. و سبب عدم الإستفادة يكمن في طبيعة برنامج النهب المعادي للشعب الذي تبناه النظام نفسه أولاً، و في أهداف النظام الإيراني من التحالف ثانياً. فبرنامج النظام السوداني لايمكن أن ينتج إستقراراً للسلطة لأنه معاد بطبيعته للجماهير بمستوى يمنعه من تلبية أدنى إحتياجاتها، و أهداف إيران ذات بعد توسعي إستراتيجي لايهمه البعد الشعبي في شئ، خصوصاً إذا أخذنا في الإعتبار وضعها الدقيق و الحصار المفروض عليها. وهذا بالطبع لا يمنع مساهماتها المشهودة في المجتمعات الشيعية التي تمثل أقليات في بعض الدول العربية لأسباب ليس هنا مجال ذكرها. و بكل تأكيد لم يكن النظام السوداني مهموماً بالإستفادة من إيران في قضايا تلبية الإحتياجات الأساسية بقدرما كان يحتاجها لدعم جهده العسكري و حروبه على شعبه، لأن الإحتياجات الأساسية في حدها الأدنى كانت متوفرة نسبياً.
(4)
الآن النظام يواجه عزلة شاملة و خانقة أكثر من أي و قت مضى، وإنهيار إقتصادي شامل ليس سببه إنفصال الجنوب فقط، بل أساسه نمط التطفل الذي تمارسه النخبة الحاكمة وتدميرها للإنتاج الصناعي و الزراعي و نهب مقدرات الدولة. فهي تواجه عدم قدرتها على توفير غاز الطهي، و عدم قدرتها على توفير الخبز، و انحسار في مخزونها من العملات الصعبة، و عدم قدرتها على تمويل الوارد مع توسع في الإنفاق على جهازها الأمني و العسكري و توسيع دائرة حروبها. كذلك تواجه عزلة داخلية خانقة بعد فشلها في تمرير حوار الوثبة الكاذب، وإضطرارها للسير في طريق إنتخابات تنافس فيها نفسها، و مواجهتها لمعارضة توحدت بشقيها المدني و العسكري وفقاً لوثيقة نداء السودان. و فوق ذلك يعاني النظام من عزلة إقليمية و دولية من مظاهرها النفور من رئيسه المطلوب لدى العدالة الدولية، و تدهور في علاقاته بالدول الإقليمية لدرجة فرض عزلة على مصارفه و فشلها في تحويل الأموال، مع عقوبات أمريكية و حصار مفروض عليه من زمن طويل، إضافة لإرتباطه بالجماعات الأصولية التي تعيث فساداً في كافة دول الجوار.
(5)
هذا الوضع مع إقتراب موعد إنتخابات النظام التي رفضت معظم الهيئات الدولية مراقبتها و قررت المعارضة السودانية مقاطعتها، حتم على الطفيلية الحاكمة البحث عن مخرج. لذلك توالت تنازلاتها للنظام المصري بمستوى وصل حد التنكر لحركة الأخوان المسلمين التي خرجت من رحمها، و تكررت رحلاتها لدول الخليج طلباً للمساعدة دون جدوى (المقصود السعودية و الإمارات تحديداً)، و توسلت للولايات المتحدة الأمريكية لرفع العقوبات عنها مقابل أي ثمن تطلبه و كان من تداعيات ذلك دعوة عدد من قيادييها لزيارة الولايات المتحدة مؤخراً. و نتاج كل ما تقدم مع عدم قدرة إيران على مساعدة النظام بمستوى يخرجه من أزمته الراهنة و الملحة، كان لابد أن يكون إستدارة كاملة للخروج و الإنضمام للمعسكر الآخر. فالنظام يتوهم الآن أنه في وضع عسكري أفضل من الحركات المسلحة و أنه قادر على حسمها عسكرياً، لذلك الأولوية الآن للأزمة الإقتصادية الخانقة التي تشكل خطراً أكبر عليه، و في سبيل حلها لامانع من تغيير المواقف. و هذا التغيير يسير إذا أخذنا في الإعتبار أن النظام بالأساس بلا إستراتيجية و بلا مشروع من الممكن أن تبنى على أساسه تحالفات إستراتيجية. فتحالفه مع إيران كان تحالفاً تكتيكياً مبني على الحاجة العسكرية و الأمنية ذات الأولوية ، و الآن ينتقل لتحالف تكتيكي جديد حسب المشكلات الملحة الراهنة وفقاً لسياسة “رزق اليوم باليوم”.
(6)
فالنظام الآن يعيد تموضعه بصورة تكتيكية، تسمح له بتجاوز أزمته الآنية، وقد يكتفي بتمويل الإحتياجات الأساسية من خبز و غاز و عملة صعبة للقيام بهذا التحول الكبير. فهو لا يطمح في رفع العقوبات فوراً عنه، ولكنه سيكتفي بفك العزلة و القبول به ضمن تحالف عسكري إقليمي حتى وإن كان لضرب حلفائه الذين كان يصنع و يهرب السلاح لهم كما تقول الصحافة العالمية، مع تقديم مساعدات آنية إقتصادية و الإعتراف بإنتخاباته الوهمية القادمة خلال شهر أبريل 2015م، والتي ستجعل من البشير رئيساً شرعياً من الممكن أن يطلب من نفس التحالف الماثل مساعدته في الحفاظ على الشرعية و التدخل لضرب الحركات المتمردة وتمكينه من الصلاة في كاودا التي استعصت عليه. أي أن نظام الرأسمالية الطفيلية الحاكم في السودان هو في أسوأ حالاته الآن بحيث لايمتلك أي قوة للمساومة والتفاوض، ولن يكن ثمن شراء موقفه الجديد مكلفاً بأية حال. فهو قد يطمح في رفع العقوبات و تطبيع العلاقات و حل مشكلة رئيسه الهارب من العدالة الدولية، ولكنه ليس في وضع يسمح له بالمساومة للحصول على ذلك آنياً، لذلك فهو بالتأكيد سيكتفى ربما بوعود في هذا الشأن، مع تعجيل المساعدة المالية الملحة.
(7)
مؤدى ماهو مذكور أعلاه، هو أن موقف النظام السوداني الحالي و إنخراطه في التحالف المعادي لحركة أنصار الله اليمنية (الحوثيون)، ليس منطلقه مبدئي و لاعلاقة له بالصراع بين شيعة و سنة ، ولا هو يستهدف الهيمنة الإيرانية من قريب أو بعيد. إذ أن النظام السوداني خلال أكثر من ربع قرن أثبت أنه لا مبادئ له ألبتة. وإن إفترضنا جدلاً وجود هذه المبادئ بأثر رجعي، فالحركة الإسلامية لم يكن لها موقف من الصراع السني الشيعي لأنها ترفعت عنه، و عمل المؤسس التاريخي حسن البنا بشكل نشط في التقريب بين المذاهب، و استنكف الإهتمام بأصول العقيدة لأنها تفرق وقصر دعوته على الشريعة و دولتها فقط. و على أساس هذا الموقف الحيادي الذي ينادي به صلاح قوش في حملته الإنتخابية الآن، وثق النظام علاقته مع إيران و فتح لها أبواب السودان على مصراعيه حين كان التسليح و التدريب الأمني أولويته. أما الآن و الأزمة الإقتصادية الحادة هي الحاجة الملحة و تدفق الأموال هو الأمر العاجل، فإن النظام لايستنكف القيام بإستدارة كاملة تحت غطاء حماية قبلة المسلمين، للقبول ببعض الهبات التي تقيل عثرته الآنية، في تذاكي مخجل يهيئ له إمكانية الإستدارة مرة أخرى عند أي مستجدات، مالم يرتفع السقف مستقبلاً و يحقق له أحلامه الأخرى، وهي مازالت بعيدة الآن.
(8)
خلاصة القول هي أن إستدارة النظام الكاملة وتموضعه التكتيكي الماثل، ثمنه هو فك العزلة جزئياً بقبوله في التحالف، و مساعدته على عبور الأزمة الإقتصادية الآنية التي تعصف به، وقبول رئيسه بعد فوزه في الإنتخابات كرئيس شرعي حتى يحتمي برئاسته من مطاردة محكمة الجنايات الدولية، مع التلويح فقط بوعود فك العزلة بشكل كلي و الإندماج في المجتمع الدولي مستقبلاً. و هذا التموضع التكتيكي مرهون بإستمرار أزمته الإقتصادية التي لا يلوح أي حل لها راهناً، لأن زوالها يعني أن النظام سيعيد تموضعه لمعالجة أزمات أخرى، حتى لو إضطره الأمر للإنخراط في حروب ماركسية ماوية إذا كانت الحاجة للصين ملحة.

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. يعنى لا عاجبك علاقة السودان مع ايران ولا عاجبك علاقته مع الدول العربية البعجبك شنو يا شيخ احمد عثمان .

  2. ليس في مقدور السودان لعب اي دور غي المشكلة اليمنية التي ستتعاظم يوما بعد اخر . السعوديون يهدفون الي تجميع تاييد اقليمي لتدخلهم وشراء السودان لاستغلال اعلامه المنفلت لليرويج لعاصفة الحزم ولا يستطيع السودان تقديم شئ (نافع) في الحرب البرية المنتظرة لان جل قوات السودان متورطة في حرب اهلية 1كبر من تلك التي دارت قبل انفصال الجنوب . النظام الذي استنفر القبائل وسلحها لمحاربة التمرد بالرغم من الدعم الايراني الضخم لا يستطيع مساعدة السعودية اكثر من البوق الاعلامي وقوات رمزية تضمن ايرادات الاجرة .

  3. الكاتب الاستاذ …. احمد عمر … يطرح تساولا …. عن موقف النظام …. من حرب … اليمن …. ويتسأل … هل هو …. تحول استراتيجى …. ام تموضع …. تكتيكى … والاجابة … على هذا … التساؤل …. تكمن فى … ان هذا … النظام … جاء … وفق استراتيجية …. دولية …. تعمل …. على تجميع …. كل قوى … التطرف … والارهاب الاسلاموى ….. ومن ثم … اعادة نشرها …. بعد تأهيلها … وتدريبها …. للقيام …. بالانشطة … والبرامج المطلوبة … التى تحقق …. اهداف تلك …. الاستراتيجية … الدولية … وعلى فترات …. زمنية …. متسعة …. وداخل … هذا الاستراتيجية …. بأمكان … النظام …. القيام … ببعض …الادوار التكتيكية …اللازمة …. التى … تساعد …. فى الوصول … للاهداف الكلية ….
    لذلك …. فأن تحول النظام … الاخير …. يدخل فى …. باب … التموضع …. التكتيكى …. الذى ظل … يمارسه …. على مدى ربع …. قرن من …. سلطته …. طالما …. برنامج … الحرب … ضد الحوثيين …. يصب …. فى مجرى …الاستراتيجية …. الدولية …. والتى … تسير … بأتجاه …. اشعال … حروب … مذهبية …. تتمحور …. بين …. السنة … والشيعة …..

  4. طيب وإنتو الحارق قلبكم شنو ؟؟؟ ناس إتراجعوا عن سياسه كانت خاطئه ,, ,, كفايه بالله خلوا البلد تتحرك

  5. لقد جعلوا السودان سلة للهبات والاسترزاق العالمي لقد صنعوا بلدا بلا ملامح ولا استراتيجيات ونسوا ان الشعوب هي التي تصنع المستقبل والشعب قادم لا محال فلينتظروا

  6. تحياتي
    ياسلام
    لقد طرب العنقالي من الفقرة 2 في المقال, انها شذرات مما كان يعلق به ويقوله العنقالي في تعليقاته
    لكن ان يقوله كاتب بهذا الوضوح ومرة واحدة نقول له سلمت سلمت يامعلم
    قال الكاتب:-
    فالنظام من حيث البنية الإجتماعية هو نظام للرأسمالية الطفيلية المعادية للإنتاج و للقوى المنتجة/1
    لا سقوف أو قيم أو أخلاق أو برنامج سياسي أو دين أو أي قواعد من الممكن أن تقيده أو تقف في طريقه/2
    هو على عكس الرأسمالية المنخرطة في العملية الإنتاجية/3
    لاثوابت له ولا منظومة قيم تحكمه ولا مشروع سياسي أو إجتماعي يربطه بشعب/4
    مستعد لفعل كل ما يثبت أقدامه و يوطد سلطته ، ويعزز مكانة طفيلييه/5
    وحديث الكاتب حول قدرة النظام علي تبرير المواقف المتناقضة بخطاب ديني( وهو بالطبع لم يعد يقنع احدا)
    _____
    ساعود لمزيد من القراءة لهذا المقال المهم
    بكل تقدير

  7. لا ادري ان كانت هذه الطائرة فعلا طائرة تطير او انها مجرد مجسم من الطين…؟ ومنذا الذي يغامر بنفسه ليطير بها الى عنان السماء واوعى تكون تلك واحدة من الطائرات المشاركة في عاصفة الحزم جبنا الى جنب الى الإف 16 والتورنيدو وغيرها….!!!

    لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم…..

  8. الغدر والخيانة وإنحطاط الإخلاق والقيم هي ديدن نظام الكيزان و سند لعبتهم السياسية و إلا ماذا يعني أن يتسولوا لإيران طائرات السوخوي بحجة تطهير مواطنيهم بدارفور والمنطقتين وتوافق إيران وتغدق عليهم بالطيران وتزيدهم بالتقنية والعتاد بسخاء فارسي… و ما أن برقت دينارات الخليج والوعود المعسولة سالت لعابهم و صوبوا تلك السوخوي والعتاد لصدر إيران المكشوف في حوثيي اليمن دون تردد أو حتي فاصل زمني من ثوان.. والعجيب أنهم يملأون الدنيا نعيقاً دون حياء….

  9. ولكى نعرف حجم ( الدمار اﻻخﻻقى ) و كمية الخدع والكذب التى يتمع بها هذا النظام ﻻبد ان نضع فى اعتبارنا حقيقة التكوين المستهدف بعاصفة الحزم والتى تقوده المملكه العربيه السعوديه ودول الخليج وبعض الدول العربيه وكلها تخوض هذه الحرب من ناحيه مبدئيه إذ كلها لها مواقف ضد هذا التكوين المستهدف بدرجات متفاوته !! ما عدا النظام السودانى … فكل هذه المكونات المستهدفه بالحرب نجد ان النظام السودانى له عﻻقه وثيقه بها .. !! وللتأكد فإن المكونات المستهدفه بالحرب هى اوﻻ : الحوثيين ( الشيعه وبالطبع ايران !! ) وعﻻقة النظام بايران غير خافيه ومعروفه للجميع !! ثانيا : اﻻخوان المسلمين بقيادة اﻻحمر – قربه على عبدالله صالح – واظنه يقود احد الجيوش – شارك فى الانقﻻب وهو احد اضﻻع الحلف المستهدف .. وبالطبع نظام البشير هو نظام اﻻخوان المسلمين .. !! اما الضلع الثالث فهو على عبدالله صالح وعﻻقته كانت كبيره مع نظام البشير .. حتى البشير نفسه ذكرها قبل ايام ؟؟
    هذا هو الواقع .. فهل لو قلنا انتهازيه او قلنا تقيه او اى من التوصيفات فهل نكون بالفعل ﻻمسنا الحقيقه ؟؟ حقيقة لست ادرى ..!!

  10. السياسة سياسة وهذا كلام عاطفي وليس تحلل؟ وانت تكتب لمن لجيل البطولات ولا جيل التضحيات الان جيل؟؟؟؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..