من اليرموك إلى التحالف.. قصة الإسلام

أزعم أن جيوش التحالف الإسلامي التي تتجمع وتناور الآن في الحوافي الشمالية لشبه الجزيرة العربية.. قد تكون هي الأضخم والأكبر.. والأبلغ تأثيرا منذ معركة اليرموك الشهيرة.. التي غيرت تاريخ الإسلام والمسلمين.. نعم.. ينظر كثير من المؤرخين والمعاصرين.. ومحللي وقائع التاريخ لاحقا.. أن معركة اليرموك تلك بحجمها ووقائعها ونتائجها كانت فتحا في التاريخ الإسلامي.. يكفي أنها لم توقف تهديدات الرومان تجاه الدولة الإسلامية الوليدة آنذاك.. وحضارتها الإسلامية الجديدة فحسب.. بل فتحت الطريق أمام تلك الدولة الوليدة لتغزو الرومان في عقر دارهم.. معركة اليرموك كانت بعد أربع سنوات من وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم.. أي في عهد أبي بكر الصديق.. وفقا للمؤرخين تحديدا في العام الخامس عشر الهجري.. والسادس والثلاثين من بعد الستمائة للميلاد.. ووفقا للجغرافيا فاليرموك كان واديا في بلاد الشام آنذاك.. يحاذي بمنطق اليوم الحدود السورية الفلسطينية.. أي أن الدلالات والإشارات ليست بعيدة بين الأمس واليوم..!
إذن.. المملكة العربية السعودية.. بمبادرتها الجديدة.. شمالا.. بعد النجاح الكبير لمبادرتها الجنوبية.. عاصفة الحزم.. نحن هنا نتحدث عن النجاح السياسي.. وليس العسكري.. الذي لمّا يتفاعل بعد.. الشاهد أن الرياض تقود الآن مبادرة جديدة.. هي النسخة الثانية للسعودية في ثوبها الجديد.. نقول الجديد.. لأن المملكة العربية السعودية ظلت طوال عقود خلت تطلق مبادرات ناعمة.. سمها سياسية أو دبلوماسية.. تسعى لنزع فتيل الأزمة هنا.. وإطفاء بؤرة مشتعلة هناك.. أول مبادرة سياسية ولكن بأنياب عسكرية حادة للقطع كانت هي عاصفة الحزم.. تلتها الآن مبادرة التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب.. وبذكاء شديد.. وبقصد فيما يبدو.. تقود السعودية تحالفها الجديد بقوته الضاربة إلى التخوم الشمالية من شبه الجزيرة العربية.. يكاد الجيش الإسلامي في العام 2016 يتحسس خطى جيش خالد بن الوليد الذي سار على ذات الطريق في العام 636 ليسحق جيوش الإمبراطورية البيزنطية وفارسها المرعب هرقل في اليرموك..!
ولكن الأهم من هذا.. والأبلغ تأثيرا.. أن هذا التحالف قد سجل خطورته.. وحسم انتصاره منذ الإعلان عن اسمه.. التحالف الإسلامي.. لماذا..؟ لأنه ومنذ أن برزت إلى الوجود ظاهرة المجموعات الدينية المتطرفة التي تجرم المجتمعات المسلمة التي خرجت منها قبل أن تجرم الآخرين.. من لدن التكفير والهجرة.. ومرورا بالقاعدة وكل تشظياتها.. وانتهاءً بداعش وصويحباتها.. فقد ظلت صفة الإسلامي أو الإسلامية رديفة لتلك التنظيمات والمجموعات.. حتى أن صفة الإرهاب قد تجاوزت تلك المجموعات لتصبغ الإسلام نفسه بصبغة قاتمة.. ولكن.. ولأول مرة أصبح هناك تحالف مهمته لا ممارسة الإرهاب.. بل مكافحة الإرهاب ويحمل صفة إسلامي.. ولعمرنا هذا مما يحدث تغييرا استراتيجيا لفهم الإسلام لدى الآخرين.. وربما لدى بعض المسلمين أيضا.. لقد ظلت المؤسسة الرسمية الإسلامية.. وبالضرورة العربية.. خائفة ومرعوبة من وصمة الإرهاب.. تلهث وتبحث في مصطلحات الآخرين لإقناعهم برفضها للإرهاب.. ولكنها أدركت أخيرا.. أو انتبهت أخيرا.. أنه ليس أفضل من لغتك ما يعبر عنك.. وليس أفضل من استخدامك الصحيح لمصطلحك ما يقنع الآخرين بصدقك.. فصيغت عبارة التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب.. كأول تعبير صادر عن المؤسسة الإسلامية الرسمية.. لهذا نتوقع وقبل المعركة العسكرية على الأرض.. أن تفتح الميديا العالمية معركة في الفضاء الإعلامي لمواجهة هذه المفاجأة الإسلامية التي من شأنها أن تنسف الكثير من المفاهيم المغلوطة الراسخة لدى الرأي العام العالمي بفعل فاعل

اليوم التالي