إسعافات أولية للكبار: كنيزة فلاتة.. قرية قطع سكانها دابر الأمية الصحية

أبوحجار- محمد عبد الباقي
لا أحد يتذكر تاريخ إنشائها بالضبط، وكذلك تختلف الروايات في أول من شيَّد منزله بها، لكن على أي حال فإن قرية (كنيزة فلاتة) بمحلية أبوحجار التابعة لولاية سنار أخذت سمعتها من إقبال سكانها جميعاً على دراسة القرآن الكريم، وتمسكهم به وتبحرهم فيه تجويداً وترتيلاً، ومقاطعتهم لأي نوع من التعليم النظامي بفروعه المختلفة.
هذا النهج الصارم جعل كل الحكومات المتعاقبة على ولاية سنار تبتعد عن مساومة سكان (كنيزة فلاتة) على تغيير نهجهم الذي ورثوه كابراً عن كابر، بحسب (رابح صالح محمد آبكر) أحد سكان (كنيزة)، الذي اعترف بأن اختراقاً قام به (عبدالعظيم آدم يوسف) معتمد أبوحجار الحالي غيَّر كل الموروثات القديمة رأساً على عقب.
#القرية اللغز!!
ظلت قرية (كنيزة فلاتة) على مدى تاريخها الطويل تمثل حالة ليست مقلقة للجهات الرسمية وجيرانها في القرى الأخرى، ولكنها محط دهشة واستغراب وإعجاب في الوقت ذاته، فهي القرية الوحيدة التي لا يوجد بها منزل للمعاصي والخمور، فالسكان جميعهم إما حفظة لكتاب الله وإما طلاب في الخلاوى أو دارسون بحلقات الذكر والمعرفة، فالجميع ليست لديهم أطماع دنيوية لا صغيرة ولا كبيرة، كل منهم يعلم مكانه تماماً في مسجد القرية لا يبدله ولا يسمح لأحد بالوقوف فيه، وإذا تخلف مُصلٍّ واحد عن حضور أى من الأوقات، هذا يعني أن مكروهاً أصابه ولابد للمصلين جميعاً تفقده فور إنهاء الصلاة التزام كل مواطن من مواطني (كنيزة فلاتة) بحجز مكانه داخل المسجد بصورة دائمة جعل (عبدالعظيم آدم يوسف) معتمد أبوحجار يغير موضع صلاته سبع مرات عندما دخل المسجد متخفياً كأول مسؤول يزور القرية، فكان كلما وقف في مكان على حد قوله، يُطلب منه إخلاء المكان لصاحبه الذي لم يتغيب عن الوقوف فيه لسنوات طويلة، فظل يذهب نحو نهاية الصف حتى استقر بعد سبعة أشخاص في الصف الأمامي.
#البعد عن الغلو والتطرف
التزام مواطنو قرية (كنيزة) بدراسة القرآن والسير على نهجه دون غلو أو تطرف دفعهم لاتباع نهج صار قانونا بمرور الوقت لا يحيدون عنه مطلقاً، وهو أن ظلوا ولسنوات طويلة يرفضون قيام مدرسة بالقرية، وكذلك يرفضون كل ما له تأثير على انتظام أبنائهم بخلاوى القرآن الكريم الذي استمدوا منه كل شؤون حياتهم اليومية ومعاملاتهم، فكان من الصعوبة بمكان إقناعهم بقيام مدرسة تغير وجهة (الحيران) من اللوح والتقابة نحو السَّبورة والفصل بحسب اعتقادهم، تمسك جميع أهل (كنيزة فلاتة) بأسلوب حياة ودين لا يغيرونه أبداً حتى عندما يقفون للصلاة داخل المسجد يحتفظ كل منهم بمكانه المحدد ولا يبدله مهما تطاولت السنوات جعلت مسؤولي الحكومات المتعاقبة يتجنبون الصلاة في مسجد (كنيزة فلاتة) إلى أن جاء (عبدالعظيم آدم)، فكان اختراقه الأول لِلُجج هذا النهج الصارم، هو الصلاة في الصف الأول داخل المسجد وسط المواطنين على حد وصف (رابح صالح محمد أبكر) الذي أفاد بأن (عبدالعظيم آدم يوسف) هو أول مسؤول يصلى في مسجد القرية ويستطيع إقناع المواطنين بالخدمات الأساسية المتمثلة في المركز الصحي والمدرسة وروضة للأطفال.
#قطع دابر الأمية الصحية
بمجرد أن تمكن معتمد أبوحجار من الصلاة وسط المواطنين في مسجدهم العتيق بدأ حملته لإقناعهم بقبول الخدمات، وهنا يقول (بشير رابح محمد بابكر) أحد مواطني القرية أن مساعي المعتمد وبعد جهد جبار تكللت بالنجاح، فكسب موافقة المواطنين على إقامة روضة قرآنية بالقرية، أعقبها قيام مركز صحي وعقد دورة في الإسعافات الأولية تخرج فيها (72) دارساً منهم (بشير رابح محمد بابكر) نفسه الذي قال: إن الدورة ضمت (52) رجلاً و(20) امرأة جميعهم تخرجوا بشهادات في الإسعافات الأولية أصبحوا بموجبها يستطيعون تجبير الكسور وتنظيف الجروح والتفريق بين العلامات والحالات المرضية، كما استطاعوا أن يؤدوا كل إجراءات التطعيم وبقية الخدمات الصحية. وأضاف (بشير رابح) الذي تجاوز السبعين من عمره أن تدريب سكان القرية على الإسعافات الأولية سوف يمكنهم من التعامل السليم مع المرفق الصحي الذي تم تشييده بالقرية، وكذلك هم مستعدون تماماً بأن يكونوا خير سند للكوادر الطبية والصحية التي يتم توزيعها على المركز قريباً بعد أن أصبح جاهزاً للعمل. وختم (بشير رابح) بأن المواطنين بعد إنجاز الخدمات الأولى، يطمعون الآن في تنفيذ الوعد بقيام المدرسة في القرية لأول مرة في تاريخها وكآخر قرية في الولاية كلها تنتظر هذا الحدث الكبير خاصة بعد التزام المعتمد والوالي بقيامها وشروعهم في إنزال معداتها
اليوم التالي
تاريخ تأ سيس قرية كنيزة فلاتة ليس مجهولاً لكن المجهولون مثلك لا يستطيعون الجلوس مع الذين يعرفون تاريخ القرية القلعة الانصارية الصامدة