شاعران من وادى النيل !؟!” 4 “

شاعران من وادى النيل
الطيب السراج وعباس محمود العقاد
تأليف بروف/ حدديد الطيب السراج
إستعراض د.فائز إبراهيم سوميت
عضو منتدى السراج الأدبى ? أبى روف أمدرمان
الحلقة ” 4 ”
فى السابقة :
لقد صار النابغتان السراج والعقاد , رمزا يحتذى فى البحث والدرس والتحصيل فى كل فروع العلوم والآداب والتاريخ والآداب , واللغات عامة , والعربية خاصة وأصبحا مفخرة لشعبى وادى النيل . وقدمنا نماذج من أشعارهما فى مناسبات مختلفة وأحداث جرت فى تاريخ فى وادى النيل .
فى هذه الحلقة :
نكمل بقية القصيدة العصماء التى أنشدها الشاعر السراج مشيدا فيها بدور مصر فى إرساء وإنماء وإثراء الحضارة الإنسانية عبر العصور حيث قال فيها :
تالله لولا مصر لم يجد إمرؤ
فى الشرق أقوالا ولاأفعالا
ولكان مثل بهيمة يستامها
ولربما رجحت به إفضالا
والغرب لولا الشرق أمس كاسمه
غربا , وأمسى فى العلا أفالا
يا مصر هاك تحية من عاشق
لك , منذ كان يزامل الأطفالا
حتى غدا كهلا , يكافحه الهوى
ويكافح الأرزاء والأهوالا
ثم يعود بنا بروف/ حديد السراج مرة أخرى فى نسق المواءمة بين الشاعرين السراج والعقاد , كشاعرين ملاأ فضاءات وادى النيل بأشعارهم وأفكارهم الصداحة وكانا ولايزالا ملء السمع والبصر من خلال التراث الثر الذى تركانه , حيث قال فى هذا الصدد :
ونعود إلى الشاعر عباس محمود العقاد , لنقول إنه اشتهر بمواقف معينة بينة تجاه الشعر والنقد والمرأة , كما اشتهر بمواقف سياسية جامحة , وآراء جريئة فى الكثير من القضايا الوطنية والدينية , وبإعتزاز واضح بالعروبة والإسلام , من خلال كتاباته ومؤلفاته وعبقرياته وقصائده الشعرية .. فمن أمثلة مواقفه وآرائه , ما جاء فى كتابه ” الفصول ” فى الرد على الملحدين فى مقالين طويلين , يقول فى أولهما : ( من يكفر منا , فقد أراد أن يجتث نفسه إجتثاثا من شجرة الوجود ) .. ويقول فى ثانيهما : ( إذا لم تكن النفس من التمكن من ينبوع الوجود , بحيث يسرى إليها الإيمان به من داخلها , كما يسرى عصير الحياة إلى الشجرة اليافعة , من مغرسها , فسريان الإيمان إليها من الخارج مستحيل . وكل شعور بعظمة الحياة , إنما هو شعور بعظمة الله الحقيقية , وهو الإيمان الحق المقصود ) . ويواصل البروف/ حديد فى تأملاته فى مقالات وأشعار العقاد : هذا وللعقاد ثمانية كتب فى العقيدة الإسلامية , هى : الفلسفة القرآنية , الديمقراطية فى الإسلام , مطلع النور , حقائق الإسلام وأباطيل خصومه , الإنسان فى القرآن الكريم , التفكير فريضة إسلامية وكتاب ما يقال عن الإسلام . . ويمضى مفذلكا : كل هذه الكتب تقوم على أصول فكرية واحدة , تستمد من الشيخ محمد عبدة وتعاليمه . فقد مضى فى اثره , يؤمن إيمانا عميقا بأن الإسلام دين عالمى , صالح لجميع الشعوب , على إختلاف بلدانها وازمانها وتفاوت حضاراتها ومدنياتها . الشاهد أن إيمان العقاد بالعرب والعروبة , كان شديد الصلة بعقيدته الإسلامية .. فقد كان يؤمن بطابعها المستقل , وآمن نفس الإيمان بشخصياتها المميزة .. لامن الصحابة الأولين فحسب , بل ابضا بأعلام الفكر الإسلامى العربى , على مر العصور . ويسترسل : وقد أكثر العقاد من الحديث عن المتنبئ , وأبى العلاء المعرى , وخص الأخير بكتابه : ( رجعة أبى العلا ) . وإتجه إلى فلاسفة العرب والمسلمين , فكتب عن الشيخ الرئيس ( ابن سيناء ) وعن ( ابن رشد ) ليوضح من خلالهما أصالة الفكر الفلسفى العربى . وعمد العقاد إلى بيان فضل العرب على المدنية الغربية وتاريخ الإنسانية , فألف فى ذلك كتابه ( أثر العرب فى الحضارة الأوروبية ) , موضحا هذا الأثر , من جميع جوانبه الفكرية والروحية والعلمية والفلسفية والفنية . لقد كان – يواصل بروف حديد ? جزء من دعوة مدرسة العقاد , أن الشعر ينبغى أن يكون تعبير النفس , لاتعبير الحس .. كما أن الشعر ينبغى أن يدفع الأمة نحو الحياة المهذبة التى تعلو فيها نزعات الروح , على نزعات الجسد , مسجلا ذلك فى إحدى قصائده التى يقول فيها :
أوتيت من حسن الشمائل نعمة
والحسن فى الدنيا من الآفات
والحسن يعشقه الكريم , وربما
أضرى لئيم النفس بالنزعات
هلا , علمت وأنت زهر مونق
أن الزهور , فرائس الحشرات
لايخدعوك بليّن من قولهم
فالليّن بعض حبائل الحيات
وبعد هذه الجولة الإبداعية والفكرية فى خبايا الشاعر العربى الفذ عباس محمود العقاد يعود بنا بروف/حديد السراج من خلال هذا الدويتو السردى إلى الشاعر السودانى الفحل الشيخ الطيب السراج حيث يقول فيه :
إنه قد ترك فينا تراثا علميا وثقافيا ولغويا ثريا , وجديرا بالوقوف عنده بتمعن , تمثل فى شعر وافر عالج فيه كثيرا من القضايا الحياتية لنفسه ولشعبه ولأمته , وطرق فيه موضوعات متنوعة وصفا وفخرا ومدحا وتعبيرا عاطفيا وسياسيا ووطنيا وإعتزاز بتاريخ أمته العربية الإسلامية . ومن أثمن ما ترك كتابه ( رزق الله من كتاب الله ) . إن حب السراج للعرب قد ملك عليه نفسه ومشاعره وظل طيلة حياته يذكر مآثرهم , ويدعو إلى إستنهاض همتهم للدفاع عن تراثهم , وحثهم على التمسك بإسلامهم , والوقوف بقوة لصد عدوان خصومهم من المستعمرين وقوى الشر فى العالم الحديث , بل والتصدى لأفكار ومفاهيم بعض المحسوبين من العرب أنفسهم المتشبهين أصحاب الأصوات النشاز . ويمضى بروف/ حديد هذا وللسراج قصيدة بعنوان ( نداء العرب ) يدعو فيها العرب إلى ان يهبوا من غفوتهم ويستيقظوا من ثباتهم ويثوبوا من غفلتهم فالعدو بهم متربص والعدو لغدرهم متحفز يرائيهم ويخدعهم حتى إذا حان الحين أخذهم على حين غرة فشتت شملهم , وتمكن من بلادهم وفرقهم أيدى سبأ فيندمون ندامة الكسعى حيث لاتنفع الندامة .
ألا يا أمة العرب هبوا
أنوما والعدو بكم مرب
يرائيكم لكيما تطمئنوا
إليه ثم يفعل ما يحب
مظاهره كما تهوون سلم
وباطنه كما تخشون حرب
ويسترسل الشاعر السراج فليس من سبيل سوى اتحاد الكلمة :
وليس بكائن لكم اجتماع
ولم يجمعكم للعرب حب
وحبهم على الإسلام فرض
وحبهم من الديان قرب
وآية حبهم أن تحفظوهم
بحفظ لسانهم ما الحب شغب
أأزعم حب قوم لست ادرى
لسانهم لذاك الزعم كذب
فالقصيدة عند الشاعر السودانى السراج , لم تعد خواطر متناثرة .. لايجمعها سوى رباط الوزن والقافية .. كما كان الشأن فى مدرسة شعراء مدرسة الإحياء والبعث .. فالقصيدة لدى الشاعر السراج تسود أبياتها رابطة معنوية توثق الصلة بين أبياتها وتضمها فى موضوع واحد .. هذا النسق الإبداعى يلغى وحدة البيت ويضع مكانها ( وحدة القصيدة ) .. ويتناول بروف/ حديد الشاعر من زاوية أخرى طرقها من خلال شعره وهى الحس القومى داخل أبيات قصيدته , حيث بين ذلك بجلاء فى ديوانه ( وحى الأربعين ) الوشائج الوثيقة بين الشعبين المصرى والسورى وشائج الوطن الواحد والتاريخ الواحد واللغة الواحدة حيث قال :
إنا بنو وطن تقرب بينه
سيناء فى قدسية وجلال
الشمس تجمع فى المطالع بيننا
والأرض فى حرم الجوار الغالى
ومعالم التاريخ فى كتب وفى
عقب , فى نصب , وفى أطلال
ولسان صدق فى الغات تألفت
فيه القلوب تألف الأقوال
ومن قصيدة للسراج فى ديوانه ( هدية الكروان ) :
أنا لاأراك وطالما طرق النهى
وحى , لم تظفر به عينان
أنا فى لسانك حيث اطلقه الهوى
مرحا , وإن غلب السرور لسانى
أنا فى ضميرك حيث باح , فما ارى
سرا يغيبه ضمير زمانى
فى خاتمة هذا الفصل يحدثنا بروف / حديد السراج قائلا :
هكذا نختتم حديثنا فى هذه المقدمة عن الشاعرين العالمين , من نوابغ أبناء النيل العظماء ? الشيخ الطيب السراج والأستاذ عباس محمود العقاد .
فى الحلقة القادمة : هولاء والسراج !؟
[email][email protected][/email]