مقالات، وأعمدة، وآراء

ثمن الوحدة، ليس محض إقامة..اا

إليكم

ثمن الوحدة، ليس محض إقامة..1

الطاهر ساتي

** قبل عام تقريبا ، خرجت إلى الهواء الطلق امرأة أمريكية تدعى جين مور ، بعد ربع قرن ونيف من الحبس الانفرادي ، حيث كادت أن تقتل الرئيس الأمريكي الأسبق فورد بعد أن خدعها الشيوعيون بأن نهاية حياة فورد هي بداية نهاية أمريكا ، شعبا ودولة .. فصدقت جين الخدعة وحاولت قتل الرئيس فورد ولكن طاش رصاصها ، فحكموا عليها بكل تلك السنوات سجنا انفراديا .. قبل إطلاق سراحها ، ندمت وبكت ثم كتبت اعتذارا للرئيس فورد ، ولكن مدير السجن استلم رسالتها وحرقها وخاطبها قائلا : اعتذري للشعب الأمريكي ، أما الرئيس فورد فقد مات .. !!

** تذكرتها – تلك المخاطبة – ضحى البارحة حين وقعت عيناي على خبر مفاده : كشفت الحركة الشعبية عن تقدم نائب رئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه بطلب إقامة بالجنوب والمرور على ولاياته للدعوة للوحدة.. أوهكذا ورد الخبر على لسان وزير الخارجية والقيادي بالحركة دينق ألور .. وإن كان الأمر كذلك ، أي كما جاء على لسان ألور ، فليس لواقع الحال خطابا يخاطب به حكومة الخرطوم غير : اعتذري للشعب السوداني ، أما الجنوب فقد ذهب .. وحكومة الخرطوم المعنية بالاعتذار ليست هي الحزب الحاكم بالشمال فقط ، بل الحركة الحاكمة بالجنوب أيضا .. !!

** وقبل تفكيك خطاب واقع الحال ، ثمة أسئلة تقف عند شاطئ حديث دينق ألور ، ربما تنتظر إجابات تعبر بها إلى شاطئ آخر .. أسئلة من شاكلة : هل صدقا تقدم نائب رئيس جمهورية السودان بطلب إقامة بجنوب السودان ، وليس بأمريكا الجنوبية مثلا ..؟.. وإن كانت الإجابة بنعم ، وأنا أشك في ذلك ، لمن تقدم بهذا الطلب ..؟.. إن كانت الإجابة لحكومة الجنوب ، فهل إقامة نائب رئيس البلد – مؤقتة كانت أو دائمة – بأي مكان في أرض البلد ؛ شمالا كان أو جنوبا ؛ بحاجة إلى تقديم طلب أو استئذان من حكومة الجنوب .؟.. نيفاشا لم تنص بذلك ، ولذلك يدهش الناس أن تقرأ أعينهم خبرا كهذا ، بهذا الشكل .. ولو نيفاشا نصت بذلك ، لما تحدث دينق ألور لصحف الخرطوم من الخرطوم ..!!

** والمهم ، أي تلك أسئلة ليست مهمة ، وما طرحتها إلا لتنبيه وزير خارجيتنا بأنه تحدث في ذاك الخبر عن رئيسه المباشر في العمل التنفيذي ونائب رئيس بلده ، وليس عن أوباما أو موسفيني أو حسني مبارك أو غيرهم من الذين يجب عليهم تقديم الطلبات عبر سفاراتهم إلى الخرطوم وجوبا حين يرغبون الإقامة فيها ، يوما أو ساعة ..فالنائب ، كما الرئيس والنائب الأول ، حين يريد الإقامة بالفاشر أو بمروي أو بالأبيض أو بجوبا أوغيرها ، يوما أو عاما ، فإنه يخطر أجهزة الدولة بتلك الإقامة وأسبابها وأهدافها .. يخطر ولايطلب ، ولكن يبدو أن دبلوماسية وزير خارجيتنا لاتفرق بين الإخطار والطلب ..!!

** على كل حال ، نرجع للحدث ذاته .. إقامة نائب الرئيس بالجنوب لدعوة أهل الجنوب إلى خيار الوحدة .. هكذا الحدث ، وفي تقديري تلك إقامة غير مجدية .. أهل الجنوب بحاجة إلى نهج وطني يدعوهم إلى الوحدة ، وليس إلى نائب رئيس أو حتى رئيس أو نائب أول .. نعم هم بحاجة إلى نهج متفق عليه ، وليسوا بحاجة إلى شخوص .. ولو كانت الشخوص مجدية ، لكفاهم النائب الأول لرئيس الجمهورية ورئيس حكومة الجنوب ..هو الأقرب إليهم والأقوى تأثيرا عليهم ، ومع ذلك عجزعن إعلاء صوت الوحدة في دواخلهم ، بل حتى سيادته بحاجة إلى من يعلي هذا الصوت في دواخله ( بالنهج أيضا ) .. والمتابع لخطابات الفريق سلفا يلاحظ أن مفردة الوحدة الجاذبة ترد بحياء أو باستدراك تسبقه مفردة الانفصال بغزارة ، تصريحا وتلميحا .. ولذلك ، يجب أن يذهب من الخرطوم نهج وحدويّ ليدعو حكومة الجنوب إلى الوحدة ، وإذا نجح النهج في ذلك ، فإن تلك الحكومة قادرة على إقناع رعيتها بالتصويت لخيار الوحدة .. وهنا يطل سؤال مهم جدا ، فحواه : هل الخرطوم قادرة على إنتاج ( النهج الوحدوي ) ..؟.. الإجابة التي يعكسها واقع الحال بكل وضوح هي ( لا ) .. كيف ولماذا ..؟.. الإجابة هي مربط الفرس ، فلتكن غدا بإذن العلي القدير ..!!

صحيفة الحقيقة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..