والي الخرطوم : السودان لن يكون دولة علمانية..عصام البشير يطالب بتواصل الائمة والمسؤولين وتنويرهم عن الوضع ليتسنى لهم تنوير المجتمع بالمعلومات الصحيحة..اا

: قطع والي الخرطوم، الدكتور عبد الرحمن الخضر، بأن السودان لن يكون دولة علمانية، مؤكدا ان الشريعة الاسلامية ستكون مصدر التشريع الثابت في الدستور الدائم للبلاد،
وكشف عن تعيين 750 من الائمة في وظائف ثابتة في الخدمة المدنية بجانب ادخال جيمع طلاب الخلاوي والمؤذنين والائمة تحت مظلة التأمين الصحي الشهر المقبل.
وقال الخضر لدى مخاطبته الجلسة الافتتاحية لمؤتمر المساجد الاول الذي نظمه مجلس الدعوة بالتعاون مع منظمة اعمار المساجد امس، ان الميزانية المرصودة لوزارة الاوقاف تبلغ 20 مليون جنيه ،«8» ملايين منها لاوقاف المساجد ،الى جانب تخصيص 12 مليون جنيه لتأهيل بعض الخلاوي الى معاهد.
واكد الوالي تأهيل الائمة وحفظ حقوقهم المالية والوظيفية ،وقال نعمل على تعيين الائمة في الدرجة التاسعة في الخدمة المدنية مايعادل درجة البكلاريوس، الى جانب ادخال 950 من الائمة في الكشف الراتب و750 امام مسجد كدفعة جديدة في الكشوفات الشهر المقبل.
من جانبه، دعا الامين العام لمنتدى النهضة، الدكتور عصام احمد البشير، الى الابتعاد عن الجهوية والقبلية والعنصرية واسباب الفرقة والتشظي، وشدد على ان لا تكون المساجد معتركاً للسياسة والاغراض الحزبية حتى لاتنحرف عن اداء رسالتها، واكد على ضرورة التواصل بين الائمة والمسؤولين بالدولة وتنويرهم عن الوضع السياسي والاقتصادي ليتسنى لهم تنوير المجتمع بالمعلومات الصحيحة، وقال « يجب ان تكون خطابات الائمة للمناصحة لا للمناطحة .»
وطالب البشير، الائمة بمناقشة الوضع الراهن حول الدستور الدائم للبلاد القائم على الشريعة الاسلامية، وقال» علينا ان نتعاون لنقدم الانموذج الصحيح الذي يكرس للعدالة ومحاربة الفساد المالي والاداري والمحسوبية والحزبية.

الصحافة

تعليق واحد

  1. ،( وشدد على ان لا تكون المساجد معتركاً للسياسة والاغراض الحزبية حتى لاتنحرف عن اداء رسالتها، واكد على ضرورة التواصل بين الائمة والمسؤولين بالدولة وتنويرهم عن الوضع السياسي والاقتصادي ليتسنى لهم تنوير المجتمع بالمعلومات الصحيحة، وقال يجب ان تكون خطابات الائمة للمناصحة لا للمناطحة)
    والبشير يطلب مناقشة الائمة للدستور.؟
    التناقض جو التناقض :
    تبنعد عن السياسة وتتواصل مع المسئولين؟؟
    ما هي المناصحة مالم تكن انشغالا بالسياسة.
    العكس صحيح, ان كان لهم دور اصلا فى او مسئولية فى نظرية وادارة المجتمع, وهو ان تتواصل مع المجتمع وتنور المسئولين
    يجب اغلاق كليات الدراسات الاجتماعية والسياسية فى كل الجامعات ليتاح المجال لائمة المساجد..بل اغلاق كلية الطب والاكتفاء بالرقية والمحاية.
    البلد اتعولق لا لامي فى القرن الرابع عديل ولا لامي حتى فى القرن العشرين.
    ننتظر نشوف التجربة الرهيبة العجيبة.

  2. يادكتور عفوا ,, المسسئولين ماعندهم اضان يسمعوا حاجة من الائمة . والائمة اغلبهم
    دخل تحت عباءة المسئولين . واصبحوا ابواق للنظام ومنتفعين . وفتاويهم لاتتجاوز الوضوء والحيض والنفاس وبعض الامور الهامشية . اقول اغلبهم ( الامن رحم ربى )

  3. عجبا…. تحويل الخلاوي الى معاهد لتخريج أئمة بدرجة بكالوريوس …( زيادة مباني
    وفقدان للمعاني )!!….جمهورية مصر بها الجامع الأزهر (وهو الآن بمثابة جامعة لتخريج
    العلماء ) وعمر الجامع الأزهر يناهز الألف عام , ولم يفكر المصريون وحكوماتهم في
    انشاء معاهد جديدة لتدريس علوم الشريعة وتخريج أئمة ….ماذا فعلتم للخريجين من
    مختلف التخصصات ؟ أليس كان الأجدى توفير هذه الميزانية لاستيعاب الخريجين الجامعيين ؟!!! اللهم أرنا في عمر حسن أحمد البشير وزمرته الفاسدة وجميع الكيزان
    الصغير والكبير ,اللهم أرنا فيهم بأسك ,اللهم شتت شملهم ومزق سلطانهم الفاسد
    وأفقرهم كما أفقروا شعب السودان …آمين يارب العالمين …

  4. والله عندى اختراع طيب ضموا وزارة الاوقاف لوزارة الصحه رايكم شنو ههههههههه انتو عينتو ناس البكلاريوس البجد لمن الائمه المساجدمهازل يازمن

  5. صدقوني اي سوداني مسلم يريد شرع الله لان شرع الله هو العدل والمساوة وعدم المحسوبية ومحاربة الظلم والفساد واستقلال القضاة ولكن الشريعة التي يريدة من يسمون انفسهم الانقاذيون ليست شرع الله بل شريعة الانقاذ للاسف الدكتور عصام احمد البشير كان من الائمة الذين كان لهم فضل المناصحة ولكن الان مع شريعة الانقاذ

  6. العلمانية إنتوا خليتوا ليها شنو.
    شريعة المؤتمر الوطني ديه طبقوها في أولادكم. نحن معظم الشعب السوداني مطبقين الشريعة في أنفسنا ، لابنسرق مال دولة ولامال أفراد ولا بنكذب ولابنصلي شوفوني

  7. يقولوا ائمة ودعاة والله ربنا يرحم ………………
    ياخي الناس ديل ما بختشوا من ربهم ولا بحسبوا حسابه ائمة على طين شنو ودعاة علي عجين شنو
    ما عارفين انه البسكت عن الحق شيطان اخرس وما عارفين انهم محاسبين في عدم نصحهم لولاة الامر "على حسب فهمهم بانه ولاة امر" وهم اصحاب العلم فأين الشريعة التي يتكلمون عنها ……………..
    جزاكم الله ائمتنا ودعاة الاسلام في بلدي بقدر صمتكم ونشكو الله بانكم صامتون ليأخذ الحق صاحب الحق

  8. شكلو طفل منغولى ووين هى الشريعة الاسلامية دى ياها هى شريعة قوم لوط بتاعتكم دى لابسه بنطلون ودى ما لابسه لباس اختشى على خيبتك يا باطل وشوف ليك كحل اتكحل اصلو انتو نسوانكم ارجل منكم

  9. علينا ان نتعاون لنقدم الانموذج الصحيح الذي يكرس للعدالة ومحاربة الفساد المالي والاداري والمحسوبية والحزبية بهذة المناسبة اقول لاخينا في اللة . الدكتور عصام احمد البشير الحس كوعك كان الرئيس عمر البشير اشطر منك ووعد بالحكم الرشيد وعدم التهميش وان الوظائف ح تكون بالكفاءة قبل انتخابة ولم يقدر علي شي من ذلك الوظائف لا زالت بالولاء والتهميش مستمر والمفصولين تعسففيا لم ينصفوا والفساد دخل جميع البيوت الا القليل ووصل الي نخاع مفاصل النظام وتفشت الرزيلة والفقر والرشوة والمحسوبية في كل مرافق الدولة ابتداء من الغفير وحتي الوزير بدون استثناء الا من رحم اللة وهم قلة قليلة في واقع اليوم مع فقة الضرورات وفقة السترة الذي استباح المال العام وتستر علي السارقين من اهل السلطة (الشرفاء) المنزهين لن تستطيع ان تغير شئ الا ان يتغير المجتمع الحالي الذي اصبح لايفرق بين الحلال والحرام واصبح الانسان يقاس فية ليس بشرفة او نسبة وانما بما يملك من العقار والمال

  10. عبدالرحمن الخضر اكبر حرامى وعنصرى وعديم زمة ولادين له ومنافق وكذاب ماذا عملت فى الخرطوم حتى الان هل شركاتك الخاصة بدات الانتاج هل ملا ابناء ملتك مكاتب الولاية موظفين بلا عمل هل وصلت السيارات المستوردة من الامارات هل سفراتك للصين واوروبا اتت اكلها هل مازالت ضهرية السيارة الخاصة بك مليانة فلوس سائبة هل انت بتصلى عشان تتطبق الشريعة هل بطلت اكل السحت والحرام من اموال الولاية

  11. يا ترى لماذا أصبحت العقيدة ثمينة أثيرة لدى هؤلاء الإخوان المسلمين ، إلى حدّ الإستثارة إلى الفتك بمن يحاول انتزاعها منهم ؟؟؟
    قد تغدو الإجابة على هذا السؤال ، ليست ضرباً من ضروب المحال ، إذا ما نظرنا بعين فاحصة إلى ما آل إليه الحال ، الذي يغنينا عن السؤال : –
    1- قال رئيس البرلمان مولانا أحمد إبراهيم الطاهر : «سنفتح الفرصة للأحزاب السياسية للمشاركة رغم ضعفها، وهي لن تأتي بحريات أكثر مما أتت به الحركة الشعبية في الفترة الماضية»، وأشار الطاهر إلى عدم وجود مبرر ملح لصياغة دستور جديد في الوقت الراهن، وقال: «الدستور المكتوب ليس هو الذي يحكم، إنما يحكم الدستور الموجود في الرأس»، وألمح الطاهر إلى إمكانية حدوث ثورة ضد نظام الحكم في البلاد، وقال إن السودان ليس بمنجاة منها بفعل الفساد الذي قال إن البلاد لا تخلو منه، لكنه حصر الفساد في مستويات دنيا قال إنها لا تتعلق بالحاكمين كما في مصر وتونس .
    2- كشفت لجنة حزبية تابعة للمؤتمرالوطني أنّ عبد العزيز محمد عثمان وعبد الباسط حمزة ? من الاثرياء (الجدد) في المؤتمر الوطني ? يحوزان على وضع احتكاري في الميزان التجاري للبلاد ، حيث بلغ حجم تعاملاتهما (630) مليون دولار ، (450) مليون دولار لعبد العزيز عثمان و(180) مليون دولار لعبد الباسط حمزة . وقد تشكلت لجنة المراجعة بضغط الازمة الاقتصادية والانتقادات المتصاعدة للفساد. وأطلعت اللجنة المشير البشير على تقريرها المستند على معلومات بنك السودان ، فهاج البشير مستنكرا ً كيف يسيطر شخصان فقط على الميزان التجاري للبلاد ؟ وكون لجنة للتحقيق معهما برئاسة صلاح عبد الله ( قوش) مستشاره للشؤون الامنية . وأكد مصدر مطلع لـ (حريات) بان المذكورين اجابوا قوش بأنّ الأموال هذه ليست ملكهما وحدهما وإنّما معهما شركاء على رأسهم علي حسن البشير ( شقيق المشير البشير) . وحين التقى قوش مرة أخرى بالبشير وأبلغه بما قالا ، حول البشير الأمر إلى علي عثمان ، الذي أمر بتقسيم المبلغ إلى قسمين ، (300) مليون تعود للحكومة ? على حدّ زعمه ? و330 مليون دولار تعاد لأصحابها دون تحديد من هم ومن أين لهم إمتلاك كل هذه الثروة .
    3- صحيفة (حريات) الإلكترونية أوردت خبراً (الثلاثاء 5 أبريل 2011) عن شراء وزير الخارجية ، علي كرتي لفندق قصر الصداقة بـ 85 مليون دولار !!
    4- صحيفة (حريات) الإلكترونية أشارت قبل يومين إلى أن (الدولة) اشترت 5 آلاف بقرة من مزرعتين فقط ، مزرعة وزير الزراعة المسؤول عن النهضة الزراعيّة حاليّاً والوالي السابق لولاية الخرطوم ، عبدالحليم المتعافي ، ومزرعة والي ولاية الخرطوم حاليّاً ، عبدالرحمن الخضر .
    5- طالب رئيس المؤتمر الوطني بولاية الخرطوم ، د. عبدالرحمن الخضر، بالإستفادة من تجارب الأمم المسلمة وغير المسلمة، والتجربة الماركسية، في وضع دستور السودان الدائم ، شريطة أن تكون الشريعة حاضرة في كل مراحل إعداده. ودعا الوالي خلال لقاء مفتوح مع الإعلاميين بالخرطوم كل القوى السياسية، بما فيها (الوطني)، إلى التجرد من كل خصوماتها والإقبال على الحوار من أجل دستور دائم وإتفاق على شكل الحكم الأصلح للسودان ، سواءً كان رئاسياً أم برلمانياً، وإرساء التبادل السلمي للسلطة عبر الانتخابات .
    6- وقطع والي الخرطوم، الدكتور عبد الرحمن الخضر، بأنّ السودان لن يكون دولة علمانية، مؤكدا ان الشريعة الاسلامية ستكون مصدر التشريع الثابت في الدستور الدائم للبلاد ، وكشف عن تعيين 750 من الائمة في وظائف ثابتة في الخدمة المدنية بجانب إدخال جيمع طلاب الخلاوي والمؤذنين والائمة تحت مظلة التأمين الصحي الشهر المقبل. وقال الخضر لدى مخاطبته الجلسة الافتتاحية لمؤتمر المساجد الاول الذي نظمه مجلس الدعوة بالتعاون مع منظمة إعمار المساجد أمس، إنّ الميزانية المرصودة لوزارة الأوقاف تبلغ 20 مليون جنيه ،«8» ملايين منها لأوقاف المساجد ، إلى جانب تخصيص 12 مليون جنيه لتأهيل بعض الخلاوي إلى معاهد.
    وأكد الوالي تأهيل الائمة وحفظ حقوقهم المالية والوظيفية ،وقال نعمل على تعيين الائمة في الدرجة التاسعة في الخدمة المدنية مايعادل درجة البكلاريوس، إلى جانب إدخال 950 من الأئمة في الكشف الراتب و750 إمام مسجد كدفعة جديدة في الكشوفات الشهر المقبل.
    7- من جانبه، دعا الأمين العام لمنتدى النهضة، الدكتور عصام أحمد البشير، إلى الإبتعاد عن الجهوية والقبلية والعنصرية وأسباب الفرقة والتشظي، وشدد على ألاّ تكون المساجد معتركاً للسياسة والأغراض الحزبية حتى لاتنحرف عن أداء رسالتها، وأكد على ضرورة التواصل بين الأئمة والمسؤولين بالدولة وتنويرهم عن الوضع السياسي والإقتصادي ليتسنى لهم تنوير المجتمع بالمعلومات الصحيحة، وقال ( يجب أن تكون خطابات الأئمة للمناصحة لا للمناطحة ) . وطالب عصام البشير، الأئمة بمناقشة الوضع الراهن حول الدستور الدائم للبلاد القائم على الشريعة الإسلامية، وقال (علينا أن نتعاون لنقدم الأنموذج الصحيح الذي يكرس للعدالة ومحاربة الفساد المالي والإداري والمحسوبية والحزبية ) .

    8- ما يحدث للدين الإسلامي في عهد هؤلاء الإخوان المسلمين ، ليس أقلّ بأيّة
    حالٍ من الأحوال ، من الذي حدث في الزمان الغابر ، للأديان السماويّة الأخرى ، عندما أساء إستغلالها مُعتنقوها ، والتأريخ هنا ، في المادة المنقولة التالية ، يشهد على ذلك ، وربّما يحذّر أو يُنذر الذين يقرأونه ويفهمونه ، ويتعلّمون منه ، ويتّعظون من مواعظه :-

    كان عدد سكان فرنسا التي عاد إليها فولتير 1727، نحو تسعة عشر مليوناً من الأنفس، مقسمة إلى ثلاث طبقات: رجال الدين والنبلاء، ثم الطبقة الثالثة التي تضم بقية الشعب. وإذا أردنا أن نفهم الثورة الفرنسية فلا بد لنا من أن ندرس كل طبقة منها دراسة دقيقة.

    1- النبلاءُ

    أطلق السادة الإقطاعيون الإقليميون الذين استمدوا ألقابهم من الأرض التي امتلكوها (وهي ربع أرض فرنسا تقريباً) على أنفسهم اسم "نبلاء السيف". وكانت مهمتهم الرئيسية أن ينظموا ويتولوا قيادة الدفاع عن سيادتهم وعن إقليمهم وعن وطنهم وعن ملكهم. وفي النصف الأول من القرن الثامن عشر ترأس هؤلاء النبلاء نحو ثمانين ألف أسرة ضم نحو أربعمائة ألف من الأنفس(1). وكانوا شيعاً أو طبقات متحاسدة، أعلاها طبقة ذرية الملك الذي يتربع في دست الحكم وأولاد أخوته وأخواته. ويلي هؤلاء في منزلة أدنى، طبقة أشراف فرنسا: وتضم الأمراء من أبناء الملوك السابقين، ثم سبعة أساقفة وخمسين دوقاً. ويأتي بعد ذلك الأدواق الأقل شأناً، ثم الحاصلون على لقب مركيز، ثم لقب كونت، ثم لقب فيكونت، ولقب بارون وشيفالييه (نبيل من الدرجة الدنيا). وكانت ثمة امتيازات رسمية تميز هذه السلسلة من المراتب بعضها عن بعض. ومن هنا كان نزاع حاد فاجع حول حق السير تحت المظلة في مواكب عيد القربان أو حق الجلوس في حضرة الملك.
    ومن بين نبلاء السيف هؤلاء، تعقبت أقلية منهم أصول ألقابها وممتلكاتها عبر عدة أجيال، واختصت نفسها باسم "النبلاء ذوي المحتد الكريم"، ونظروا فيها بعين الازدراء إلى النبلاء الذين حصلوا على لقب النبالة عن طريق أسلاف حديثي العهد، أو حصلوا عليه هم أنفسهم في عهد لويس الثالث أو لويس الرابع عشر. كما أن بعض هذه الألقاب كانت تمنح لقاء خدمات للدولة في الحرب أو في الإدارة أو في التمويل، كما أن بعضها كان يبيعه الملك المعظم المعوز الراحل، مقابل ستة آلاف جنيه، وبهذه الطريقة، كما قال فولتير، "حصل عدد كبير من المواطنين-رجال المصارف والجراحون والتجار والكتبة وخدم الأمراء-على براءة النبالة(2)" وثمة مناصب حكومية معينة، مثل منصب المستشار أو كبير القضاة، كانت تضفي على شاغليها لقب النبالة تلقائياً. وفي عهد لويس الخامس عشر كان في مقدور أي رجل عادي أن يحصل على النبالة بشراء حق تعيينه وزيراً مقابل مائة وعشرين ألف جنيه. وفي عهد لويس السادس عشر ربما كان هناك نحو تسعمائة وزير وهمي أو صوري من هذا الطراز. كما أنه كان في الإمكان شراء اللقب بشراء ضيعة أحد النبلاء. ويحتمل أنه في 1789، كان نحو 59%، من مجموع النبلاء ينحدرون في الأصل من الطبقة الوسطى(3).
    ووصلت غالبية هؤلاء إلى درجة كبيرة من الأهمية ورفعة الشأن عن طريق دراسة القانون، ومن ثم حصلوا على مناصب القضاء والإدارة. ومن بينهم كان أعضاء البرلمانات الثلاثة عشر التي كانت بمثابة دور قضاء في كبريات المدن في فرنسا، ولما كان يجوز للقاضي أو الحاكم ترك منصبه لابنه، فقد تشكلت أرستقراطية وراثية-هم نبلاء الرداء (الروب). وكان الرداء بالنسبة لرجل القضاء، كما هو بالنسبة لرجل الدين، يمثل نصف السلطة أو السيادة. وكان أعضاء البرلمانات وهم يرفلون في أرديتهم القرمزية، وعباءاتهم الثقيلة والأكوام ذات الأهداب والشعور المستعارة المضمخة والقبعات ذات الريش، يجيئون في مرتبة أدنى من الأساقفة ونبلاء الأرض. ولكن حيث أن بعض الحكام والقضاة أصبحوا، عن طريق الرسوم القانونية التي كانوا يتقاضونها، أكثر ثراء من معظم ملاك الأرض ذوي الحسب والنسب، فقد تحطمت الحواجز بين نبلاء السلاح ونبلاء الرداء وما وافى عام 1789 حتى كان ثمة اندماج كامل تقريباً بين الطبقتين. وبلغت الطبقة التي تكونت عندئذ من وفرة العدد والقوة مبلغاً لم يستطع الملك معه أن يقف في وجهها أو يقاومها، وزعماء الثورة وحدهم هم الذين استطاعوا أن يقضوا على هذه الامتيازات الباهظة التكاليف.
    وانتاب الفقر كثيراً من النبلاء القدامى بسبب الإهمال في إدارة ممتلكاتهم أو تغيبهم عنها، أو بسبب أتباعهم أساليب متخلفة في زراعتها، أو إنهاك التربة، أو خفض قيمة العملة التي كانوا يتقاضون بها إيجار الأرض أو الرسوم الإقطاعية. ولما كان المفروض ألا يشتغل النبلاء بالتجارة أو الصناعة، فإن نمو هذه وتلك خلق اقتصاداً قائماً على المال، قد يمتلك المرء في ظله أرضاً شاسعة ولكنه يظل فقيراً. وكان هناك في بعض أقاليم فرنسا مئات من النبلاء يعانون من الفقر مثلما يعاني الفلاحون(4). ولكن أقلية كبيرة من النبلاء تمتعت بثروات ضخمة وبذروا تبذيراً. فكان الدخل السنوي لمركيز دي فييت 150 ألف جنيه، ولدوق دي شفريز 400 ألف جنيه، ولدوق دي بويون 500 ألف جنيه. وأعفى معظم النبلاء من الضرائب المباشرة، إلا في حالة الطوارئ، حتى تصبح الحياة لديهم أكثر احتمالاً ويسراً. وخشي الملوك أن يفرضوا عليهم الضريبة حتى لا يطالبوا بدعوة مجلس الطبقات، فقد تفرض الطبقات الثلاث في مثل هذا الاجتماع بعض الرقابة على الملك ثمناً للموافقة على الاعتمادات أو الإعانات. قال توكفيل "كان عدم المساواة في الضرائب يعمل على التفرقة بين الطبقات في كل عام حيث أعفى الأغنياء وأثقل كاهل الفقراء(5)". وفي عام 1749 فرضت على النبلاء ضريبة دخل قدرها 5% ولكنهم كانوا يفاخرون بالتهرب منها.
    وقبل القرن السابع عشر كان نبلاء الأرض يقومون بمهام الاقتصاد والإدارة والحرب، وأياً كانت طريقة إحراز الممتلكات، فإن هؤلاء السادة نظموا تقسيم الأرض وفلاحتها، إما عن طريق الرقيق أو عن طريق عقود الإيجار، وسهروا على القانون، وقاموا بإجراءات المحاكمة وأصدروا الأحكام، ونفذوا العقوبات، وتعهدوا المدارس والمستشفيات المحلية، ووزعوا الصدقات. وفي مئات من مناطق السيادة والنفوذ مارس السيد الإقطاعي هذه الوظائف والمهام، بالقدر الذي سمحت به الأنانية الطبيعية في الإنسان. وقد اعترف الفلاحون بانتفاعهم منه، ومن ثم فإنهم أطاعوه واحترموه وفي بعض الأحيان أحبوه.
    وأدى عاملان أساسيان إلى تبديل هذه العلاقة الإقطاعية: تعيين الحكام أو المحافظين على عهد الكاردينال ريشيليو وما بعده، وتحويل لويس الرابع عشر لكبار السادة الإقطاعيين إلى رجال حاشية. وكان هؤلاء المحافظون موظفين بيروقراطيين من الطبقة الوسطى، يبعث بهم الملك ليحكموا الأقسام الاثنين والثلاثين التي انقسمت إليها فرنسا من الناحية الإدارية. وكانوا عادةً ذوي كفاية ومقدرة ونيات حسنة، ولو لم يكونوا جميعاً من أمثال ترجو. وقاموا بتحسين الأحوال الصحية والإضاءة وتزيين المدن، وأعادوا تنظيم الشئون المالية، وبنوا السدود والخزانات على الأنهار من اجل الري، أو أقاموا الحواجز اتقاء لخطر الفيضانات، وزودوا فرنسا في هذا القرن بشبكة هائلة من الطرق لم يكن لها مثيل في سائر أنحاء العالم. وشرعوا في أن يغرسوا على جوانبها الأشجار التي تظللها اليوم وتزينها(6). وسرعان ما زحزح تفوقهم في الدأب على العمل والمقدرة والكفاية السادة الإقطاعيين المحليين عن حكم الأقاليم، ورغبة في التعجيل بهذه الزحزحة التي تركز الحكم في أيدي هؤلاء المحافظين، وعمد لويس الرابع عشر إلى دعوة السادة الإقطاعيين للانتظام في بلاطه الملكي. وهناك عينهم في وظائف بسيطة ذات ألقاب رفيعة وأوشحة مخدرة. وفقدوا الاتصال بالشئون المحلية على حين ظلوا يحصلون من مزارعهم على الموارد اللازمة للإنفاق على قصورهم وبطانتهم في باريس أو فرساي. وتشبثوا بحقوقهم الإقطاعية بعد أن تخلوا عن واجباتهم الإقطاعية. إن ضياع المهام الإدارية التي كانوا يقومون بها في مجال الاقتصاد والحكومة جعلهم عرضة للاتهام بأنهم كانوا طفيليات غير ضرورية عالة على فرنسا.

    2- رجال الدين

    كانت الكنيسة الكاثوليكية قوة أساسية ذات وجود بارز في كل ركن في الحكومة. وقدر رجال الدين الكاثوليك في فرنسا بنحو 260 ألفاً في 1667(7)، و420 ألفاً في 1715(8). و194 ألفاً في 1762(9). وهذه الأرقام كلها من قبيل التخمين، ولكن قد نفترض انخفاض هذا العدد بنسبة 30% في القرن الثامن عشر، على الرغم من تزايد عدد السكان، وحسب لاكروا أن فرنسا كان فيها عام 1763، 18 رئيس أساقفة، 109 أساقفة، و40 ألف قسيس، و50 ألف مساعد قسيس، و27 ألف كاهن، و20 ألف كاتب (من رجال الدين)، ومائة ألف راهب وراهبة وعضو أخوية دينية(10)، ومن بين 740 ديراً كان هناك 625 ديراً يتولى شئونها مساعدو رؤساء أديار، لمصلحة رؤساء أديار متغيبين عنها وكانوا يتمتعون باللقب وبنصف أو ثلثي دخل الدير، دون أن يكون مطلوباً منهم أن يحيوا حياة كنسية.
    وكان رجال الدين الأعلى مرتبة يشكلون من الوجهة العملية فرعاً من النبلاء، وكان الملك يعين كل الأساقفة، عادة، بناء على ترشيح السادة الإقطاعيين المحليين، على شرط موافقة البابا. ورغبة من الأسرات ذوات الألقاب في عدم تفتيت ممتلكاتهم بالتوريث، كفلت لصغار أبنائها المناصب الأسقفية ومناصب رؤساء الأديار، حتى أنه في 1789 لم يكن من بين المائة والثلاثين أسقفاً في فرنسا إلا واحداً فقط من الأفراد العاديين غير ذوي الألقاب(11). وأدخل أبناء الأسرات العريقة هؤلاء معهم إلى الكنيسة عاداتهم التي درجوا عليها في التمتع بترف الدنيا وزخرفها. ومن ذلك أنّ الأمير الكاردينال إدوارد دي روهان كان في القداس يرتدي ثوباً كهنوتياً له حواش من المخرمات المعقودة، قدرت قيمته بمائة ألف جنيه، وكانت أدوات مطبخه من الفضة الخالصة(12). وفسر رئيس الأساقفة ديللون دي ناربون للويس السادس عشر، السبب في أنه أي رئيس الأساقفة، استمر في ممارسة الصيد بعد أن حرمه على رجال الدين في أسقفيته، بقوله "مولاي إن رذائل رجالي من عند أنفسهم، ولكني ورثت رذائلي أنا عن أسلافي(13) لقد انقضى العصر الزاهر لرجال الكنيسة-من أمثال بوسويه وفينلون وبوردللو-وأفسح المرح الأبيقوري الصاخب في عهد الوصاية المجال أمام رجال مثل ديبو أوتنسان للترقي في مناصب الكنيسة على الرغم من انغماسهم في ملذات الصيد بنوعيه، اقتناص الحيوان واصطياد النساء. وقضى كثير من الأساقفة معظم حياتهم في فرساي أو باريس، مشاركين البلاط الملكي بهجته ومسراته ومباذله، فاحتفظوا بقدم في الآخرة وقدم في الدنيا، ولم ينسوا نصيبهم من متاعها.
    وكان للأساقفة ورؤساء الأديار حقوق السادة الإقطاعيين وواجباتهم، حتى إلى حد تقديم ثور لخدمة أبقار فلاحيهم(14). وكانت ممتلكاتهم الشاسعة، التي كانت تضم أحياناً مدن بأسرها، تدار كما تدار الممتلكات الإقطاعية. وكان جزء كبير من مدينة فرن ومعظم الأرض المحيطة بها ملكاً للأديار(15)، وفي بعض الكوميونات (وحدات التقسيم الإداري)، عين الأسقف كل القضاة والموظفين، وهكذا عين رئيس أساقفة كمبري الذي كان السيد الأعلى على منطقة تضم 75 ألفاً من السكان كل رجال الإدارة في كاتوكمبرسيس، ونصفهم في كمبراي(16). وعمر نظام الرقيق لأطول فترة في ضياع الأديار(17) وكان للكهنة في سان كلود في جبال جورا اثنا عشر ألفاً من الرقيق، وقاوموا بشدة الانتقاص من الخدمات الإقطاعية(18). وارتبطت حصانات الكنيسة وامتيازاتها بالنظام الاجتماعي القائم، كما جعلت لهيئة الكنيسة أقوى تأثير محافظ على القديم يناهض أي تغيير في فرنسا.
    وجمعت الكنيسة سنوياً، مع شيء من الاعتدال ومراعاة الظروف، العشور من نتاج كل مالك أرض وماشية، ولكن هذا نادراً ما كان العشر في الواقع، بل كان في الكثير الغالب جزءاً من اثني عشر، وأحياناً جزءاً من عشرين(19). وبهذه العشور، بالإضافة إلى الهبات والوصية والتوريث، وبدخل العقارات الثابتة، احتفظت الكنيسة بكهنة أبرشياتها فقراء معوزين على حين عاش الأساقفة مترفين منعمين. وأغاثت الكنيسة المحتاجين المعدمين وعلمت الصغار ولقنتهم مبادئها. وفي المقام التالي بعد الملك وجيشه، كانت الكنيسة أقوى وأغنى سلطة في فرنسا. وكانت تمتلك، طبقاً لمختلف التقديرات، ما بين 6% و20% من الأرض(20)، وثلث الثروة(21). وكان دخل أسقف سنس السنوي 70 ألف جنيه، وأسقف بوفيه 90 ألفاً، ورئيس أساقفة روان 100 ألف، ورئيس أساقفة ناريون 190 ألفاً، ورئيس أساقفة باريس 200 ألف، أما رئيس أساقفة ستراسبورج فقد أربى دخله السنوي على المليون من الجنيهات(22). وكان رأس مال كنيسة بريمونتريه بالقرب من لاؤون 45 مليوناً من الجنيهات. أما الاخوة الدومنيكان البالغ عددهم 236 في تولوز فقد بلغت مقتنياتهم من الأملاك الفرنسية والمزارع في المستعمرات ومن الرقيق الأسود ما قدرت قيمته بعدة ملايين من الجنيهات أما رهبان سانت مور فقد بلغت قيمة ممتلكاتهم 24 ملوناً من الجنيهات تدر ثمانية ملايين في العام.
    ولم تدفع الكنيسة أية ضرائب عن شيء من ممتلكاتها أو دخلها، ولكن كبار رجال الدين كانوا يقررون بصفة دورية في المجامع الوطنية إعانة اختيارية للدولة. وفي 1773 بلغت هذه الإعانة ستة عشر مليوناً من الجنيهات لمدة خمس سنوات. وقد اعتبرها فولتير نسبة عادلة من دخل الكنيسة(23). وفي 1749 اقترح ماشول دي ارنوفيل المراقب العام المالي أن يستبدل بهذه المنحة الاختيارية ضريبة مباشرة سنوية قدرها 5% من مجموع الدخل تفرض على الكنيسة وعلى عامة الناس وخشي رجال الدين أن تكون هذه خطوة أولى نحو سلب أموال الكنيسة بغية إنقاذ الدولة، فقاوموا الفكرة في "غضب شديد وإصرار(24)". كذلك اقترح ماشول تحريم التوريث بالوصية للكنيسة دون موافقة الدولة، وإلغاء المؤسسات الدينية التي قامت منذ 1636 دون ترخيص من الملك، ومطالبة شاغلي الرتب الكنسية ذوات الدخل بتقديم تقرير عن مواردهم إلى الحكومة. وأبت جمعية انعقدت من رجال الدين الامتثال لهذه القرارات، وقالوا: "لن نوافق إطلاقاً على أن يصبح ما كان حتى الآن ثمرة حبنا وإجلالنا ضريبة على طاعتنا"، وأمر لويس الخامس عشر بفض الاجتماع، كما أصدر المجلس الملكي أوامره إلى المحافظين بجمع ضريبة أولية مقدارها سبعة ملايين ونصف مليون جنيه على أملاك الكنيسة.
    وحاول فولتير تشجيع ماشول والملك فأصدر كتيباً عنوانه "صوت الحكمة وصوت الشعب" حرض فيه الحكومة على أن تفرض سيطرتها على الكنيسة، وأن تحول دون أن تكون الكنيسة دولة داخل الدولة، وأن تعهد إلى فلاسفة فرنسا بالدفاع عن الملك والوزارة ضد كل قوى الخرافة(25). ولكن لويس الخامس عشر لم ير سبباً يدعوه إلى الاعتقاد بأن الفلاسفة في مقدورها أن تكسب الجولة في الحرب مع الكنيسة. وأدرك أن نصف سيادته وسلطانه يتركز على مسحة الزيت المقدس وتتويجه بأيدي رجال الكنيسة، ليصبح بعد ذلك-في نظر الجماهير التي ليس في مقدورها أن تدنوا منه إلى حد تستطيع معه إحصاء عدد محظياته-نائب الله الذي يتحدث بمقتضى التفويض الإلهي. أن الإرهاب الروحي الذي يبثه رجال الدين في النفوس وتعززه قوى التقاليد والعادات والاحتفالات الدينية والملابس الكهنوتية والهيبة، نقول إن هذا الإرهاب قام مقام ألف من القوانين ومائة ألف من رجال الشرطة في المحافظة على النظام الاجتماعي، والإبقاء على طاعة الجماهير وامتثالها للحكومة والملك. وهل في مقدور أية حكومة، دون دعم من الرجاء والخوف الخارقين للطبيعة، أن تسيطر على ما فطر عليه الناس من نزعة التمرد على القانون أو عدم الخضوع له ؟ وعقد الملك عزمه على الاستسلام للأساقفة، ونقل ماشول إلى منصب آخر، وصادر كتاب فولتير، ووافق على منحة اختيارية بدلاً من الضريبة على أملاك الكنيسة.
    إنّ قوة الكنيسة كانت تعتمد أساساً على نجاح كاهن الأبرشية، وإذا كان الناس يخشون رجال الدين الذين يضعون التيجان على رؤوسهم (الأساقفة مثلاً)، فانهم أحبوا الراعي المحلي الذي شاركهم فقرهم وعوزهم، وأحياناً كدحهم وكدهم في فلح الأرض. انهم تذمروا من جمع العشور، ولكنهم كانوا على يقين من أن رؤساء الراعي هم الذين أرغموه على جمعها ، وأن ثلثي هذه العشور ذهب إلى الأسقف أو إلى أحد ذوي المناصب الكنسية الغائبين عنها، على أن كنيسة الأبرشية ، ضناها ما كانت تعاني من خلل وحاجة إلى ترميم، مما تئن منه التقوى نفسها. إن هذه الكنيسة الحبيبة كانت دار بلديتهم، يعقدون فيها اجتماعاتهم القروية تحت رئاسة الكاهن. وفي سجل الأبرشية، وهو شاهد بقائهم صابرين متجلدين عبر الأجيال، كانت تدون مواليدهم وزيجاتهم ووفياتهم. وكان صوت أجراس هذه الكنيسة أنبل موسيقى ترن في آذانهم، والاحتفالات هي المسرحية التي تشد انتباههم وتبعث فيهم النشاط ، وقصص القديسين ذخائر الأدب عندهم ، كانت أعياد تقويم الكنيسة هي العطلات المحببة إلى نفوسهم . ولم ينظر الناس إلى عظات راعي الأبرشية ونصائحه وتحذيراته أو إلى تعليمه وتربيته لأبنائهم، على أنها تلقين مبادئ أسطورية لتدعيم لسلطان الكنيسة، بل نظروا إليها على أنها عون لا غنى عنه للنظام الأبوي والانضباط الخلقي، وعلى أنه إيحاء بنظام إلهي يتجلى فيه معنى الخلود الذي خفف من أسلوب حياتهم الممل الجاف في هذه الدنيا . فكانت العقيدة ثمينة أثيرة لديهم إلى حد الاستثارة إلى الفتك بمن يحاول انتزاعها منهم . ورحب الوالدان الفلاحان بالدين جزءاً من الواجبات اليومية في البيت ، ونقلا إلى أولادهما الأساطير الدينية ، وواظب الجميع على صلوات المساء والوالدان على رأسهم . وكان راعي الأبرشية يحب الناس كما أحبوه ، فانضم إليهم في الثورة .
    وتناقص عدد الرهبان والراهبات وأخوة الطوائف الدينية ، ولكن نمت فيهم روح الفضيلة(26) كما نمت ثروتهم . ونادراً ما كانوا الآن يتسولون أو يعيشون على الصدقات لأنهم وجدوا من الحكمة ومن الخير لهم أن ينتزعوا الوصية بالتوريث من الذين يدنو أجلهم ثمناً بدلاً من أن يستجدوا بعض البنسات من القرية ، وفاضت بعض ثرواتهم على أعمال البر والإحسان ، فأنفق كثير من الأديار على المستشفيات والملاجئ ، ووزعت الطعام على الفقراء يومياً(27). وفي 1789 ألحت جماعات كثيرة على حكومة الثورة ألا تقضي على الأديار المحلية لأنها كانت المنظمات البارة المحسنة الوحيدة في نطاق أراضيها (28) . وأدت أديار الراهبات مهام كثيرة تؤدي الآن بطرق أخرى ، فكانت توفر مأوى للأرامل ، وللنساء اللائى افترقن عن أزواجهن ، وللسيدات المراهقات مثل مدام دي ديفان التي رغبت في أن تنأى بنفسها عن صخب الدنيا. ولم تنكر الديار متاع الحياة الدنيا وزينتها إنكاراً تاماً ، فقد استخدمها الأثرياء مأوى لما زاد عن الحد من بناتهم ، وإلا فإن زواجهن إذا لم يلجأن إلى الأديار يتطلب مهوراً تنقص من ميراث الأبناء ، ولم يكن هؤلاء العذارى المنبوذات ميالات دائماً إلى التقشف. وكان للأم أوريني (رئيسة دير للراهبات) عربة تجرها أربعة جياد ، فكانت تستقبل في جناحها الفاخر أفراداً من الجنسين. وكانت الراهبات في ألكس يرتدين التنورات ذوات الأطواق الموسعة والأردية الحريرية المبطنة بالفرو، وكن في أديار أخرى يتناولن العشاء ويرقصن مع ضباط من المعسكرات المجاورة(29) وواضح أن هذه كانت ضروباً من التسلية البريئة غير الآثمة ، فإن كثيراً من الأقاصيص التي رويت عن الفساد الخلقي في الأديار في القرن الثامن عشر كانت مبالغات شنيعة مثيرة استخدمت في حرب الدعاية بين المذاهب المتنابذة، وكانت الحالات التي لزم فيها البنات الدير على غير إرادتهن نادرة(30).
    وكان اليسوعيون قد ضعف سلطانهم ومكانتهم. إنهم ظلوا حتى 1792 يسيطرون على التعليم، وكانوا يزودون الملك والملكة بكهنة اعتراف ذوي تأثير قوي، ولكنهم عانوا من فصاحة بسكال، ومن تشكك أوصياء العرش غير الأتقياء ، وكانوا يخسرون معركتهم الطويلة المريرة مع الجانسنيين فإن هؤلاء الكاثوليك المتعصبين لعقيدتهم عمروا بعد الاضطهادات الملكية والمراسيم البابوية، وكان عددهم كبير في مجال الأعمال والمهن والاشتغال بالقانون، وكانوا يقتربون من الهيمنة على برلمان باريس وغيره من البرلمانات. وبعد موت زعيمهم اللاهوتي المتقشف فرانسوا دي باريس (1727) حج الجانسنيون المتحمسون المغشي عليهم إلى جدته في مقبرة سان ميدارد، وهناك جلدوا أنفسهم بالسياط ، حتى أصاب بعضهم نوبات من التشنج ، ومن سموا "بالمتشنجين" وتوجعوا وبكوا وابتهلوا إلى الله أن يمن عليهم بالشفاء، وأدعى كثير منهم أنهم برئوا بمعجزة. وبعد ثلاثة أعوام من هذه الأحداث أغلقت السلطات هذه المقابر، وكما قال فولتير: حرم على الله بأمر من الملك أن يأتي بمعجزات هناك ، وانقطعت التشنجات ، ولكن الباريسيين السريعي التأثر مالوا إلى تصديق المعجزات ، وفي 1733 ذكر أحد الصحفيين في مبالغة ظاهرة أن مدينة باريس الطيبة جانسنية قلباً وقالباً(31). وتحدياً للمرسوم الملكي الصادر في 1720 رفض صغار رجال الدين الامتثال للأمر البابوي الصادر في 1713 الذي استنكر فيه البابا إنوسنت الثالث عشر مائة مسألة ومسألة زعموا أن الجانسنيين أثاروها. وقضى رئيس أساقفة باريس بأن السر المقدس الأخير لا يجوز أن يقدم لأي فرد لم يكن قد أعترف لقسيس كان قد ارتضى الأمر البابوي. وأسهم هذا النزاع في إضعاف مركز الكنيسة المنقسمة أمام هجمات الفلاسفة.
    وكان الهيجونوت وغيرهم من البروتستانت الفرنسيين لا يزالون يعتبرون خارجين عن القانون، ولكن مجموعات صغيرة منهم كانت تجتمع سراً. واعتبر القانون أن زوجة البروتستانتي عاهرة وأن أبناءها غير شرعيين، ليس لهم أن يرثوا أية أملاك. وفي عهد لويس الخامس عشر شنت عدة حملات للاضطهاد والتعذيب. وفي 1717 قبض على أربعة وسبعين فرنسياً يقيمون الشعائر البروتستانتية، وأرسلوا للتجديف في القواديس أو المراكب الشراعية وزج بزوجاتهم في السجن، وقضى مرسوم صدر في 1724 بعقوبة الإعدام على الوعاظ البروتستانت، وبمصادرة أملاك كل من يشهد اجتماعات البروتستانت، مع إرسال الرجال للتجديف في السفن الشراعية. وحلق شعور النساء واعتقالهن مدى الحياة(32) وفي عهد الكاردينال فليري حدث شيء من التراخي في تنفيذ هذا المرسوم . ولكن بعث من جديد بعد موته ، بناء على طلب الأساقفة الكاثوليك في جنوب فرنسا(33). وفي 1749 أمر برلمان بوردو بالتفريق بين 46 زوجاً وزوجة وفق الطقوس البروتستانتية . وكان من الجائز انتزاع الأطفال الذين يشتبه في أن آباءهم من البروتستانت؛ لتربيتهم وتنشئتهم في بيوت كاثوليكية. وإنا نسمع عن رجل ثري من الهيجونوت أنفق 200 ألف جنيه رشوة للموظفين الرسميين حتى يسمحوا له بالاحتفاظ بأبنائه. (34)وفيما بين عامي 1744 و1753 سجن نحو 600 بروتستانتي، وحكم على 800 آخرين بعقوبات مختلفة(35). وفي 1752 شنق في مونبلييه الواعظ البروتستانتي بينز-البالغ من العمر ستة وعشرين عاماً. وفي نفس العام، أمر لويس الخامس عشر، تحت تأثير مدام دي بمبادور، بوضع حد لهذه الاضطهادات. (36)وبعد ذلك استطاع البروتستانت في باريس أو قريباً منها، أن يتفادوا العقوبات، على شرط حضور الصلوات الكاثوليكية مرة في العام(37).
    وعلى الرغم من تعصب زعماء الكنيسة وانشغالهم بأمور الدنيا ورغبتهم في السلطة والنفوذ، فقد كان بين رجال الدين الفرنسيين مئات ممن امتازوا بالعلم الغزير والحياة التقية النقية. وبالإضافة إلى أولئك الأساقفة الذين بددوا في باريس العشور التي جمعوها من الفلاحين، كان هناك أساقفة آخرون إتسموا بالطهر والتقي قدر ما سمحت به المهام الإدارية. فكان الكاردينال لويس أنطوان دي نواي رئيس أساقفة باريس رجلاً ذكياً نبيلاً. وكان الناس يحبون جان بابتست ماسيون أسقف كلبر مونت على الرغم من عظاته الزاخرة بألوان العلم والمعرفة، والتي كان فولتير يحب أن يستمع إليها وقت تناول الطعام، لجمال أسلوبها على الأقل. أما جبرائيل دي كايلوس أسقف أوكسير فقد وهب كل ثروته للفقراء، وباع طبقه الفضي ليطعم الجياع؛ ثم اعتذر لمن التمسوا بعد ذلك بقوله "يا أبنائي، لم يبق لدي شيء أعطيكم إياه"(38). ولم يبرح الأسقف فونسوا دي بلزونس مكانه وسط الطاعون الرهيب الذي اجتاح مرسيليا 1720، حين هلك ثلث سكان المدينة، وفر منها معظم الأطباء ورجال الحكم والقضاء. وفي هذا كتب ليمونتي: "انظروا إلى بلزونس: وأنه أنفق كل ما يملك. لقد هلك كل الذين كانوا في خدمته بسبب العدوى، فسار على قدميه فقيراً بائساً في الصباح إلى مواطن التعاسة والشقاء؛ كما كان يرى مساء وسط الأماكن التي اكتظ بها ولوثها أولئك الذين يعانون سكرات الموت، ليطفئ ظمأهم، ويواسيهم وكأنه صديق لهم… وفي ساحة الموت هذه يأخذ بيد الأنفس التي لا معين لها. إن مثل هذا المثل الذي ضربه هذا الأسقف الذي يبدو أنه محصن ضد أي أذى كان كفيلاً بأن يدفع….. كهنة الأبرشيات والقساوسة والطوائف الدينية إلى محاكاته في شجاعته وبسالته، فلا يتخلى أحد عن موقعه، ولا يبالي أحد بما يلقى من عناء وتعب ولو ضحى بحياته. وهكذا أودى الوباء بستة وعشرين راهباً، وبثمانية عشر من بين ستة وعشرين يسوعياً. واستدعى الكيوشيون أخوتهم من الأقاليم الأخرى، فسارع هؤلاء إلى الاستشهاد في خفة المسيحيين
    الأولين وابتهاجهم بمثل هذا العمل. وقضى الطاعون على ثلاثة وأربعين من بين خمسة وخمسين منهم. أما سلوك الرهبان الأوراتوريين (طائفة كاثوليكية) فكان أروع من هذا. فقد بذلوا غاية جهدهم(39).
    ولنذكر، ونحن نسجل الصراع المرير بين الدين والفلسفة، ونشارك الفلاسفة مقتهم للرقابة الخانقة والخرافة الشائنة، أنه كان هناك بين رجال الكنيسة على اختلاف مراتبهم الورع والتقي كما كان هناك الغنى والثراء، بقدر سواء. كما كان هناك الإخلاص مع الفقر بين كهنة القرى، أما الناس فقد تغلغل فيهم حب راسخ يتعذر المساس به أو النيل منه، لعقيدة هيأت للزهو الهوى شيئاً من الانضباط المنقذ من الضلال، كما هيأت للأيام العصيبة الشاقة رؤيا وجد الناس فيها شيئاً من السلوى والعزاء.

    3- الطبقة الثالثة
    أ – الفلاحون
    تساءل "الاقتصاد السياسي" الذي وصمه كارليل بأنه "العلم الكئيب" هل الفقراء فقراء، لأنهم جهلة، أم أنهم جهلة لأنهم فقراء. ويمكن أن نجيب على هذا السؤال، بالموازنة بين الاستقلال البهيج الذي يفاخر به الفلاح الفرنسي اليوم، وحالته في النصف الأول من القرن الثامن عشر.
    وفي 1723 كانت حال الفلاح آخذة في التحسن بالمقارنة بالمستوى المنحط الذي هبطت به إليه حروب لويس الرابع عشر وابتزازاته. فإنه خضع للرسوم الإقطاعية ولعشور الكنيسة، إلى جانب إنه امتلك نسبة متزايدة من أرض فرنسا، كانت تتراوح بين 20% في نورماندي وبريتاني و50% في لنجدوك وليموزين(40). ولكن متوسط حصة هؤلاء الملاك الصغار كان ضئيلاً-من ثلاثة إلى خمسة أفدنة-إلى حد اضطروا معه إلى الاشتغال بأجر في المزارع الأخرى ليعولوا أسراتهم. فإن معظم الأرض كانت ملكاً للنبلاء أو رجال الدين أو الملك، وكانوا يفلحها مستأجرون أو مزارعون نظير جزء من المحصول، أو عمال مياومة تحت إشراف قهرمان أو وكيل مسئول. وكان المالك يتقاضى من المستأجر مالاً وغلة وخدمات أما المزارعون فكانوا يعطون المالك نصف المحصول في مقابل الأرض والآلات الزارعة والبذور.
    وعلى الرغم من تزايد ملكية الفلاح ظلت هناك بقايا إقطاعية كثيرة، فإن أقلية ضئيلة من الملاك قد لا يتجاوز 2% هي التي وضعت يدها على أراض معفاة من الرسوم الإقطاعية. وكل الفلاحين باستثناء مالكي هذه الأرض المعفاة، كان مطلوباً منهم أن يعملوا للسيد الإقطاعي المحلي لعدة أيام في السنة تكفي لحرث أرضه وبذرها، وحصاد محصولها وتخزينه. وكانوا يدفعون له رسوماً مقابل صيد السمك في البحيرات أو الجداول المائية ومقابل رعي ماشياتهم في الحقول، مما يقع في زمام أرضه. (في فرائش كومتيه، وأوفرن، وبريتاني، حتى قيام الثورة كانوا يدفعون له مبلغاً من المال مقابل الأذن لهم بالزواج(41). وكان لزاماً عليهم أن يستخدموا طاحونته ومخبزه ومعصرة النبيذ أو الزيت التابعة له، وليس غيرها. وأن يدفعوا له مالاً في كل مرة يستخدمون فيها شيئاً من هذه. كما نفذوه مالاً عن كل مستوقد أقاموه وكل بئر حفروه وكل جسر عبروه في نطاق أرضه (إن أمثال هذه الضرائب موجود بيننا الآن في أشكال متغيرة، وتدفع للدولة). وكانت القوانين تحرم على السيد ورفاقه الإضرار بمزروعات الفلاح
    أو حيواناته عند الصيد، ولكن هذه القوانين أغفلت إغفالاً شديداً، وكان محظور على الفلاح أن يطلق النار على حمائم السيد، وهي تأكل محصوله(42) وبناء على تقدير يتسم بالتحفظ بلغت الرسوم الإقطاعية جملتها نحو 14% من إنتاج الفلاح أو دخله، وهناك تقديرات ترفع من هذه النسبة(43).
    وفي بعض الأماكن بقي الرق بمعناه الحقيقي، وقدر مؤرخ اقتصادي مشهور أن عدد الرقيق في فرنسا في القرن الثامن عشر لم يجاوز المليون(44)، ونقص عددهم، ولكن في 1789 كان لا يزال في فرنسا نحو 300 ألف من الأرقاء(45) ومثل هؤلاء الفلاحين كانوا مرابطين بالأرض ولم يكونوا يستطيعون قانوناً أن يهجروا أرضهم أو يبيعوها أو ينقلوها أو يغيروا محال إقامتهم دون موافقة سيدهم. فإذا ماتوا دون أبناء كانوا يعيشون معهم، وعلى استعداد للنهوض بشئون المزرعة، آلت المزرعة بكل معداتها إلى السيد.
    وكان على الفلاح، بعد دفع الرسوم الإقطاعية وعشور الكنيسة، أن يجد مالاً أو يبيع شيئاً من نتاجه أو ممتلكاته ليواجه الضرائب التي تفرضها عليه الدولة. ودفع الفلاح وحده ضريبة الأراضي، وبالإضافة إلى ذلك دفع ضريبة الملح، و5% من الدخل ضريبة الرأس عن كل فرد في البيت. وبهذا كان يدفع في الجملة ثلث دخل للمالك والكنيسة والدولة. (46)وكان من سلطة جباة الضرائب أن يدخلوا أو يقتحموا كوخه، ليفتشوا عن المدخرات المخبأة، ويستولوا على الأثاث تسديداً لمبلغ الضريبة المفروضة على الأسرة. وكما كان الفلاح ملزماً بالعمل ودفع الرسوم لسيده، فإنه بعد 1733 كان ملزماً بأن يعمل للدولة بدون أجر من 12 إلى 15 يوماً في السنة، في إقامة الجسور وبناء الطرق أو إصلاحها (أعمال السخرة). وكان يعاقب بالسجن إذا قاوم أو توانى.
    ومذ تصاعدت الضرائب بازدياد الدخل والتحسينات، فإنه لم يكن ثمة ما يحفز الفلاحين على الابتكار والعمل والمغامرة. وظلت أساليب الزراعة بدائية في فرنسا، إذا قورنت بالأساليب في إنجلترا المعاصرة. وكانت فرنسا تتبع نظام إراحة الأرض الذي يقضي بترك كل قطعة دون زراعة سنة في كل ثلاث سنين، على حين أدخلت إنجلترا نظام الدورة الزراعية. وكانت الزراعة المكثفة غير معروفة تقريباً، والمحاريث الحديدية نادرة الوجود. وكانت الحيوانات قليلة العدد في المزرعة، كما كان السماد قليلاً. وكان متوسط الأرض المملوكة ضئيلاً إلى حد لا يسمح باستخدام الآلات بشكل مجز.
    وروع السائحون الإنجليز في ذلك العصر لفقر الفلاح الفرنسي. ففي 1718 كتبت السيدة ماري مونتاجو: "في كل محطة كنا نقف فيها لتبديل خيول البريد كان أهل البلدة جميعاً يخرجون إلينا يسألوننا إحساناً، في وجوه أضناها البؤس والجوع وملابس رثة ممزقة، وما كانوا بعد ذلك في حاجة إلى دليل أبلغ من ذلك لإقناعنا بتعاسة أحوالهم(47). ولم يرسم المراقبون الفرنسيون صورة أكثر إشراقاً من هذه إلا في وقت متأخر من هذا القرن. وقال سان سيمون: "في 1825 كان الناس في نورماندي يعيشون على حشائش الحقول. إن أول ملك في أوربا عظيم لمجرد كونه ملك الشحاذين. وتحويله مملكته إلى مستشفى فسيح الأرجاء يقيم فيه أناس يعانون سكرات الموت، انتزع منهم كل شيء دون أن يبدوا شيئاً من التذمر(48)". وفي 1740 حسب المركيز رينيه لويس دي أرجنسون، أن عدد الفرنسيين الذين ماتوا بسبب الفقر والعوز في العامين الأخيرين أكبر من عدد من قتلوا في حروب لويس الرابع عشر كلها(49)". وقال بسنارد: "كانت ملابس الفقراء من الفلاحين-وكانوا كلهم تقريباً فقراء-تدعو إلى الإشفاق والرثاء، حيث لم يكن لدى الفرد منهم إلا ثوب واحد للصيف والشتاء معاً…. أما الحذاء الوحيد (المرقع الواهي المثبت بالمسامير) الذي اقتناه عند زواجه، فكان لزاماً أن يستخدمه بقية أيام حياته، أو على الأقل طيلة بقاء الحذاء(50)". وقدر فولتير أن مليوني فلاح فرنسي كانوا يستخدمون نعالاً خشبية في الشتاء، وكانوا يسيرون حفاة الأقدام في الصيف، لأن الضرائب الباهظة المفروضة على الجلود جعلت الأحذية ضرباً من الترف(51) أما مسكن الفلاح يبنى من الطين مع سقف من القش، وكان عادة يتكون من غرفة واحدة، منخفضة لا سقف لها في بعض الأجزاء في شمال فرنسا، على أن الأكواخ كانت تبنى أقوى حتى تحتمل البرد والرياح في الشتاء". وكان طعام الفلاح يتألف من الحساء والبيض ومنتجات الألبان وخبز الشعير أو الشوفان. أما اللحم وخبز القمح فكان أكلهما إسرافاً طاوئاً(53). ففي فرنسا، كما هو الحال في أي مكان آخر، كان أولئك الذين يطعمون الأمة لا يملكون من الغذاء إلا أقله.
    ووجد الفلاح بعض العزاء والسلوى من هذه الحياة الشاقة في الخمر والدين. وكانت الحانات كثيرة وصنع الجعة في الدار مشجعاً. وكانت الأخلاق خشنة جافة، طابعها الوحشية. وكثيراً ما تفجرت أعمال العنف بين الأفراد والأسرات والقرى . ولكن سادت الأسرة عاطفة حب قوية، ولو أنها صامتة، وكان الأبناء كثيرين، ولكن اختطفت يد المنون معظمهم قبل أن يبلغوا رشدهم. وكاد ألا يكون هناك زيادة في سكان فرنسا فيما بين عامي 1715 و1740. فقد أحدثت الحرب والمرض والقحط أثرها بانتظام وفق ما جاء في نظرية مالتس.

    ب – البروليتاريا (العمال الكادحون)

    وكان خدم المنازل أدنى مكانة من الفلاحين في السلم الاجتماعي، وكانوا فقراء إلى حد لم يهيئ إلا لقليل منهم أن يتزوجوا. وكانت طبقة البروليتاريا في المدن أعلى قليلاً من الفلاحين، وكانت تشكل الحرفيين في الحوانيت والمصانع وحمالي البضائع ومتعهدي الخدمات وعمال البناء أو الترميم. وكان معظم الصناعة لا يزال منزلياً أو محلياً يقوم في أكواخ ريفية أو في الدور في المدن الصغيرة. وكان التجار يقدمون المواد الخام، ويجمعون الإنتاج، ويستولون على كل الربح تقريباً. وكانت الصناعة في المدن إلى حد كبير في الطور النقابي (نظام نقابات العمال وطوائفهم في العصور الوسطى)، فكان هناك المعلمون والغلمان الذين يتدربون، وعمال المياومة المهرة، يعملون جميعاً وفقاً للقواعد القديمة التي حددت النقابة والحكومة بمقتضاها ساعات العمل وشروطه، وطرز الإنتاج ونوعيته وسعره والمنطقة المحدودة المسموح فيها بالبيع. إن هذه التنظيمات والقواعد جعلت من التحسينات أمراً عسيراً، واستبعدت حافز المنافسة الخارجية، وأسهمت مع رسوم التجارة الداخلية في تعويق التنمية الصناعية. وكانت النقابات قد أصبحت أرستقراطية عمالية، وارتفعت الرسوم على القبول في سلك المعلمين الصناعيين إلى ألفي جنيه، واتجهت هذه المهنة إلى أن تكون وراثية. (53)وكان العمل في الحوانيت يبدأ مبكراً وينتهي متأخراً. وكان عامل المياومة حول فرساي يبدأ عمله في الرابعة صباحاً وينتهي منه في الثامنة مساءاً. (54)ولكن العمل كان أقل إجهاداً منه في المصانع اليوم، كما أن أعياد الكنيسة هيأت أيام عطلة كثيرة.
    وكانت الصناعة في معظمها "صغيرة" تستخدم ثلاثاً أو أربعاً من "الأيدي العاملة" من خارج الأسرة. بل أن المدابغ ومصانع الزجاج والمصابغ كانت مؤسسات صغيرة. وكان عدد العمال في بوردو لا يتجاوز أربعة أمثال أصحاب العمل. واحتفظت الحكومة على أية حال ببعض مصانع كبيرة-مصانع الصابون، ومصانع نسيج الجوبلان (المزدان بالرسوم) ومصانع الخزف الصيني في سيفر. وأخذت عملية التعدين في التوسع بعد أن حل الفحم محل الخشب في الوقود. وثارت الاحتجاجات على دخان الفحم الذي يلوث الهواء، ولكن الصناعة آنذاك، كما هو الحال اليوم، مضت تشق طريقها، وتعرضت صحة الناس في باريس، وفي لندن على حد سواء، للخطر نتيجة لتنفس هذا الهواء الملوث. وكانت هناك مصانع للصلب في دوفيني، ومصانع للورق في أنجوموا. وتوسعت مصانع النسيج توسعاً ملحوظاً في الشمال، فاستخدم فان روبيه 1500 عامل في مصنع واحد في آبفيل واستخدم فان دركروسن ثلاثة آلاف رجل في ليل(55). وشجع ازدياد العمال هذا على تقسيم العمل والتخصص فيه، وحفز على اختراع الآلات للعمليات المكررة على نسق واحد (الروتينية) وتضمنت دائرة معارف ديدرو (1751 وما بعدها) أوصافاً ورسوماً مدهشة لآلات متنوعة معقدة أدخلت بالفعل في الصناعة في فرنسا، يندر أن تكون قد نالت استحساناً أو ترحيباً من البروليتاريا. وحين أقيم نول جاكار (لحياكة الأقمشة المصورة) في ليون، عمد عمال نسيج الحرير إلى تهشيمه، خشية أن يلقى بهم في عرض الطريق بلا عمل(56).
    ورغبة في تشجيع الصناعات الجديدة فإن حكومة فرنسا-كما فعلت حكومة إنجلترا في عصر اليزابث-منحت عدة احتكارات، مثال ذلك أنها منحت أسرة فإن روبية احتكار إنتاج الأقمشة الهولندية الرفيعة، كما ساعدت مشروعات أخرى بمعونات وقروض دون فوائد. وفرضت الحكومة على كل الصناعة تنظيماً صارماً موروثاً عن كولبير. وأثار هذا الأسلوب اعتراضاً متزايداً من جانب أصحاب المصانع والتجار الذين دفعوا بأن الاقتصاد ينمو ويزدهر إذا تحرر من تدخل الحكومة، وترديداً لهذا المطلب، قال فنسنت دي جورناي (حوالي 1755) عبارته التاريخية اتركه وحده "اتركه يعمل" التي عبرت في الجيل التالي، على لسان فرانسوا كني وترجو، عن المذهب الفيزيوقراطي الذي نادى بحرية العمل والتجارة.
    واستاء الحرفيون أيضاً من هذه القواعد والتعليمات التي وقفت حجر عثرة في سبيل تنظيمهم من اجل ظروف عمل وأجور أفضل. ولكن أهم ما هاج حفيظتهم هو أن عمال الريف والمصانع كانوا ينتزعون السوق من أيدي النقابات. فما وافى عام 1756 حتى كان أصحاب المصانع قد هبطوا بالحرفيين في المدن الكبرى-حتى بالمعلمين النقابيين-إلى مستوى الإجراء الذين يعتمدون في عملهم على المقاولين أو الملتزمين. (57)وفي نطاق النقابات أجرى المعلمون-تخفيضاً في أجور عمال المياومة الذين عمدوا إلى الإضراب على نحو دوري. وكان الفقر في القرى شديداً مثلما هو في المدن تقريباً. ووصل نقص المحاصيل بالطبقة الكادحة، البروليتاريا، في المدن إلى حد المجاعة والشغب كل بضع سنين، كما حدت في تولوز 1747، وفي باريس 1751، وفي تولوز 1752(58) وكان القسيس الملحد جان مزلييه قد اقترح بالفعل، حوالي 1749 استبدال شيوعية قائمة على الحرية بالنظام القائم(59).
    وفي أواسط القرن كانت باريس وروان وليل وليون وبوردو ومرسيليا تعج بالبروليتاريا. وتفوقت ليون بوصفها مركزاً صناعياً لبعض الوقت على باريس. وقد وصفها الشاعر الإنجليزي توماس جراي في 1739 بأنها "ثانية مدن المملكة من حيث الاتساع والمكانة. وشوارعها بالغة الضيق والقذارة، ودورها بالغة الارتفاع والاتساع (تتكون الدار من خمسة طوابق في كل طابق 25 غرفة)، مكتظة بالسكان". (60)وكانت باريس خلية هائجة، يقطنها 800 ألف منهم 100 ألف خادم، و20 ألف متسول، وفيها الأكواخ الكئيبة والقصور الفخمة، والأزقة والحارات المظلمة والشوارع القذرة وراء المتنزهات الأنيقة، وفيها الفن إلى جانب الإملاق والفقر المدقع. وسارت فيها المركبات الكبيرة والمركبات العامة ذات الجواد الواحد والمحفات يصطدم بعضها ببعض مع تبادل السباب والشتائم، واختناق شديد في حركة المرور. وكانت بعض الشوارع قد صفت منذ 1690 وعام 1742 رصف تريساكيه الطرق بأحجار ملساء، ولكن معظم الشوارع كانت قذرة تماماً، مملوءة بالحصى الكبير الذي يصلح لإقامة المتاريس في أثناء الثورات. وبدأت مصابيح الشوارع تحل محل الفوانيس في 1745 ولكنها لم تكن تضاء إلا إذا لم يكن القمر بدراً. وظهرت لافتات أسماء الشوارع في 1728. ولكن لم توضع للبيوت أرقام قبل الثورة. وكان للأغنياء وحدهم صنابير ماء في بيوتهم، أم

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..