سوق عطبره القديم …حليل زمن النقادة والشــوام

تغير حال سوق عطبره عن السابق منذ تم ترحيله إلى موقعه الحالي وبات يبدو في حال يرثى لها اذ تشكو شوارعه الاتربه وعدم النظافة في وقت توقفت فيه اعمال السفلتة تماما وبصورة ضاعت معها معالم السوق وصارت السمة العامة للشوارع ضيقها اللافت في وقت تتسم فيه بعض الطرق بالاتساع النسبي ليختلط الأمر، فهل ذلك نتيجة لخلل صاحب تخطيط السوق برغم حداثة إنشائه أم لسبب آخر ؟
سوق عطبره كما حكى بعض كبار تجاره كان في السابق يضم عدداً من التخصصات فتجد سوق الحوش يحتل جزءً من السوق و به الآن مجمع الذهب وفي سؤال عن النقادة والشوام والقبط وبعض الاغاريق والذين كانوا يميزون سوق عطبره وبعد بحث مضني عثرت على محمود سعيد النقادي ليحدثني عن النقادة في عطبره فقال أصلا النقادة بلده في صعيد مصر وكان والده نساجا وأول من أتى بالنساجة اليدوية زمن الفراد والشالات والفرك القرمصيص كان والد محمود سعيد يجلب الخيوط من اهلهم في أم درمان لينسجه في مناسجه في بربر اذ لديه مصانع يدوية (النول اليدوي ) ويضيف محمود سعيد : ( كنا نصنع في بربر ونقوم بتسويقها في عطبره والفرات بتاعة النقادة كانت مشهورة وكان للفراد اسامي السد العالي وكبري شمبات مايو والزراق الذي يلبسنه الحبوبات ونصنع الفرد الاثيوبيه ونقوم ببيعها في كسلا وبور تسودان والشال السوداني كما كنا نصنع البفته والبدل القطن ننسجها ونديها للترزيه لخياطتها ،الملايات السجاد البلدي وخفت الصناعة اليدوية مع تطور المصانع، مازال بعض أهلنا في شندي وأم درمان يعملون بها الآن تحول اغلب عملنا للاقمشه ) ومن الأسر التي عملت بتلك المهنة في شندي الاقباط محارب زخاري وسودانيون محمد عبد الفضيل واحمد جوده وفي امدرمان أسرة علي حميد وغريب القوصي .
أما عن الشوام والاغاريق تحدثت الصحافة للعم كامل عبد الرحمن والذي رغم بلوغه الثمانين إلا انه ماشاء الله يحتفظ بذاكره حديديه ولايبدوعلى محياه اثر التقدم بالعمر فقال جميع من عملت معهم سوريون عبد الله الياس كان صاحب مخبز وعائلة السنكي وعائلة صباح وأولاد ميخائيل الفحام اولادسنكي تجار اقمشه الآن لايوجد سوريون وهم كانوا من حلب منهم أولاد دولابي كذلك كان يوجد بعض الاغاريق ماكانوا بشتغلو الا في البارات ماركتو في المحطة وسكتوليس كان مشهور بصنع ليموناده ومن التجار المعروفين محمد الحسن بيرم والعربي ومحمد خير خوجلي والشيخ ابراهيم السنوسي وتحدث العم كامل قائلا كنت أحسن فران في عطبره يأكل من مخبزي كل الرؤساء الذين تعاقبوا على المدينة من أزهري الآن لايوجد من دفعتي فران.
الصحافة
سوق عطبرة بين الأمس واليوم
لا ينكر أحد أن سوق عطبرة الحالي يمر بطفرة حقيقة ونوعية فقد شهد في الفترة الأخيرة تحديث وتطوير جذريً بعد أن تم هدم السوق القديم واستبداله بالبناء المسلح ، فقد ظهر التطاول في البنيان بصورة جميلة أفضل بكثير عما كان عليه في السابق .
كثير من الناس – وأنا أحدهم – مازالت صورة سوق عطبرة القديم المبني من الطين واللبن عالقة في أذهانهم ولا تبارح مخيلتهم فقد ارتبطت بذكريات خالدة أبد الدهر ، لكن بالرغم تهالك هذا السوق وقدم بناؤه المهترئ الآيل للسقوط آنذاك إلا أنه يمثل لكل عطبراوي أنموذجاً رائعاً ومعلم من معالم عطبرة الصامدة حيث يشكل الترابط والتمازج الاجتماعي والتراحم بين كل أطياف قبائلنا العريقة العاملين في ذلك السوق .
منذ حداثة سني وأنا صبي يافع كنت أتردد إلى السوق يومياً بحكم عمل والدي ? أمد الله في ايامه ? في حقل التجارة (تاجر) في سوق عطبرة أساعده خلال إجازات وعطلات المدارس والفترات المسائية ، فكم كنت فرحاً وأنا في السوق مع والدي أساعده وألبي طلباته خصوصاً عندما يقوم بإرسالي إلى أصحابه التجار الذين تربطه بهم وشائج قوية فقد كان يتمتع بحب الجميع ، فتارة يرسلني للعم الشوش جوار الجامع الكبير وتارة إلى العم محمد عبد الغني صاحب دكان (ألبان جديد) المشهور بالأقمشة ، وتارة أخرى إلى عبد الله الفكي محمود ، المطبعجي ، علي عثمان الحسناوي ، أبو القاسم سعد ، خضر الكعيك ، محمد عمر حاج العوض ، الكنزي ، التوم سمباي ، إسماعيل أبو شنب ، عاشور تاجر الجلود المشهور وغيرهم ، وكنت أثناء تجوالي في السوق وبالقرب من جنة الفواكه التي يملكها العم القوصي ألمح الفنان العطبراوي جالساً هناك في تواضع جم يمازح هذا ويداعب ذاك ولا تفارق الابتسامة محياه ، أضف إلى ذلك أن والدي حفظه الله كان يرسلني أيضاً إلى بعض المسيحيين والأقباط التجار أمثال صموئيل جرجس صاحب محلات الطير الأبيض ، وحبيب بسطا تاجر الأقمشة الشهير ، وفهمي ميخائيل صاحب أكبر محل للساعات والإلكترونيات ، وكنت أحس بسعادة غامرة وأنا أذهب لهؤلاء فهم علامة بارزة في سوق عطبرة ومن كبار التجار في تلك الحقبة .. كان الجميع في السوق يعرفون بعضهم البعض يعيشون في وئام وود منقطع النظير فقد خلت قلوبهم من الضغائن والحسد يكنون ويحملون لبعضهم البعض كل ود وتقدير .
إن أشد ما يلفت الانتباه في تلك الفترة هو ما أن تأتي الساعة التاسعة صباحاًً وتنطلق صفارة السكة حديد وكأنها كروان يشدو بأعذب الألحان إلا وترى الموج الهادر من العمال على دراجاتهم والبعض الآخر مشياً على الأقدام وهم يتدافعون في منظر مهيب يشرح الصدور ويبهجها ، فتراهم يغزون مطاعم الفول التي كان يمتلكها الأخوة اليمنيين لالتهام الفول المصلح الذي يقومون بتصليحه و (تزبيطه) بأنفسهم بعد أن يجلبوا فحول البصل والجرجير والجبن وزيت السمسم ، فو الله ثم والله أسرد لكم هذا المشهد الدرامي الجميل الذي كان يحدث قبل سنين عدداً لكن وكأني جلوس بينهم في أحد المطاعم ورائحة البصل وزيت السمسم الزكية تداعب أنفي .. فبعض هؤلاء العمال في ايام الرواتب (الماهية) تراهم يعرجون على مطعم عروجه أو مطعم العم عارفين أو العم السني الذين يمتلكون أشهر مطاعم للسمك آنذاك لتناول أشهى أنواع الأسماك ، وبعضهم ومن باب التغيير يذهبون لأبو خليل لالتهام الوجبات الأفرنجية الراقية أو مطعم الدبل والفردوس التي كانت تشتهر بأميز أطباق الكمونية الشهية والكباب لذيذ المذاق .
كان تجار السوق قاطبة آنذاك ? ووالدي أحدهم ? عبارة عن لحمة واحدة (بضم اللام وسكون الحاء وفتح الميم) مترابطون ترابطاً قوياً ، فتجار الجملة لهم إتحاد يسمى (إتحاد تجار الجملة) وكذلك تجار القطاعي لديهم إتحاد على نفس النسق يسمى (إتحاد تجار القطاعي) لديه رئيس وسكرتير وأمين خزينة وأعضاء ، ويقوم بعقد إجتماعات دورية لمناقشة أجندة تتعلق بتطوير الاتحاد وأوضاع السلع في السوق والخروج بمقررات وتوصيات يقومون برفعها لجهات الاختصاص تمهيداً لتفعيلها ووضعها حيز التنفيذ ، وأذكر جيداً جهودهم الفاعلة عند مقدم وفد رفيع المستوى أو مقدم رئيس الدولة لزيارة مدينة عطبرة فدائماً ما يكون لديهم ورقة عمل ضمن أجندة هذه الزيارة ، علاوة على جهودهم المعروفة من حيث الترتيب والإعداد لهذه الزيارة وبصمتهم الواضحة التي لا ينكرها إلا جاحد .
إشتهر العاملون في سوق عطبرة بكل فئاتهم في تلك الفترة بالتراحم والتكافل الاجتماعي فتراهم يقفون مع بعضهم في السراء والضراء لا يألون جهداً في تقديم يد العون للمحتاج ومساعدة الضعيف ، فقد كنت شاهداً حين تعرض أحد التجار لهزة مالية كادت أن تفقده توازنه إلا أن إخوانه التجار كانوا له خير معين له بعد الله عز وجل فقد آزروه ودعموه حتى استقام عوده وعاد كما كان ، كما أذكر ذات مرة وأثناء تجوالي في مستشفى عطبرة عندما أرسلتني والدتي ? رحمها الله ? بطعام الغداء لبعض قرابتنا الذين كان لديهم مريض بالمستشفى .. أتدرون ماذا رأيت ؟ رأيت أحد هؤلاء التجار من أصحاب والدي يتسلل في خفية لكل عنابر المرضى يطايب المريض ويسأله عن حاله وصحته ويضع تحت وسادته مبلغاً من المال.. راقبته عن كثب وتبعته فوجدته مرّ على كل عنابر المستشفى .. لله دره يا له من رجل ذا مروءة ونخوة .. أين تجار اليوم من هذا النبيل الشهم الذي يتطلع لما عند الله من أجر ويرقب الدار الآخرة بعين بصيرة .. ما أروع سوق عطبرة في تلك الفترة فقد كان الجميع كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى فقد نبذوا القبلية العمياء وألقوها وراء ظهورهم وجسدوا معنى التكافل في أبهى صوره .
تلاحقت السنين وتسارعت وإنقلب الحال رأساً على عقب فقد ذهبت في إجازة من بلاد المهجر وكالمعتاد ذهبت للسوق لدكان الوالد فوجدت أن الحال قد تغير وتبدل .. أين السوق الذي كان يعج بعمال السكة الحديد ما بين التاسعة وحتى العاشرة صباحاً فقد لمست فرقاً واضحاً في السوق بين الأمس واليوم ، تغيرت الوجوه فهي ليست تلك الوجوه السمحة البشوشة التي أعرفها .. فقد غزا السوق أناس لا يمتون لعطبرة بصلة أتوا من أقاصي السودان بسحناتهم وطباعهم المختلفة وتملكوا في السوق بل وتزوجوا من فتيات عطبرة بحكم ما يملكونه من مال الذي يعتبره الناس في زماننا هذا هو الجاه والسلطان والنفوذ والعرق الذي ليس بدساس (رأيت الناس قد مالوا إلى من عنده المال) ، تغيرت الطباع وأصبح التجار في شتات لا يعرفون بعضهم بل وصل الأمر ببعض التجار إلى أن يحيك الدسائس للإطاحة بأخيه التاجر والتسبب في كساد بضاعته وإلقائه خارج منظومة السوق ، فبعضهم بنى أمجاده على جماجم الآخرين .. أواه ربي ماذا حدث … إلى هذه المرحلة وصل حال السوق العطبراوي .. تجولت في السوق والألم بعتصرني ولسان حالي يقول :
مَرَرتُ بِالمَسجِدِ المَحزونِ أَسأَلَهُ
هَل في المُصَلّى أَوِ المِحرابِ مَروانُ
تَغَيَّرَ المَسجِدُ المَحزونُ وَاِختَلَفَت
عَلى المَنـــابِرِ أَحـــــرارٌ وَعِبــــدانُ
فَلا الأَذانُ أَذانٌ فـــــي مَنارَتـــــِهِ
إِذا تَعــــــــــــــــالى وَلا الآذانُ آذانُ
نعم أقولها بصدق ومن قلب يتفطر حزناً ويقطر دماً تغير الحال وطمست المعالم الجميلة المعنوية لسوق عطبرة ، لم أتمالك نفسي جلست مع الوالد أمام الدكان وأخبرته عن انطباعي عن السوق الحديث وذكرته بأيام الزمن الجميل وسردت له مناقب بعض التجار النبلاء الذين قضوا نحبهم وارتحلوا عن عالم الدنيا فرأيت أن وجهه قد تبدل وعلته سحابة من الحزن والأسى .. فقال لي: يا إبني لا يستقيم الوضع على حال حسب قول الصادق المصدوق محمد بن عبد الله صلوات الله وتسليماته عليه (ما يأتي عام إلا والذي يليه شر منه) .
أسأل الله أن يعود لسوق عطبرة بريقه وألقه الماضي وأن يعود كما كان وإن كنت أرى ذلك كمن يمد يده ليلتقط الثريا من السماء وأتمنى أن ينهج العاملون بكل فئاتهم نهج السابقين الأخيار الذين أضاءوا سماء سوق عطبرة وضربوا أجمل الأمثلة في القيم والأخلاق الفاضلة.. فالخير باق في أهل عطبرة إلى قيام الساعة … ودمتم سالمين .
[email protected]
الاخ / الهادى محمد عمر الشغيل وانا لوكان عندى سلطة فى السودان كنت وظفتك معتمد فى مدينة عطبرة لانو اى موقع ادخل فيه فى النت يتحدث عن عطبرة الاحظ وجود مقال لك جميع المواقع البتتحدث عن عطبرة انت موجود فيه حكايتك شنو .
شكرا لك الاخ الهادي علي السرد الجميل لسوق عطبرة فعلا تغير الزمن عندما كنا صغار ونأتي الي سوق عطبرة كنا نحس وكأننا في كوكب اخر وبأذكر دائما ولاتفارقني ابداء الاشجار وازيار المياه والرش المتواصل امام المحلات لترطيب الجوء ورائحة الاكل من المطاعم وباسطة عطبرة اللذيذة والتي لم اجد في كل السودان وخارجه اطيب والذ منها . وذهبت لعطبرة بعد فترة طويلة لزيارة عمي بعد غربة طويلة فذهب للسوق لاعيد الزكريات ومحطة القطار التي كنا نسافر عبر عطبرة للشمالية والشرق . والله وجدت الحال تغير تمام والمحطة والورش وكانك في محطة خلوية . سألت ابن عمي علي ما أراءة فقال هذا هو حال عطبرة الان. والله وبدون أحس سالت دمعة من عيني . وطبعا انا ابن واحد من من خدموا السكة حديد . والسوق بالرغم تم بناءة علي اساس حديث الا انة كئيب وخال من اي لمسات جمالية . وياريت القائيميين علي امر السوق يقوموا بالتشجير امام المحلات حتي يعود لة جزء بسيط من تاريخة الجميل .
من ابرز تجار ومعالم مدينة عطبرة الذين لم يذكرهم العم كامل وهم اقدم منه في المدينة الحاج عباس محمود وهو صاحب عمارة عباس المشهورة في عطبرة واكبر مقاول فيها وهو يكفيه فخراً انه من قام ببناء جميع مدارس مدينة عطبرة وكان بعضها على نفقته الخاصة كمدرسة الجلود وهي حالياً عطبرة الحكومية الجديد ومدرسة الشرقية الابتدائية بنين وبنات ، ومدرسة المنطقة الابتدائية ن وكذلك هنالك اولاد عبد الجواد وهم من مقاولي عطبرة القدماء والتاجر الكبير بسطا شاكر صاحب اول مصنع ثلج خاص بعطبرة ، وكذلك المرحوم عوض الله دبورة صاحب مكتبة دبورة الاشهر في عطبرة ، يجب على من يوثق لتاريخ مدينة ما ان يكون نزيهاً وان يعطي كل ذي حق حقه