ميادين الامتاع و الغنى.. وصفحات الفقر والفخر !

ميادين الامتاع و الغنى.. وصفحات الفقر والفخر !

محمد عبد الله برقاوي..
[email][email protected][/email]

أستاذنا الراحل الشاعر الكبير / أبو أمنة حامد ..طيّب الله ثراه ..فوق شاعريته الفذة وثقافته الواسعة ، فقد كان ساخر التعبيرات ، ناقما على واقع حاله في صخب المدينة التي حرمته من صفاء الفطرة البدوية الهدندوية ،وكم تمنى أن يعود اليها راعيا ، يمتشق سيفه ويغرس خلاله الخشبي وسط شعره الكثيف الأشعث الوديك ويطلق نفخات نايه الحنينة وهو يخلف ساقه على حاويّة بعيره البجاوي الأصهب !
في أحدى الحلقات من برانامج الأستاذ/ عمر الجزلي اسماء في حياتنا التي وثقّت لمسيرة وسيرة حياة أبو أمنة ، أجاب على سؤال حول أبنائه وبناته ومراحل دراستهم وهواياتهم واحدا تلو الأخر حفظهم الله ، وحينما جاء عند أحدهم ولعله آخر العنقود ان لم تخني الذاكرة ، قال انه يدرس في جامعة الخرطوم ، وان كان تمنى له أن يكون لا عبا في نادى الهلال ، ليضمن مستقبله !
طبعا لم يقصد شاعرنا الساخر الاستخفاف لا بجامعة الخرطوم ولا الاستهزاء بناديه المعشوق ، وانما أراد القول في اشارة ذكية الى أن التعليم الجامعي في سوداننا الحالى لم يعد وحده الضامن لمستقبل الشباب في سوق العمل التي اما أن مواعينها المتاحة باتت أضيق من أن تستوعب ما ترفده الجامعات الكثيرة والتي نشرتها ما سميت بثورة التعليم في كل المدن كبراها وصغراها ، بل بات في الحي الواحد ربما في المدينة الواحدة من مدن العاصمة تحديدا عددا من الجامعات والكليات!
وان نمط التعليم يركز كثيرا في اغلبه على الجانب النظري أكثر من التقني والتطبيقي !
واما كان سبب تكدس البطالة نتاجا لعدم عدالة توزيع الفرص الوظيفية لاعتبارات الولاء السياسي و العقائدي والمحسوبية في هذا العهد أو لتفشي ظاهرة الفساد والرشوة ، وهي عوامل بالطبع تؤدي تلقائيا الى اغراق الشارع با لألاف من الفتيان والفتيات كفاقد انتاجي أو يدفعهم لممارسة المهن الهامشية التي لا تسد رمقا و لا تحفظ حتى ماء الوجه المثخن بعرق النهار وهم يلهثون بين السيارات لترويج سلع بخسة الثمن !
وقد يبتسم الحظ لواحد أو واحدة منهم فيكون موهوبا في مجال الغناء الذى بات مصدرا للتكسب أو يكون الفتى منهم على وجه التحديد أكثر حظا فتكون موهبته خارقة في مجال كرة القدم ويلتحق بأحدي أندية الممتاز التي قد تفتح له بوابات الشهرة حتي خارج حدود ملا عبنا المحليه !
مرت ببالي هذه الخواطر وأنا أقرا بالأمس عن مكرمة رئيس دولة الامارات العربية المتحدة الشيخ خليفة بن زايد للعبية منتخب بلاده الوطني لكرة القدم الذي حقق وصولا مستحقا الى اولمبياد لندن القادم ،وتحفيزهم بمبلغ نصف مليون درهم للفرد وهو بالطبع عربون للدفع الى تحقيق المزيد من العطاء، و مؤشر الى أن كرة القدم لم تعد للتسلية وتزجية الوقت في عصريات الفراغ كما كانت في سابق العهود ، بل أصبحت تفوق حتي السياسة والدبلوماسية حينما تتخطاهما في رفع علم البلاد في المحافل الدولية ، هذا من الجانب الأدبي ، بل وأصبحت صناعة مادية مربحة تتفجر من مدرجاتها ومن تحت عشبها الأخضر ثروات قد تفوق كثيرا من مصادر الدخل في قطاعات اقتصادية هامة أخرى مجتمعة ، فبات ذلك ينعكس على الأجور المهولة التي يتقضاها اللاعبون والمدربون ويكسبها المتراهنون على نتائج المباريات في الدول التي تبيح الرهان !
بالطبع ليس ذلك تبرما أو حقدا أو حسدا لمن حباه الله بموهبة ذكاء الأقدام الذي هو مرتبط بعلم يمر من العقول والأذهان صار يدرس في اكاديميات رياضية متخصصة ، بل من قلبي أزف التهنئة لكل منتصر في سجال المدورة الممتع الخالبة لالباب الملايين ، فهم يستحقون كل التكريم بالقبلات على الخدود و الورد على الزنود !
بيد انني تمنيت أن يكون للشاعر أبو أمنة ولي ايضا ابن بالاضافة الى كونه جامعيا أن يصبح لاعبا فذا ليسدا لنا فجوة ( فقر الحروف ) التي يعانيها الشعراء والكتاب والأدباء الذين يغادرون الدنيا وقد ترك أغلبهم لأسرهم ثوبا فضفاضا من الفقر يتعثرون فيه من بعدهم تتبعه ذيول من الديون التي لا تمنعهم من الفخر براحلهم رغم ذلك ويترحمون عليه لانه ترك لهم أيضا غنى معنوي يدعو للزهو !
كيف لا و مثل أبوأمنة من العباقرة الأغنياء عن التعريف كثر ، وقد عاشوا في الوجدان رغم الرحيل ، ولو أنه والله لم يكتب غير
( سال من شعرها الذهب ) لكفاه ذلك أن يخلد أسمه حرفا ذهبيا مسطرا في جدائل التاريخ المسدلة على ظهر الزمان كله !
رحمه الله وكل أغنياء الحرف أمواتا واحياء، وزاد كل صاحب موهبة أخرى من خيره الوفير وأغناه، طالما انه يبذل عرق موهبته من أجل وطنه ورفعة اسرته وتحقيق طموحاته..
وسامحونا ، سامحنا الله وأياكم ، في جمعته المباركة هذه على أمل أن نلتقي في اسبوع جديد أسعد باذنه تعالى ، نخرج فيه ولوبسطر مفيد أو حتى حرف من حفلة الشاى المسماة بقمة بغداد الهزيلة ،
انه المستعان ..
وهو من وراء القصد..

– – – – – – – – – – – – – – – – –
تم إضافة المرفق التالي :
محمد برقاوي.jpg

تعليق واحد

  1. ولكن وين المواهب واللاعبين فى بلادنا ووين الارجل والاجسلد والبنية الجسمانية التى تساطيع ركل الكرة الى ابعد من ظلهم؟؟كورة ابعدوا عنها لانهابصراحة مخجلة جدا ان نتحدث عنها.. كورتنا دافورى وبس

  2. أستاذنا القدر برقاوي
    لعيبة الكرة في عمومهم لا يشكلون هاجساً سياسياً للأنظمة الشمولية القمعية فهم مكسب لهم وليسوا خصماً عليهم لذا يستأثرون بكثير من إهتمام تلك الدول ويدفعون لهم بسخاء أما أنت وأمثالك من – فقراء الجيوب – أغنياء الحرف – فتشكلون صداعاً مزمناً لهم فيما تكتبونه شعراً ونثراً لذا كتبت عليكم المسغبة والتشريد والبهدلة ولو إهتمت بكم هذه الأنظمة وصرفت عليكم كصرفها في مجال كرة القدم لأقيمت لندوات الشعرية في ساحات أوسع من ملاعب كرة القدم ولرأيت تذاكر الدخول تباع حتى في السوق السوداء . . لككم خلقتم للحق وأنصار الحق لا أرقام تزين فانلاتهم وليس لهم من المشجعين كثر وهذا نصيبكم إلى أن يبدل الله في الأمر .
    لك كل الاعزاز والاحترام أيها الشفيف العفيف .

  3. لك التحية استاذنا برقاوي وانت تكرم بحرفك الرشيق قامة شعرية من الوطن الجريح رحم اللة استاذنا ابو آمنة حامد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..