المشهد السوداني بعد الانتخابات

د. أمانى الطويل

لم تسفر الانتخابات السودانية عن متغيرات ذات قيمة في المشهد السياسي حيث لم تعالج حالة انسداد الأفق السياسي الناتجة عن تعنت حكومة الإنقاذ الوطني إزاء مكونات المعادلة السياسية من أحزاب وقوي مدنية وحركات مسلحة وفشل عملية الحوار الوطني التي طرحها وتبناها الرئيس البشير ذاته منذ يناير 2014. كما لم تقدم هذه الانتخابات بمجرياتها للرئيس الفائز عمر البشير إلا شرعية مجروحة مع مقاطعة عملية التصويت التي مارسها الشعب السوداني. وهذه الشرعية المجروحة والمنقوصة تتوج أعوام حكم البشير ال26 التي قضاها حاكما للسودان فتآكلت حدود دولة الاستقلال الوطني عام 2011 بإنفصال جنوب السودان واندلعت صراعات مسلحة في كل من دارفور وجنوب دولة السودان الجديدة في كل من النيل الازرق وجنوب كردفان.

وقبيل انطلاق العملية الانتخابية، دشّنت المعارضة السودانية بما فيها المسلّحة، حملة بعنوان “ارحل” لمناهضة الانتخابات الحالية. ومن ضمن هذه التيارات حزب الأمة القومي، بزعامة الصادق المهدي، والحزب الشيوعي وبعض أحزاب الحركة الاتحادية المنقسمة على نفسها، وأيضا الجبهة الثورية ممثلة في الحركة الشعبية قطاع الشمال والحركات الدرافورية وحركة الاصلاح التي يقودها غازي صلاح الدين وهو من الخوارج على البشير والترابي من معسكرهما المنتمي إلى الإسلام السياسي. غير أن صوت هذه الحملة كان أعلى في مواقع التواصل الاجتماعي منه على الأرض، كما أن ضعف التنسيق بين تلك القوى أفشل عدداً من النشاطات، التي دعت إليها الحملة، فضلاً عن الضغوط الأمنية التي مارسها النظام ضدها. وكل هذه عوامل لم تسمح لحركة” ارحل” سواء بإحداث اختراق حقيقي للشارع السياسي السوداني يسمح بقيادته، أو على أقل تقدير التأثير على مواقفه إزاء العملية الانتخابية، مما يؤكد أن العزوف، الذي صاحب العملية الانتخابية هو خيار ذاتي للشعب السوداني بغض النظر عن مقاطعة الأحزاب السياسية للعملية الانتخابية ردا على فشل عملية الحوار الوطني وعدم تفاعل الحكومة مع مطالب قوى نداء السودان من الأحزاب سالفة الذكر والتي طالبت بحكومة انتقالية محايدة تشرف على الانتخابات.

وفي المقابل وضع النظام السياسي الحاكم في السودان كل رهاناته السياسية المستقبلية في “سلة الانتخابات” وهو مطمئن إلى أن الأمور ستجري كما خطط لها, ولم يكن إصراره على إجراء الانتخابات في هذا التوقيت بالتحديد خارج سياق التطورات السياسية المحيطة بمبادرة الحوار الوطني التي أطلقتها السلطة نفسها، وعلى الرغم من كل الرجاءات والنداءات من القوى السياسية السودانية المختلفة ومن المجتمع الدولي والنظام الإقليمي لتأجيل الانتخابات لتكون نتيجة لما يتفق عليه الأطراف في حوار جاد من أطر لنظام سياسي وتعاقد اجتماعي جديد يخرج البلاد من النفق المظلم الا أن النظام لم يأبه بهذه النداءات وألقاها على قارعة الطريق تحت مزاعم أن الإنتخابات استحقاق دستوري لا يمكن تأجيله وإلا حدث فراغ في السلطة لا تحتمل تبعاته البلاد، وذلك على الرغم من إقدام كل من المؤتمر الوطني والحركة الشعبية سابقا على التغاضي عن موعد الانتخابات التي كان من المقرر إجرؤها في عام 2008 واتفقا بنص دستوري على إجرائها عند نهاية السنة الرابعة أي بحلول منتصف العام 2009, ولكنها لم تجر في الواقع إلا في العام 2010 قبل بضعة أشهر فقط من الاستفتاء على تقرير المصير لجنوب السودان.

ولعل مجريات هذه الانتخابات وتطوراتها تلقي الضوء على أسباب إنتاج الانتخابات لحالة تعقيد وتشابك مركب ومربك في آن للمشهد السياسي السوداني، ففضلا عن مقاطعة الشعب السوداني لعمليات الاقتراع والتصويت، فلم تحصل العملية الانتخابية على الاعتراف الدولي أو الإقليمي، حيث أعلنت الإدارة الأمريكية وكل من بريطانيا والنرويج افتقاد الانتخابات السودانية لشروط النزاهة والتنافسية ذات المصداقية المطلوبة، كما صمتت الحكومات العربية إزائها في مقابل الهجوم عليها من دوائر الإعلام و الرأي العام العربي الذي لم يعد قابلا لفكرة استمرار رئيس عربي في الحكم لما يزيد عن ربع قرن من الزمان خصوصا بعد المتغيرات التي تشهدها المنطقة منذ 2011.

وفي السياق الأفريقي فرغم إرسال الاتحاد الافريقي لبعثة مراقبة إلا أن هذه البعثة لم تعط لهذه الانتخابات صك النزاهة. وذكر الرئيس النيجيري الأسبق ورئيس بعثة الاتحاد الإفريقي أوسلجين أوباسانجو أن نسبة الاقبال على الاقتراع تراوحت بين 30% إلى 35? من إجمالي من يحق لهم التصويت الذين يبلغ عددهم 13 مليون من شعب قوامه 36 مليون نسمة، وذلك في ضوء جدل داخلي في الاتحاد الافريقي بشأن جواز إرسال بعثة تابعة للاتحاد لمراقبة الانتخابات السودانية، وذلك على الرغم من توصية خبراء مجلس السلم والأمن الأفريقي الذي يرعي الحوار الوطني السوداني بضرورة مقاطعة الاتحاد لعملية مراقبة الانتخابات السودانية في ضوء فشل عملية الحوار الوطني التي شارك فيها الاتحاد الأفريقي نفسه.

وفي ضوء هذه المعطيات وما تمّ من مقاطعة للانتخابات من جانب الشعب السوداني – سواء بسبب مقاطعة الأحزاب السياسية السودانية لها أو الشعور باليأس من التغيير السلمي، فإن المشهد الإجمالي السوداني مفتوح على عدد من السيناريوهات التي يعد بعضها خطير للغاية وقد يكون له تأثيره على الجوار الإقليمي وخاصة مصر والتي تدعم حاليا نظام البشير نظرا لحاجتها لتحييد دوره الداعم لفريق فجر ليبيا وأيضا مكافأة له عن ابتعاده عن محور قطر إيران ومشاركته في عملية عاصفة الحزم وذلك مع إعطاء فرصة للمجتمع المدني المصري والرأي العام في التعبير عن رفضهما للعملية الانتخابية السودانية كما تمت.

ومن بين أهم السيناريوهات المتوقعة: أولا احتمال حدوث انقلاب عسكري في ضوء حالة التململ الواضحة داخل الجيش السوداني على الرغم من إقصاء حوالي سبعين ضابطا من القوات المسلحة السودانية قبل نحو شهرين، وقد جاء تحذير نافع علي نافع مساعد رئيس الجمهورية ونائب الرئيس في حزب المؤتمر الوطني الحاكم من وقوع انقلاب عسكري قبيل الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات بمثابة إنعكاس لواقعية هذا الاحتمال وفرصه في النجاح.

وفي سيناريو مواز تساهم عملية المقاطعة الشعبية للانتخابات في خلق تحديات داخل الحزب الحاكم ذاته خصوصا في ضوء صدمة عدم فوز أحد قادة المكتب السياسي لحزب المؤتمر، بلال عثمان بلال نيابياً، أمام مرشح مستقلّ. بما يشكله ذلك من آثار كبيرة على الحزب الحاكم، مما يمكن أن يؤدي إلى حدوث هزّة بداخله، وبما يمكن أن يترتب على ذلك من تغييرات كبيرة في قيادته، وترتيب البيت الداخلي ككل.

أما السيناريو الثالث المترتب على عملية المقاطعة الشعبية للانتخابات فيرتبط بإرتفاع سقف الاحتقان الشعبي ضد النظام بسبب عدد من المعطيات منها ماهو متعلق بالأزمة الاقتصادية المحتدمة، مع محدودية تأثير الدعم الاقتصادي الخليجي للسودان والمترتب على عاصفة الحزم وذلك في ضوء ارتفاع معدلات الفساد للنظام السياسي والدوائر المستفيدة منه. أما المعطى الآخر فهو عسكري يتصل بحملة الحكومة ضد الحركة الشعبية قطاع الشمال، التي تقود حرباً في جنوب كردفان والنيل الأزرق.

ومن المنتظر ألا تقتصر المتغيرات المترتبة على الانتخابات السودانية على الحكومة ولكنها قد تمتد إلى الأحزاب المعارضة. حيث بات من المتوقع أن تشهد هذه الأحزاب انفجارات داخلية مؤثرة خصوصا من الفئات الشبابية، وربما يكون حزب المؤتمر الشعبي برئاسة الترابي المرشح الأكبر لهذه المتغيرات في ضوء انتهازية سياسية مارسها حسن الترابي بتحالفه مع البشير لفترة محدودة انتهت مع تأكد الترابي أن أهدافه من التحالف من غير الممكن تحققها.

تعليق واحد

  1. على الرغم من إن الإعلام المصري في الغالب الأعم إعلام نفعي
    إلا أن الدكتورة آمال الطويل وفقت بدرجة كبيرة في هذا المقال.
    الذي عرض الوقائع بشكل سلسل مرتب مع تحليل موضوعي منضبط.
    برافو

  2. أقوى السيناريوهات المتوقعه في الايام القليله القادمه هو اندلاع ثوره شعبيه عنيفه وعفويه
    تنتظم كل انحاء السودان ينحاز لها الجيش فورا ومنذ لحظاتها الأولي ويحميها بكل امكاناته
    وسيتم القبض علي كل رؤوس الفتنه في السودان ابتداءا بالترابي والبشير وانتهاءا بأتفه كلب فيهم الا
    وهو الشحات مصطفي عثمان اسماعيل .

  3. اوافق انه مقال جيد على الرغم من ان الاعلام المصرى يتحرك بعيدا عن الاستراتيجية الرسمية المهانة للبشير آرجو الا ينخدع الموقف المصري في هذا البشير فهو اكذب من مشى على قدمين

  4. الكاتبة لاتريد للسودان خيرا ولذلك موجوع مفجوع للمواقف الشجاعة فى الاونة الاخير من سد النهضة وعاصفة الحزم فتارة تتحدث عن الانتخابات وتشهد بفوز المستقلين وتارة عن عدم نزاحة الانتخابات وهنالك تناقض فيما ذهبت اليه ولذلك نقول لها انما يحدث فى بلادها ليساقل خطرا ممايحدث فى السودان نرجوا ان تكونى موضوعية بقدر المستطاع.

  5. تقول الاستاذه اماني الطويل ان مصر دعمت البشير حتي يبتعد عن حركة فجر ليبيا وعن محور ايران قطر!!!

    يا سيدتي الفاضله مصر تدعم البشير لان نظام البشير البائيس منبطح تماما لمصر ,,, تنازل عن حلايب لمصر وفتح لهم حدود السودان لاحتلال مزيدا من الاراضي في شمال السودان ومنحهم اخصب اراضي السودان في دلتا القاش والنيل الابيض والازرق مجانا,, وسمح لصائدي الاسماك المصريين بالعربده في مياهنا الاقليميه في البحر الاحمر وبحيرة النوبه السودانيه وبحيرة سد مروي,,, وتعهد للفريق السيسي في مؤتمر شرم الشيخ بمنحه كل ما يريد من السودان,,,

    لكل هذه الاسباب مجتمعه مصر تدعم البشير وستساعده عسكريا ليبقي علي كرسي السلطه حتي تنال مصر مزيدا من التنازلات من البشير,,,

    مصر لاتهتم بما يجري لشعب السودان ولا تري في السودان سوي الاراضي الشاسعه الخصبه والانهار المتعدده والمياه التي يجب ان تذهب شمالا وليبقي اهل السودان جوعي وعطشي فمصالح مصر وشعبها لا يعلي عليها,,

    كم اتمني ان يتوخي ساسة مصر واهل الصحافه الامانه والصدق عندما يكتبون عن كل ما يجري في السودان ولكن عشمي كعشم ابليس في الجنه,,,

  6. إستراتيجية مصر منذ قديم الأزل السعى لإبعاد السودان عن المنظومة الدلية وعزله لممارسة كل الضغوطات علية
    ولكن ولى ذلك الزمان حالياً ظهر جلياً للخليجيين انهم راهنوا على السيسى الخاسر وكان اول إختبار عاصفة الحزم وظهر فيها النصب والمراوغة

  7. لو كانت كتبت عن مشهد بلدها مثل هذا الكلام لكان شمموها الهواء ولحقت الاخرين فى السجون فلذلك عندما تكتبى عن مشهدك حينها ممكن نقول ان ماكتبتيه على المشهد السودانى عادى فلذلك ننتظر منك ان تكتبى على المشهد المصرى ونرى عندها نصدق انك كتبتى حاجة ممكن تكون ذات معنى لذلك نصيحة ابدائى ببيتك ثم تعالى لبيت الجيران ولاتنسوا حلايب سودانية رغم انف المتخاذلين

  8. وماذا عن انتخابات رئيسكم العبيط الخسيسى الذى قاطع انتخاباته كل الشعب المصرى ماعدا بعض العواجيز فاضطر اعلامكم العاهر لان يهدد المواطنين بالغرامة ٥٠٠ جنيه لكل من قاطع الانتخابات. والله انتو شعب تحفة ولاعجب ان رئيسكم تفوق على عادل امام فى اضحاك الناس ( شاهدوا فى اليتيوب السيسى يقول: ياريتنى كنتا انا ). رئيسكم المسخرة هذا يفوز باكثر من ٩٠%, صحيح والله (ابو سن يضحك على ابو سنّتين)

  9. The original journalist,,is that who writes the facts regardless of his dirctions or his personal views…What Amal Tawil wrote is absolutly excellent

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..