فرنسا تحيي سياسة انحيازها المطلق للعرب ضد إيران

محللون: باريس لا تريد تضييع الوقت في التقرب من القادة الايرانيين، وهي تعرف أنهم لم ينسوا إلى اليوم دورها في هزيمتهم بحرب الخليج الأولى.
ميدل ايست أونلاين
صرامة في المفاوضات النووية ترضي السعودية
باريس ـ صحيح أن النهج الصارم الذي تتبناه فرنسا في المحادثات مع إيران وتحليلها المماثل لموقف دول عربية خليجية بشأن الأزمات الإقليمية، قد خلق روابط جديدة استراتيجية في الشرق الاوسط، سيتم تعزيزها عندما يحضر الرئيس فرانسوا هولاند قمة لزعماء المنطقة الأسبوع القادم.
لكن هذا الموقف الفرنسي القريب من العرب ضد ايران حتى وإن كانت مبرراته اقتاصادية، لايبدو جديدا تماما وإنما هو موقف قديم بعض الشيء يتم إحياؤها وإصلاحه بعد أن زالت نهائيا أسباب التوتر النسبي في العلاقة بين باريس والعواصم الخليجية، طيلة الفترة التي توترت فيها العلاقة بين هذه العواصم وبغداد خلال فترة حكم صدام التي أعقبت غزوه للكويت.
ويقول مراقبون إن هولاند بتأكيد اختيار دعم مصالح بلاده مع دول الخليج على حساب ايران إنما هو يحيي سياسة فرنسية قديمة في العلاقة بالمنطقة ليس إلا.
وكانت هذه العلاقة بدول الخليج قد تضررت كثيرا بسبب الموقف الفرنسي الذي كان يعتبر قريبا من نظام صدام، إذ استمات باريس في الدفاع عنه إلى آخر لحظة سبقت الغزو الأميركي للعراق في العام 2003، عندما احبطت مخطط الولايات المتحدة وبريطانيا لغزو العراق عبر قرار أممي، وهددت برفع الفيتو إذا تم تقديم هذا القرار ما دفع بوش وبلير إلى شن حرب 2003 خارج “الشرعية الدولية”.
وفي ثمانينات القرن العشرين، كانت فرنسا الدولة الغربية الوحيدة التي دعمت بصراحة وبوضوح العراق في حرب الخليج الأولى ضد ايران التي استمرت بين سبتمبر/ايلول 1980 وآب/أغسطس 1988. وذهب انحياز باريس للعراق إلى حد أنها رفضت بيع أي نوع من انواع الأسلحة لإيران على عكس ما قامت به الولايات المتحدة وبريطانيا وسويسرا وغيرها من الدول التي لم تتردد في تسليح الدولتين المتحاربتين.
ووصل الأمر بفرنسا إلى حد إعارة أحدث انواع طائراتها في سلاح الجو للعراق، وهي الطائرات التي كان لها دور بارز في استعادته لزمام المبادرة في الحرب التي بدا حينها ان طهران بصدد الانتصار في مراحلها الأولى.
وكان الموقف الفرنسي يعتبر عمليا داعما للموقف العربي المتمترس خلف العراق، إذ أن نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين كان في تلك الحرب يحظى بدعم الغالبية المطلقة من الدول العربية ومنها دول الخليج العربي قبل أن تتوتر العلاقات بنهاية الحرب العراقية الإيرانية وإقدام صدام على مغامرة غزو الكويت.
ويسافر هولاند الى الدوحة في الرابع من مايو/ايار لتوقيع العقد قبل أن يتوجه إلى الرياض بناء على دعوة من الملك سلمان لحضور قمة دول مجلس التعاون الخليجي في سابقة هي الأولى لزعيم غربي، حيث يتصدر جدول أعمال القمة قضايا مثل التدخل الذي تقوده السعودية في اليمن والحرب الأهلية في سوريا.
وسلط الضوء على العلاقات الفرنسية الخليجية المتنامية موافقة قطر الخميس على شراء طائرات مقاتلة فرنسية الصنع من طراز رافال في صفقة قيمتها 6.3 مليار يورو (سبعة مليارات دولار).
وقال دبلوماسي فرنسي كبير “إنها مهمة بالنسبة لنا لأنها تبين تقدير دول الخليج لاختياراتنا الاستراتيجية فيما يتعلق بإيران وسوريا والقتال ضد الدولة الإسلامية”.
وأضاف “لقد أظهرنا أنه يمكن الاعتماد علينا كشريك لا يتهرب من مسؤولياته في المنطقة”.
وتمسكت فرنسا – التي تملك حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن – بشروط صارمة بشأن إيران في أي اتفاق لتخفيف العقوبات على طهران مقابل مراقبة وتقليص برنامجها النووي.
ويقول محللون إن العلاقة الفرنسية الايرانية مبنية منذ ثمانينات القرن العشرين على عداوة واضحة، وإن باريس لا تريد تضييع وقتها في محاولة التقرب من طهران، بينما يعرف قادتها على اختلاف توجهاتهم السياسية أن القادة الإيرانيين ما يزالون يعتبرون فرنسا الدولة الغربية الأكثر مساهمة في هزيمتهم ضد عراق صدام حسين بتقديم دعم له غير محدود، مع ما لتلك الهزيمة من مرارة في ذاكرتهم لم تمحها الايام.
كما انتقدت فرنسا واشنطن بشدة قبل نحو عامين لتراجعها في اللحظة الاخيرة عن قصف سوريا بشان استخدام اسلحة كيماوية وهو قرار أغضب دول الخليج العربية.
وفرنسا جزء من تحالف تقوده الولايات ضد تنظيم الدولة الاسلامية في العراق وتنشر آلاف الجنود في غرب افريقيا يقاتلون جماعات مرتبطة بتنظيم القاعدة وتحتفظ بقوة بحرية متمركزة في الإمارات.
وتأتي زيارة هولاند إلى الرياض قبل عشرة أيام من سفر زعماء الخليج الى الولايات المتحدة لحضور قمة مع الرئيس الأميركي باراك أوباما.
وقال فرانسوا هيسبورغ المسؤول السابق بوزارة الدفاع والمستشار الخاص في مؤسسة الابحاث الاستراتيجية ومقرها باريس “تشتهر فرنسا بأنها أكثر صرامة من الأميركيين في المفاوضات مع إيران وهذا يمكن أن يرضي السعودية”.
وقال “أظهرت أنها تملك رؤية إقليمية وقادرة على التحرك حيثما وعندما تشعر أن ذلك ضروري”، مضيفا أن النية ليست تهميش الولايات المتحدة، وإنما تذكير واشنطن بأنها ليست وحدها في العالم.
وبدأت تحوّل باريس نحو دول الخليج – أولا في عهد الرئيس نيكولا ساركوزي والآن في عهد هولاند – يؤتي ثماره.
وخلال العام 2014 أبرمت باريس عقودا عسكرية تزيد قيمتها على 15 مليار دولار في المنطقة. وقال مسؤولون إن قمة الرياض ستشهد المزيد من المحادثات الثنائية بين فرنسا ودول منفردة بشأن العلاقات التجارية.
وقال اريك ترابييه الرئيس التنفيذي لشركة داسو التي تصنع الطائرات رافال “أصدقاؤنا الأميركيون منافسون أشداء وتتسم دبلوماسيتهم بكفاءة شديدة لكن فرنسا تعرض دبلوماسية بديلة”.
وقال ترابييه “لديها مصالح استراتيجية وثيقة مع بعض الدول ومع تقديم طائرة مقاتلة جيدة فإن الحظ سيكون مواتيا”، مضيفا أن هناك محادثات مع دول خليجية أخرى لبيع طائرات مقاتلة.