مظاهر جديدة في السياسة العربية

مظاهر جديدة في السياسة العربية
غازي العريضي
كتبت عن التجربة المغربية، وعن الإصلاحات هناك والعلاقة بين الحكومة الجديدة والملك. وفي تقديري هي تجربة كرسّت نوعاً من الانسجام والاستقرار حتى الآن.
لم ولن يتوقف النقاش حول هذه المسألة في ظل المتغيرات التي تشهدها المنطقة.
ولكن الذين يريدون التمسك بأنظمتهم ومصالحهم ينبهون إلى حضور الإسلاميين، وذلك للتخويف منهم. ولمخاطبة الغرب والشرق وبعض العرب، وربما إسرائيل بالاستناد إلى معادلة: “نحن أفضل لكم… وللاستقرار من هؤلاء المتطرفين والإرهابيين”.
وبطبيعة الحال، يلعب هؤلاء على وتر الأقليات وضمان حمايتهم واستقرارهم واستمرارهم على أرض دولهم، وفي هذه المنطقة من خلال اعتبار أن الإسلاميين خطر عليهم.
يجب الاعتراف أن بعض الممارسات والمظاهر الجديدة في الحياة السياسية العربية وبعض الخطاب ترك أثراً سلبياً، خلف مخاوف، وبالتالي ساهم في وجود حالة نفسية سياسية ذهنية عند فئات معينة من الناس تقول: “بين هذا النظام وهذه الفئات المتطرفة المقلقة… يا سيدي ليبقى النظام”. أو بين هذه الفئات المتطرفة وتلك الأكثر تطرفاً. فلتكن الفئات الأولى حتى إشعار آخر (كما حصل في التصويت في مصر بين السلفيين والإخوان المسلمين).
خلال الأيام الماضية، حصل أمران مهمان : الأول تجسد في خيار حركة “النهضة الإسلامية” في تونس بزعامة “الغنوشي”، والذي أكد تثبيت الفصل الأول من دستور عام 1959، وأثار جدلاً في بعض الأوساط الإسلامية. هذا الأمر يعني عدم اعتماد تونس الشريعة الإسلامية في الدستور الجديد. مما أزال مخاوف ورسم خطاً بيانياً واضحاً للمرحلة المقبلة. والعبرة في التنفيذ بالتأكيد. لكن الخطوة مهمة.
وقال الغنوشي: “إن التمسك بمبدأ اعتماد الشريعة في الدستور كان سيقسم التونسيين إلى صف مع الإسلام وثانٍ مع الشريعة”. وأضاف: “بعض الدساتير المشرقية ينص على أن الشريعة هي المصدر الوحيد للتشريع. ولكن سياساتها انتهت إلى خروج الناس إلى الشارع وإلى ثورات أطاحت بأنظمتها السياسية”!
وانتقد “الغنوشي” تجارب تطبيق الشريعة بالقوة. وقال إن معظمها كان مآله الفشل. وذكر السودان والصومال وأريتريا التي دخلت أنظمتها على شعوبها من باب الخطر والتخويف وفرض القوانين بالقوة.
في هذا السياق يؤكد الرجل، رفض فرض أي أمر بالقوة. “لا إكراه في الدين”. ورفض تقسيم أبناء الشعب التونسي. وهاتان مسألتان مهمتان جداً وأمانتان غاليتان جداً. فما هي قيمة الأنظمة والدساتير والقوانين إذا كانت ستؤدي إلى تقسيم أبناء البلد الواحد وعدم الاستقرار واللجوء إلى القوة؟ وما قيمة الثورات أيضاً إذا كانت ستؤدي إلى هذه النتيجة؟
تونس بلد سياحي وفيه استثمارات كثيرة وكبيرة. والفصل الأول من الدستور الذي أقر عام 1959 أعطى مساحة واسعة من الحرية للناس. طبّعاً تكرس الأمر بالممارسة. التمسك به في زمن الجدل حول المستقبل والتخويف من وصول حركة “النهضة” إلى الحكم وخطر انعكاس ذلك على الحريات والاقتصاد والاستثمار والسياحة واستقطاب الرساميل هو أمر دقيق ولا بدّ من التعامل معه بكثير من الواقعية والدراية.
ومنذ حصول التغيير هناك وتكريس نتائجه في الانتخابات ثم في مصر لاحقاً ثم في ليبيا. قلنا ونكرر القول: إن الانتخابات الحرة النزيهة الديمقراطية هي التي أوصلت القوى الجديدة إلى الحكم ولا شك أننا سنكون أمام مرحلة انتقالية مهمة. سيكون فيها وحولها نقاش كبير. المهم أن هذه القوى هي أمام امتحان وتحدٍ كبيرين يتجسدان في المحافظة على الأمانة. أي في حماية المسار الذي جاء بهم إلى الحكم. أي في حماية حقوق الآخرين، وحرياتهم، حرية المعتقد والتفكير والممارسة السياسية للوصول إلى الحكم وممارسة تداول السلطة.
خطوة حركة “النهضة” اليوم مهمة سبقتها مبادرة الأزهر في مصر التي أكدت على صون الحريات. الأمر الثاني الذي حصل في الأيام الأخيرة هو الوثيقة التي صدرت عن “الإخوان المسلمين” في سوريا.
هي وثيقة سياسية مهمة تؤكد على قيام دولة مدنية في سوريا وعلى احترام حقوق الإنسان وحرياتهم. هذه الوثيقة لاقت استحساناً عند كثيرين. ولو كان القلق لا يزال قائماً عند آخرين في العالم العربي، وقد سمعنا تحذيرات من وصول “الإخوان” إلى الحكم، كما ارتفعت أصوات تتحدث في الاتجاه ذاته، وذلك استناداً إلى ممارسات “الإخوان” في مرحلة معينة أو مواقفهم السابقة.
في كل الحالات هذا نقاش طبيعي، ولا أدعي خبرة ومعرفة في علم الفقه، وفقه العلم الإسلامي والاجتهاد الإسلامي. أو قدرة على النقاش في ما بين الشريعة والإسلام. لكن في السياسة، أعتقد أن ما جرى وما صدر من خطوات ينبغي الوقوف عنده، والتعامل معه، ومواكبة ممارسة أصحابه التي عليها تتوقف الأحكام إنطلاقاً من التأكيد الدائم على ضرورة حماية الحريات الفكرية والسياسية والدينية، وأمن واستقرار المجتمعات وابتعاد عن ممارسة العنف واستخدام القوة لفرض الخيارات. وهذا يعني في الوقت ذاته، سقوط نظرية وإدعاء الأنظمة في رفض التغيير وتبرير كل ممارسات العنف والترهيب والقمع وارتكاب المجازر وتدمير الدولة ووحدة مؤسساتها والمجتمع ووحدة أبنائه تحت عنوان مواجهة المتطرفين.
– “الاتحاد” الإماراتية