أخبار السودان

السودان? البشير يدشن حقبة استبداد جديدة

خالد الاعيسر

نامت الخرطوم ومعها بقية مدن السودان يوم إعلان نتائج الانتخابات التي جرت موخراً ليلة أخرى من لياليها الحزينة، التي طال أمدها منذ وصول حكومة الإنقاذ للسلطة قبل أكثر من ربع قرن، على الرغم من أن الفوز الأخير للرئيس عمر البشير لم يكن مفاجئا إلا أن ذلك لم يخفف من خيبة الأمل التي عمت الشارع السوداني.

ومن زاوية أخرى، فإن فقدان الرئيس عمر البشير للمشروعية الأخلاقية، كان العنوان الأبرز، وأهم خلاصات العملية الانتخابية التي عززت بصورة واضحة حقيقة ومدى فساد الحزب الحاكم وقدرته على تزوير الإرادة الشعبية السودانية، في سعيه للحصول على صيغة حماية من الجرائم التي اقترفها النظام في حق الشعب السوداني، والتي من المؤكد أن مرتكبيها سينالون عقابهم «يوماً ما» يرونه بعيداً والتجارب البشرية تؤكد أنه قريب.

والحق أنه، وكما كان متوقعا، فقد جاءت لحظة إعلان نتائج الانتخابات، بدون أيما إثارة أو توقعات تنبئ بحدوث مفاجآت في عملية قاطعها غالب أبناء الشعب السوداني، وشكك في مصداقيتها العالم الديمقراطي بأسره، إلا أن الأمر الجديد هو أن القائمين على أمر النظام الحاكم في السودان اتخذوا منعطفاً جديدا بعد أن استشعروا الخيبة والفشل التي رسمتها المقاطعة الشعبية الواسعة للعملية الانتخابية، التي قدم فيها الشعب السوداني درساً قاسياً للرئيس عمر البشير وحزبه، الأمر الذي انعكس بصورة واضحة في كلمة الرئيس أمام أنصاره في مقر حزب المؤتمر الوطني، عقب إعلان فوزه، حيث ابتدر الرئيس حديثه وكأنما يخاطب نفسه بالقول «نحمد الله أن الشعب السوداني قدم درسا في الأخلاق والنزاهة، وفي الشفافية والحضارة، في الانتخابات، وليس غريباً أن يقدم هذا الدرس، لمن يفكرون بأنهم أوصياء على أهل السودان».

الواقع أن الشعب السوداني قدم هذا الدرس «البليغ» من خلال المقاطعة، كرها في نظام البشير وليس حبا فيه. ثمة استدراكات كان بإمكان الرئيس عمر البشير أن يقلب بها الطاولة ليوقف تناسل المحن السودانية المتعاقبة، ويصبح بذلك زعيما له كسب إيجابي يمكن أن يمحو به بعض سوأته الكثيرة المدونة في كتابه الحافل بالفشل والإخفاق، ذلك لو أنه تحدث بروح جديدة لمعالجة القضايا القومية بإيجابية تخدم مصالح الشعب السوداني بعيدا عن دائرة الانتماء والانتقائية، التي رسخت لها حقبته، إلا أن الرئيس عمر البشير وكما العهد به دائماً لا يحسن إلا العنتريات والتحديات، جاء مخاطبا شعبه بأسلوبه الفج وعشوائيته المعهودة، ليرسم ملامح مرحلة جديدة تحمل الجينات ذاتها التي اتسمت بها سياساته الهوجاء طوال ربع قرن، والتي أسهمت في حالة التردي التي يعيشها السودان اليوم؛ بدلا من مراجعة السياسات الداخلية والخارجية والانفتاح على العالم وعدم استخدام المفردات التي تؤسس لمعاداة الدول الأوروبية وأمريكا على وجه الخصوص.

ما من أحد توقع أن تغير الانتخابات في المشهد السياسي شيئا، رغم الإصرار الكبير الذي مارسته الحكومة لقيامها، ومناداة قوى المعارضة بضرورة تأجيلها، وبالتالي فقد بدأ النظام بعد انتهائها أكثر ميلا لاستدراك سريع ينشط بموجبه ملف الحوار الوطني مع القوى السودانية المعارضة، وقد تسربت أنباء في السياق تفيد بأن الحكومة ستعمل على استيعاب جميع القوى السياسية في الوزارة المقبلة، بما فى ذلك حزب الأمة القومي وزعيمه الصادق المهدى، وحزب المؤتمر الشعبي.

المؤكد أن قياديي الحزب الحاكم واجهوا عاصفة غضب من الرئيس عمر البشير فى اليوم الثانى للاقتراع، كنتيجة لتداعيات المقاطعة الشعبية وتدنى نسبة المشاركة، وترجح المعلومات من الكواليس المغلقة أن الرئيس كرر هيجانه وشتم أعوانه فى الاجتماع القيادى، الذي سبق إعلان النتائج؛ ربما لأنه استشعر أن بعضهم قصد إحراجه وتلقينه درسا، لا سيما في مركز دائرة الفريق صلاح قوش «مدير المخابرات السودانية السابق»، حيث رشحت انباء أن الفريق صلاح قوش تفوق على الرئيس في نسبة ما حققه من أصوات «باعتباره مرشح المؤتمر الوطني في الدوائر القومية» وبعدد كبير من أصوات أولئك الذين صوتوا في بطاقة «المرشح الرئاسي للحزب» الرئيس عمر البشير في الدائرة ذاتها، علما بأن البطاقات رغم اختلافها تمنح للناخب في اللحظة والمكان ذاتهما.

هناك أيضا تنبؤات تقول إن الرئيس قد يشرع في التخلص مما تبقى من إسلاميين، عبر مشاركة سياسية أوسع تجمع حزب المؤتمر الوطني وغريمه المؤتمر الشعبي، وفق ترتيبات تمهد نحو تأسيس صيغة شراكة جديدة.

كل ذلك يأتي في ظل تحديات أمنية كبيرة تتستر خلف أقنعة الفرح الكاذب بالفوز «المزور»، حيث تبقى القضايا الجوهرية التي تعاني منها البلاد محتاجة لمعالجات عاجلة، ومن أهمها قضية الحرب في كل من ولايات جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور، فرغم النشوة التي يعيشها النظام هذه الأيام لخسارة حركة العدل والمساواة، إحدى جولات القتال، تبدو الأوضاع الأمنية المهدد الحقيقي لمستقبل الاستقرار في السودان، حيث لا تزال هناك قوات كبيرة تابعة للحركات المسلحة في إقليم دارفور، بما فيها حركة العدل والمساواة نفسها والحركة الشعبية لتحرير السودان في منطقة جبال النوبة وقوات أخرى مماثلة في النيل الأزرق، هذا عوضا عن خطورة الأوضاع في معسكرات اللاجئين في كل من جنوب كردفان ودارفور وتشاد وأفريقيا الوسطى، التي تعج بالملايين من أبناء الأقاليم الطرفية الذين تغلي نفوسهم بالغبن بفعل معاناتهم وذويهم طوال الأعوام الماضــــية، ولا ريب أن هؤلاء يشكلون تهديدا كبيرا لمستقبل الســــلام في السودان، طالما أنهم يعاملون بسياســة العنـــتريات التي ينتهجها النظام حاليا بخلفيات عرقية جهوية.
لا جديد في القول إن هذا الحريق الذي تصر قلة على إشعاله في البلد وشعبه سينقلب يوما ما إلى سيل من الانتقام والدمار والمحاكمات ما لم تضع الحرب أوزارها وفق معالجة جذرية لمشكلات البلاد، على أساس حوار وطني شامل تتوافق عليه النخب السياسية كافة، وينعم بموجبه الشعب السوداني بالعدالة الاجتماعية وبالفوائد والامتيازات ذاتها التي يجنيها البعض خصما من موارد الدولة «الشحيحة» واستنادا إلى هيمنتهم المرتكزة على القبلية والجهوية التي رسخت لها حكومة الإنقاذ.

المشهد السوداني بعد الانتخابات يقود للسؤال، ألم يكن من الأوفق والأفيد لو أنفقت الدولة تلك الأموال الطائلة التي أهدرت في عملية انتخابية يائسة وفاشلة في التنمية البشرية والاقتصادية والاجتماعية والتعليم والصحة وتفكيك معسكرات اللاجئين حتى يخرج السودان من كبواته وأزماته السياسية الكثيرة.

النظرة الموضوعية للأوضاع في السودان تقول إن الرئيس عمر البشير وبعد تزوير حزبه الأخير للانتخابات، استحق لقب «الرئيس الذي دمر السودان» بلا منازع، لعدم اكتراثه بمعاناة شعبه الناجمة من العقوبات الاقتصادية والغرامات الدولية، حيث تؤكد الأرقام أن إمعانه في حماية نفسه من سيف العدالة المسلط علي رقبته، بموجب المذكرة الصادرة في حقه من المحكمة الجنائية الدولية، أفرز واقعاً متردياً، وليس أدل على ذلك، من قضية ديون السودان البالغة 48 مليار دولار التي رفضت الدول الكبرى إعفاء السودان من سدادها في ظل بقاء الرئيس «المطلوب»، علما بأن السودان يستحق الإعفاء من هذه الديون منذ تاريخ انفصال الجنوب، ولا ننسى أيضا أن العقوبات الأمريكية تكلف السودان سنويا مبلغ 745 مليون دولار.

الخلاصة أن الرئيس عمر البشير لا يزال في غمرة احتفالات كاذبة بفوزه، أصدق ما فيها تميزه وقدرته على الرقص أفضل من كل الرؤساء الذين سبقوه، ولكن حتى مهارة الرقص هذه لن تشفع له في يوم سيرقص فيه الشعب ابتهاجا بانتهاء عهده الاستبدادي، وكما يقول اينشتاين «لا أعلم بأي سلاح سيحاربون في الحرب العالمية الثالثة، لكن سلاح الرابعة سيكون العصي والحجارة».
المؤكد أن الرئيس عمر البشير لن يجد يومها لا عصيا ولا حجارة يقاتل بها شعبه، وإن غداً لناظره قريب.
٭ كاتب سوداني
القدس العربي

تعليق واحد

  1. ده كمان طلع من وين أتدهنس وعلق الأحذية وبقى مدير قناة النيلين وأول ما شاتوهوا قلب حقا الأختشوا ماتوا عملتها شينة يا خلودى

  2. صديقي فلتنصت لأفكارك جيدا تلك التي تهمس لك بتجريد المستور لا كشفها بحياء بتول في المره المقبلة،ولتردف أرقاما أكثر لحقائق فاضحة مازالت معتمة.
    الأنتخابات كشفت العدد الحقيقي للجناح المستعد لتقديم تضحيات غير مضمونة ومرهونة بكذا عامل من أجل حماية البشير،وهذا بالأمر الذي لا يكشف فقط مدى ضآلة حجم هذا التيار،بل يكشف فقدان قدرة المؤتمر الوطني وحلفاؤه على الحشد بالميدان ككتلة موحدة و واحدة كما كان الحال بالسابق،ويكشف حجمهم الطبيعي اليوم،والمثير للسخرية بأنه كشف عن بعض تسريبات اجتماعات النظام والحركات المسلحة المعارضة،وبعض الخصوم التقليديين كلا على حدا!بالقوى الأقليمية والدولية التي شرعنت هذه الأنتخابات بأستحياء من أجل غايات وأجندات.
    وليست فقط أوصاع اللاجئين بالمنطقة بل أوضاع الدول المحيطة بالسودان كلها تشكل خطرا لسلام السودان والمنطقة،ولكن في حقيقة الأمر كل المؤشرات على الأرض وخلف الكواليس تشير بأن الصدام المحتدم الذي لا مفر له بين اللذين ظلو لاعبين على مدى ثلاثين عاما بالمشهد السياسي السوداني قد بدأ العد التنازلي بمجرد انطلاق الأنتخابات،وبعد أن تباينت وتشرذمت مصالحهم ومواقفهم وأجنداتهم وبدأت تصعد على السطح،أصبح كلا يبحث عن مصالحه بمن فيهم البشير نفسه الذي أدرك بأن مصيره في خطر من الداخل قبل الخارج،وبعد أحداث سبتمبر أصبح الجميع يعول ويراهن على الشعب لأنه ثابت غير متغير بمن فيهم جهاز الأمن نفسه!بأستفزازاته المتكررة فهو الآخر تملؤه الأنقسامات،لذا يحاول الجميع اليوم اعادة المشهد السياسي الذي كان بمطلع التسعينات لأنهم يدركون أن النتائج لن تكون نفسها ولكنه المخرج الوحيد لمن يريد أن يتنصل وينقذ نفسه أو يحمي مصالحه أو مكاسبه،وطرد البشير للمنظمات وقوات اليوناميد الذي هو في واقع الأمر رحيل،ماهو الا من أجل الصدام الذي سيجدث بالبيت السوداني السياسي.

  3. لله درك يا خالد الاعيسر،، أوجزت وأبنت ،،سر وعين الله ترعاك، وحتماعً سيموت الحوت ،،، كسرة: العاجبني للمعفننيين لافاسدين الحرامية ديل انهم ما ارتاحوا ولن يرتاحو منذ بدأوا النهب بسرقة السلطة وساتمروا في اذلال الشعب ارضاء لعقد عندهم لن تزول وأحاطوا نفسهم بمجموعة من المسترزقين والنفعيين من شذاذ الآفاق مثلهم،،

  4. خلق الله الانسان وحباه من النعم ما لا يعلمه الاهو من بحار وانهار وبترول الخ…….
    المهم فعدد الدين يعبدونه من البشر لا يتجاوز ال40% فى احسن الاحوال(مسلمين -مسيحين يهود) دون التدخل فى مدى انحراف اى من منتمى هده الديانات السماوية والبقية من سيخ وهندوس وبوزييين وكونفوشيين الخ………… لم يسمعوا به حتى.
    خلق الله الرحمة فادخر 99% وانزل ال1% لخلقه ليتراحمو بها.
    اجرى عمر البشير العائد الى الديمقراطية انتخابات ففاز بما نسبته 94.05 % وترك ال5.95% لبقية المترشحين ليحمدوه على صنيعه بهم وطبعا من نعم البشير على اهل السودان انه هداهم طريق الهوت دوق مع بعض الدروس الانكليزية الرصينة لمعلم الاجيال العبقري الاستتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتاد اللمبى 94.05 قيقا.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..