صناعة الفخار في السودان.. مقاومة رياح التغيير.. تراث متجدد

الخرطوم – عودة سعد
ظلت صناعة الفخار تحتفظ برونقها القديم في السودان رغم الحداثة، والناظر لها في الآونة الأخيرة يجدها قد دخلت عليها أشكال متجددة من الجماليات المستحدثة من الطبيعة.
درج البعض بالتوجه لصناعتها باعتبارها نوعاً من أنماط الفنون، علاوة على أنها تجسد لوحة تشكيلية أو نحتاً لشكل من أشكال الطبيعة، فضلاً عن أنها باتت محط أنظار العديد من السياح.
أشكال متعددة
وتشمل هذه الصناعة العديد من المنتجات من بينها (الأزيار والقلل والأصايص والرسومات لأشكال الحيوانات وأدوات الزينة) وغيرها، ويعد معدل الإقبال عليها كبيراً وغالباً ما تتم صناعتها على مقربة من ضفاف النيل. وتشتهر منطقة (القماير) بمدينة أم درمان بصناعة الفخار، وتنتشر فيها العديد من المصانع المخصصة لمزاولة هذه المهنة، ويعمل العشرات على تصنيع العديد من الأواني المصنوعة من الطين عن طريق اليد أو عن طريق العجلة، وهي آلة تًدار بالقدم عبر السيور.
تاريخ عريق
وفي السياق، عمل يوسف الحاج محمد في مجال صناعة الفخار منذ فترة طويلة، ولم يمتهن أي مهنة أخرى سواها، حيث يقول لـ (اليوم التالي): وجدت نفسي فيها منذ نعومة أظافري، مؤكدا أن الفخار ذو تاريخ عريق بمختلف الحضارات القديمة منها والحديثة. ويشير يوسف إلى أن صناعة الفخار تعتمد على المهارات الفكرية في المقام الأول، بجانب السرعة في التشكيل والأداء. وأضاف أنه عندما يشكل نوعاً من طين الفخار وينتهي منه يشعر بالفرح، ويعد نفسه قد أنجز شيئاً ما، ويؤكد محدثنا بأن الفخاريات جزء أساسي في الفلكلور السوداني الموغل في القدم والعراقة، ويدلل على ريادة صناعة الفخار السوداني بأنها تحظى بإقبال ورواج لافتيْن للانتباه عند معظم السياح، لأن الفنان عندما يقوم بتشكيل الفخار من التربة يترك لمسات جمالية في منتهي الروعة.
طين البحر
وعن التربة المستخدمة في صناعة الفخار، قال: يوسف بأن هناك أنواعاً معينة من التربة تستخدم في الصناعة، وهي طين البحر الذي يصفي حتى يكون خالياً من الرواسب. ويضيف: تعتمد على تجهز التربة، بحيث يضاف جزء من الرمل الناعم ويوضع في بركة كبيرة، ومن ثم يصب الماء، ويبدأ العمال في الخلط حتى يكون ذا قوام مناسب، بعدها يوضع الطين في أحواض كبيرة، ويقطع إلى قطع بحسب الحجم المطلوب، وينقل إلى الدواليب أو القوالب الخاصة بها، ثم تبدأ بعدها مرحلة صنع الأوانى الفخارية وأدوات الزينة، وينقش عليها حسب النظرية أو الكيفية التي يراها الفنان.
داخل الأفران
وأردف يوسف بعد تلك الخطوة تدخل الفرن ودائماً ما يعتمد أصحاب مصانع الفخار على أفران تعمل بالطريقة القديمة التقليدية باستخدام الحطب، وتبنى الأفران أيضا من الطين على شكل كوخ مغلق وبه فتحتان، إحداهما أرضية لإدخال الحطب وإشعال النار فيه، والأخرى فى أعلى الفرن لإخراج الدخان وتبلغ درجة حرارته 750 – 800 ويظل بها لمدة ثلاث ساعات، ويمكن الاعتماد عليها بعد يومين من الحرق، وبذلك تكون صالحة للاستخدام والتلوين على حسب طبيعة النوع. ويرى يوسف بأن هناك ركوداً في شراء الأواني المنزلية، ويتجه معظم الذين يرغبون في شراء الفخار إلى أدوات الزينة.
قلة العمالة
ومع إن سوق الصناعات الفخارية لا يزال يستقطب عدداً لا بأس به من المهتمين بالتراث والموروثات القديمة، إلا أن أصحاب المهنة في السودان يشكون من عدة صعوبات تتمثل في قلة العمالة المهرة لمهنة تعتمد أساسا على الخبرة والمهارة العالية، كما أن العائد المادي لصناعة الفخار لم يعد كافيا لمواصلة هذه المهنة، إذ يباع معظم المنتجات الفخارية، بما يعادل أقل من خمسة جنيهات سودانية، ولقد تطورت هذه الأدوات ودخلت عليها الحداثة، لأنها أصبحت مهنة تدرس في الجامعات، ولها إقبال لعدد من الطلاب ومعظمهم الذين درجوا في امتهان هذا العمل هم من خريجي الفنون الجميلة الذين وضعوا بصماتهم من الإبداع في تشكيل وتزين ونحت الأواني الفخارية بالبوهيات الملونة والزيتية، وإضافة بعض اللمعان التي تعطي الأواني منظراً جميلاً يسر الناظرين
اتليوم التالي