أخبار السودان

الحبيبة الوطن: في سيرة الشعر الرمزي.. عازة ما بنوم الليل محال

الخرطوم- نمارق ضو البيت

“عازه في هواك/ عازة نحنا الجبال/ وللبيخون صفاك/ عزه نحنا النبال”، هذه العازة لم تكن سوى رمز للوطن في زمن الاستعمار، فقد لجأ الشعراء في ذلك الزمان لاستخدام مفردات رمزية يستطيع فهمها الشاعر والشارع في ذات الوقت.

يدعون من خلالها للنضال والتضحية من أجل الوطن بعبارات مغلفة بستار الحبيبة، وعلى سيبل المثال فقد قال عاطف خيري “خضرا/ ويانعة/ وحزنك سبيب/ كأنك هلال البنات الخصيب/ أحبك إذا ما ترجي الحليب/ وتسقي كأنك ولدتي الحبيب”، ويمضي إلى أن يقول: “بلاد أنجبتني وقالت غريب”، متجهاً لتغليف الوطن بستار الحبيبة كما يفعل معظم شعراء هذا النوع من الشعر.

مقاربات شعرية

يلجأ البعض لتسمية الوطن بالحبيبة التي يصفها كل شاعر كما يراها، تلك التي يحق لها ما لا يحق لغيرها، وتظل اتهامات تحوم حول شعر الرمزية بأنه ذو جماهيرية صفوية وله فئة خاصة يعنيها بتوجيه رسائله، وقال بعض البسطاء بأن هذا النوع من الشعر موجه لشريحة المثقفاتية في البلاد، رغم تناوله للقضايا القومية وهموم المواطن البسيط، إلا أن هنالك عدداً من هؤلاء البسطاء قالوا إن هذا النوع من الشعر يستعصي فهمه بالنسبة لهم.

ترسبات في منطقة الإحلام

وفي السياق، يرى الشاعر الصادق الرضي أن الحديث عن (الرمزية في الشعر السوداني) بهذا الإطلاق أمر عسير للغاية، وربما يقتضي الأمر تحديدا أكثر، فـ (الرمزية في شعر محمد عبدالحي) مثلا تختلف عنها في شعر (النور عثمان أبكر)، وربما يحتاج الأمر دراسة كاملة في تجربة أي من الشاعرين، على حده، وربما نحتاج أيضا أن نحدد أي (رمزية) نعني، ونحن نتحدث عنها في الشعر، والشعر هو ضرب من الإبداع يرتبط جذريا مع علوم ومعارف إنسانية متشابكة، فلا يمكن دراسة الإبداع الشعري على العموم بإغفال ارتباطه بما هو فلسفي، أو إغفال المعارف اللغوية المختلفة التي تعد هي مادة الشاعر (الخام) التي يعمل عليها لإنجاز عمله، لا يقتصر الأمر بالضرورة على الشعر السوداني المكتوب باللغة الفصحى، وكما نعرف أن الشعر السوداني المكتوب بالدارجيات أو العامية لا يقل خطرا وتأثيرا عن رصيفه المكتوب بالفصحى.

طبيعة الإبداع

واستطرد الرضي قائلا: حاجة الشاعر لاستخدام الرمز، في كل الأحوال، تنبع من طبيعة الإبداع الشعري التجريدية نفسها، وليس هناك شاعر خلت تجربته الإبداعية مطلقا من هذا البعد، وفي السياق لكل شاعر منظومة خاصة من الرموز، بالضرورة تمثل مخزونه النفسي والوجداني أيضا المعرفي، وهي منظومة تنتج عن تراكم خبراته مختلفة المستويات في مسيرته الحياتية، دون أن نغفل ما يترسب في لاوعيه من مشاهدات حية أو من مترسبات في منطقة الأحلام والكوابيس، وبالطبع تعمل هذه المنظومة في نصوص الشاعر لتبلور بصمته الخاصة أو نفَسَه وصوته الخاص الذي يتميز به بين الشعراء.

جمهور صفوي

“الشعر كلمة مباشرة واضحة تدخل القلب والعقل بلا استئذان على رأي أم كلثوم كوكب الشرق”.. هكذا ابتدر الشاعر الكبير إسحق الحلنقي حديثة، وأضاف قائلاً: والمفردة الشعرية عموما هي الكلمة التي تخاطب القلوب، أما الشعر الرمزي فقد ظهر في السودان مع حقبة الاستعمار، وكان شعراء الحقيبة يلجأون لاستخدام هذه المفردات الداعية لمناهضة الاستعمار بصورة مستتره خوفا على حياتهم، وهذا يوضح أن الصدام الرمزي ظهر في الأغاني الوطنية ظهر لمجابهة الظلم الاستعماري. وأضاف: لكن في رأيي الشخصي أن الكلمة الغنائية أو الشعرية يجب أن تكون واضحة، وأن تكشف عن وجهها الحقيقي كي يستطيع عامة الناس من التعرف عليها، ولو وضعنا الشعر الرمزي في مقارنة بالشعر المباشر، سنجد أن الأول هو شعر سياسي يتجه لتناول القضايا والآثار المترتبة على المجريات السياسية. أما الشعر المباشر، فهو نمط تغلُب عليه الرومانسية ومخاطبة الأمور العاطفية، له وجه واحد وابتسامة واحدة موجهة لشخص واحد، أي أنها مشاعر غير قابلة للتأويل أو الاجتهاد، كما يحدث في الشعر الرمزي الذي يتهم بأن له جماهيرية صفوية.

تجارب سودانية

ويمضي الشاعر الصادق الرضي قائلا: ونجد أن تجربة شاعر مثل محجوب شريف تكتظ برموز معينة، يمكن للناقد الذي يرغب في دراسة نصوصه أن يلتقطها بسهولة، ومن ثم يعمل على تفكيكها نقديا لإضاءة تجربة الشاعر وإنتاج معرفة بنصوصه، وذات الشيء يمكن أن نلحظه في تجارب شعراء مثل محمد الحسن حسن سالم حميد، وعمر الطيب الدوش وهاشم صديق وعاطف خيري وعثمان بشرى، وغيرهم من كتاب الشعر الرمزي، وأضاف: نحن أمام مسألة غاية في التعقيد نحو أن تقارب بهذا الإطلاق، ولابد لمقاربتها من تحديدها في سياقات معينة، تمكِّن من إنتاج معرفة بنصوص شعرائنا من مختلف الأجيال، وهذا ما ننتظره من نقادنا الأفاضل.
اليوم التالي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..