وبالوالدين إحساناً..!!

الخرطوم : مصعب الهادي -حفيظة جمعة
عقوق الوالدين ظاهرة في طور التفشي تأكل في المجتمع من الخلف،أحدتث بتسلسلها الكثير من المشكلات نظراً لكثير من المسببات، أولها الأسى الذي يتركه الابن العائق لوالديه من وصمة عار، فانتشارها أربك الكثير من الأشياء التي لم يكن يعرفها المجتمع السوداني، خاصة ذلك الذي تسرده جنبات المحاكم من قضايا يكون فيها الابن قاتلاً لأبيه أو لأمه، ينبيء عن التهاون في كثير من الأمور الدينية والاجتماعية التي يخضع لها المجتمع من تبادل الاحترام بين أفراد الأسرة خاصة للوالدين، قليل من كثير سقناه خلال تحقيقنا هذا في حكايات أشبه ماتكون من الخيال:
جرائم هزت المجتمع
بالنظر في سجلات المحاكم، تملأ الأحبار العديد من القصص الحزينة التي تدمي القلب بالأسى، لعل من أهمها ما تداول في محكمة الحاج يوسف والتي نظر في أمرها مولانا عباس أحمد خليفة، إبان شهر مارس المنصرم عندما قام أحد الأبناء بقتل والدته نظير مبلغ مالي لا يتجاوز الـ”10″ جنيهات، فبدورها لم تأبه لطلبه وعلى الفور قام بتسديد طعنات قاتلة في صدرها، وفر بعد أن تركها في بركة من الدماء دون أي رحمة منه تصارع الموت على الأرض، تلك القضية هزت الكثيرين بأن يقوم ابن بقتل والدته بغرض الحصول على المال بأي طريقة إرضاءً لنفسه ويدفع ثمنها أعز وأحن الناس إليه. لم تقف قضية العقوق عند ذلك في محكمة الحاج يوسف، لتتلوها أخرى أيضاً هزت أهل تلك المنطقة ففي شهر فبراير أيضاً وفي الجلسة التي ترأسها القاضي “عمر أحمد”، فصلت المحكمة في حكم أحد الأبناء الذي قام بقتل أبيه بحجة أنه يتحدث بكثرة، واضعاً خلفه ما قام به طوال سنوات تعب إعاشته وتربيته يوماً تلو يوم، فالابن لم يعجبه حديث والده فقام بلكزه على الأرض فأصيب بنوبة قلبية أدت لوفاته لحجم الجروح التي تعرض لها، مجمل تلك الأسباب دفعتنا للغوص في أسباب عقوق الوالدين وأثرها في المجتمع السوداني خاصاً أنها عادات دخيلة علينا ولا تشبه واقعنا الاجتماعي.
من دار المسنات
كان مدخلنا الأول “دار المسنات” بالسجانة، نتقصى في حكايتهن، ففي جلسة حول دائرة بفناء الدار يتحلقن في جلسة تواسي كل منهن الأخرى، بدورنا دلفنا واقتحمنا حكايتهن، لم يخفن حالهن، توزعنا على كل واحدة على حدة نجتر معها شريط الذكريات في محاولة لتخفيف حدة الألم ولو قليلاً، كان أول مابدأت بالحكي وقالت : كنت أسكن بأمدرمان أنا وزوجي، ولدينا ابن وحيد، تدرج مع مرور الأيام، وفجأة توفي زوجي، ونظراً لوحدتي تزوج ابني، ومع الأيام شيئاً فشيئاً طرأت تغيرات في معاملته لي وسببه متطلبات زوجته، بعدها بفترة انفصل عنها وسافر إلى السعودية، في تلك الفترة ظللت في وحدة وانقطع اتصاله عني، ثم فترة اتصل بي وعندما أجبته ألح عليَّ بالذهاب إلى دار المسنات بحجة تشطيب المنزل واستمر على هذا الحال لسنوات، لتضيف: ترامى إليَّ أنه يأتي في كل عام زيارة، والآن يود أن يتزوج من أخرى، توقفت برهة -أدمعت- واسترسلت في الحكي وقالت: أنا تعبت والمعاملة هنا صعبة، أود أن أعود إلى المنزل حتى ولو أعيش في وحدتي.
المناضلة المنفية
أخرى تبدو ملامحها من غرب السودان، لتؤكد ذلك لكنتها، تجلس في سجادتها حاملة مسبحتها، فبعد أن أدت فرضها، أفحصت عن حكايتها دون أن يطلب منها شخص ذلك، فبحسب مديرة الدار تعاني من الزهايمر “الخرف”، تملكنا أنفسنا وجلسنا إليها نقلِّب في حكايتها، فبعد أن -أخذت نفساً عميقاً- بادرت بالحكي وقالت إنها عاصرت فترة الاستعمار، وزج بها كثيراً في السجون وذاقت في ذلك ألواناً من العذاب، بين ذلك سألناها عن أبنائها فأجابت قائلة : لديَّ أكثر من 7 أبناء، كانوا ضمن العساكر الذين قدموا أنفسهم للحروبات إبان حرب الجنوب، توفي معظمهم، وأتى بعد الحرب اثنين ممن نجوا إلى الخرطوم، جئت باحثة عنهم ولكن انقطع بي الأثر… من بعدها ذهبت ولم تكمل لنا بقية القصة، أيضاً لم نكمل بقية الحكي مع الأخريات نظراً للمديرة التي طلبت منا ذلك، بعدها خرجنا، ولم تكتمل كثير من المشاهدات داخل “دار المسنات” لكثير من التعقيدات التي يفرضها القائمون على أمرها.
شراسة وفظاظة
حكاية أخرى رواها لنا “أ” وذلك أثناء ما كنا نتجاذب الحديث عن عقوق الوالدين، أقحمت نفسها عنوة لتحكي عن حالتها، أيضاً في محاولة للتخفيف عما بها ومشاركتنا الحديث، وفي السياق قالت : أنا أقطن بمدينة جبل أولياء، لديَّ ابنتان وولد، زوجي متزوج من أخرى، ووجوده معنا بالمنزل كعدمه، نشأ ابني وسط أقرانه بالحي كغيره، ولكن بعد سن المراهقة تغيير كثيراً في معاملته معي وإخوانه، حين حاولت أن أعرف ما به يردني بالألفاظ السيئة ويجهر بها أمام الملأ، حاولت أن أتقرب أكثر بطريقة غير مباشرة، ولكن ليتني لم أفعل، فقد ازدادت شراسته تجاهي بالتحديد، حاولت أن أعرف مجدداً مابه وماينقصه خاصة وأنه على أعتاب الجامعة، اشتريت له ركشة كي يصرف علينا منها، لكن دون جدوى، فقد تفاقم أمره أكثر وتمادى أكثر بتعاطي الممنوعات، وبدأ يجهر مجدداً بسبي وسب العقيدة على أمام الملأ… “لم تكمل قصتها، لينقطع ماكانت تحاول أن تبوح به.
الجدار العازل
من جهة علم الاجتماع لمعرفة ماهي الأسباب التي أدت لانتشار مسألة عقوق الوالدين تقول الباحثة الاجتماعية بجامعة النيلين “أسماء جمعة”: إن عقوق الوالدين نتاج لاختلال عدة أشياء من أهمها التربية والتي تتشكل منها معاملة الوالدين مع الابن منذ الصغر نتاج عدم التوجيه السليم مما ينعكس على نشأتهم عند الكبر، فغياب هذا الدور هزا كيان الأسرة وساهم كثيراً في بناء جدار عازل بين الوالد والابن، إلى جانب ذلك تأتي الظروف الاجتماعية التي تعيشها الأسُرة، والتي يتعرض فيها الشباب إلى ضغوط مختلفة تجعلهم يتصرفون بطريقة غير منضبطة، بالإضافة لأصدقاء السوء بإنجراف كثير من الأبناء نحو التصرفات الشاذة من تعاطي للمخدرات، فما يحدث يمكن أن يتفاقم أن لم نلتفت نحو أبنائنا وشبابنا.
لا مبالاة
من ناحية نفسية أرجع الدكتور الزين النور الزين أن الأسباب النفسية التي تؤدي لأن يعق الابن بوالده كثيرة ولكنها تتمحور حول ثلاثة، من أهم الدوافع الغيرة من باب التمييز بين الأبناء أو مفاضلة أحد على الآخر مما يزرع التنافر والكره، أيضاً الدلال الزائد الذي يولِّد اللامبالاة وعدم تقدير الولد لوالده، ومن ثم الإدمان الذي يشكِّل نسبة كبيرة وسط قطاعات الشباب في الآونة الأخيرة، بجانب بعد الأسرة عن أبنائها في مشغوليات الحياة، ومن أضعف الأسباب الطمع حيال السيطرة أو الخوف من المستقبل الذي يدور في فلك الشخص ضعيف الإيمان والسلوك.
فوق القانون
من جهة أخرى حدثنا المحامى “محمد زين علي” وقال إنه من ناحية قانونية لا يوجد نص قانوني بعينه يجرم العقوق إلا في حالة استخدام القوة أو الاعتداء قانونياً، فبموجب القانون الجنائي لسنة 1991م يحاكم الابن تحت المواد 139 -142-143-144 وذلك في حالة تسبب الأذى الجسيم أو استخدام القوة الجنائية أو التلويح بمثل هذه المسائل، وتخلو تماماً المواد القانونية من أن يلزم الابن بالبر على والديه، لأنها أمور طبيعية تسيِّرها الفطرة ومن شذ عنها فعقابه من السماء.
غياب الوازع الديني
من ناحية دينية قال الشيخ “محمد بدوي” : إن غياب الوازع الديني يأتي من أبرز الأسباب التي أدت لانتشار تلك الظاهرة، وأضاف أيضاً من أهمها إهمال ذلك الدور داخل الأسرة، بجانب غياب دور المنصح والمهتم بشؤون الأبناء وتنشئتهم نشأة سليمة وصحية، وأكد على أن الانفتاح على العولمة الغربية وتقليدها بشكل أعمى يقف على ذلك الأثر الرجعي على الأبناء، ليقول : طاعة الوالدين من طاعة الرب، والتوفيق في الحياة هو البر، وأوصى بأن العقوق نهايته تفكك الأسُر وأوصى مجدداً الأسر أن تقف مع أبنائها وأنجالها قليلاً خاصة في هذا العصر.
//
التيار
وبرا بوالديه ولم يكن جبار عصيا
صدق الله العظيم
اللهم ارزقنا بر ابائنا وامهاتنا وارزق ابنائنا برنا