أخبار السودان

للولايات المتحدة مصلحة في نجاح العملية الانتقالية السياسية في السودان ولكن!

أشار وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، في معرض حديثه عن إنجازات إدارة الرئيس جو بايدن في السياسة الخارجية، إلى دور الولايات المتحدة في العملية السياسية في السودان قائلاً إن «الخارجية» ساعدت في التوصل إلى الاتفاق الإطاري لإعادة السودان إلى مسار الديمقراطية بقيادة مدنية.

وبالنسبة للعديد من المحللين الأمريكيين، هذا التصريح المثير للشفقة، هو الأحدث بين سلسلة من التصريحات الروتينية بشأن السودان، مع إشارات إلى أن واشنطن تعلم جيداً أن الاتفاق الأخير لن يتجه نحو مسار ديمقراطي بقيادة مدنية، ولكنها لا تستطيع سوى دعمه.
وعلى أي حال، ناقش المحللون الأمريكيون تاريخ العلاقات الأمريكية-السودانية في محاولة لإدراك ما تريده إدارة بايدن حقاً من النظام السوداني وما هي وتوقعات واشنطن بشأن المسار السياسي في البلاد.
في 30 تشرين القاني/نوفمبر 1997 أنهى تيموثي م. كارني، مهامه كسفير للولايات المتحدة في السودان، ولم يكن أحد يتوقع أن يمر ربع قرن تقريبًا إلى أن قدم السفير الحالي جون تي إلى القارة الأفريقية (بعد استقلال جنوب السودان في عام 2011 أصبح السودان في الوقت الحاضر ثالث أكبر دولة أفريقية بعد الجزائر وجمهورية الكونغو الديمقراطية).
وقد حدث الكثير على مدار ربع القرن الفاصل، حيث أرسل الرئيس الأسبق بيل كلينتون صواريخ كروز إلى العاصمة السودانية في عام 1998 ودمرت مصنعًا للأدوية يشتبه في أنه كان يصنع غازًا للأعصاب وربما كان متعاونًا مع أسامة بن لادن، وبعد أحداث الحادي عشر من ايلول/سبتمبر كثف الرئيس جورج بوش تعاونه في مكافحة الإرهاب مع المخابرات السودانية وكذلك المشاركة الدبلوماسية لإنهاء الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب في البلاد، ما مهد الطريق للانفصال السلمي النهائي لجنوب السودان.
وفي الوقت نفسه، أدى تعامل الخرطوم مع الصراع الجديد الذي اندلع في إقليم دارفور الغربي إلى فرض عقوبات إضافية وتوقيع بوش على تشريع يسمح لحكومات الولايات والحكومات المحلية بقطع العلاقات مع الشركات التي تتعامل مع السودان.
وشهدت رئاسة باراك أوباما استقلال جنوب السودان وانزلاقه السريع إلى الحرب الأهلية، ولكن إدارته واصلت عملية التقارب المتزايد مع السودان، وقبل أيام فقط من مغادرته منصبه، علق أوباما العديد من العقوبات التي فرضها الرؤساء الأمريكيون المتعاقبون على السودان، في واحدة من أبرز الأمثلة على استمرارية السياسة الخارجية بين إدارة أوباما وإدارة الرئيس دونالد ترامب، ومدد الأخير أولاً تعليق أوباما للعقوبات، ثم في تشرين الأول/أكتوبر 2017 رفع الحظر التجاري الذي دام عقدين من الزمن وغيره من العقوبات الاقتصادية تمامًا، ما فتح الطريق أمام الأفراد والشركات الأمريكية للقيام بأعمال تجارية مع نظرائهم السودانيين لأول مرة منذ جيل.
وبدأت الأمور تتغير بسرعة بعد انتهاء العقوبات الأمريكية وإعادة فتح الاقتصاد السوداني، حيث أدت الاحتجاجات التي بدأت أواخر عام 2018 إلى قيام الجيش بإطاحة عمر البشير، الذي استولى هو نفسه على السلطة في انقلاب عام 1989 بعد مواجهة طويلة اخترقتها أحداث عنف، وتم تعيين حكومة انتقالية مؤلفة من ممثلين عسكريين ومدنيين في اب/أغسطس 2019 وكان من المفترض أن تدير البلاد لمدة 39 شهرًا، وتحضر دستورا جديدا وتنظيم انتخابات، لكن بحلول أواخر عام 2021 انهار الترتيب وسيطر العسكر بالكامل، واعتقلوا في البداية بعض زملائهم المدنيين، بمن فيهم رئيس الوزراء عبد الله حمدوك. وبعد جهود دبلوماسية مستمرة لما يسمى «الرباعية» التي تضم السعودية والإمارات والولايات المتحدة وبريطانيا، وكذلك الأمم المتحدة، اتفقت قوى الحرية والتغيير، وهي ائتلاف واسع من النشطاء المؤيدين للديمقراطية والأحزاب السياسية المدنية من مختلف الأطياف وبعض الجماعات المتمردة التي اتحدت جميعها ضد البشير، على اتفاق جديد مع الجنرالات لإنهاء الحرب، وإنهاء حالة الجمود السياسي في البلاد من خلال الحد من الدور العسكري الضخم في السياسة والاقتصاد وتشكيل حكومة انتقالية لمدة عامين بقيادة رئيس وزراء مدني.
وتم تفويض السلطة الانتقالية بصياغة دستور جديد، ما يفتح الطريق لأول لانتخابات حرة في البلاد منذ عقود، وستكون مسؤولة أيضاً عن إشراك الجمهور الأوسع في قضايا مثل العدالة الانتقالية وإصلاح الخدمات العسكرية والأمنية، وتنفيذ اتفاقية السلام لعام 2020 في دارفور.
وأشار الباحث جي بيتر فانم، الذي شغل منصب المبعوث الأمريكي الخاص لمنطقة الساحل والبحيرات الكبرى في أفريقيا، إلى أن تحقيق هذه الأجندة الطموحة سيتطلب مستويات بطولية من الصبر والالتزام من جميع السودانيين، ولكن بالإضافة إلى ذلك، وكما أكد الاتفاق الذي تم توقيعه، ستكون هناك حاجة أيضًا إلى مشاركة أمريكية نشطة.
وأضاف فانم في مقال نشره موقع «ذا هيل»: «لقد أظهر ربع القرن الماضي ما يمكن أن يحدث عندما تنسحب الولايات المتحدة – وكذلك ما يمكن أن يحدث عندما تستفيد أمريكا من نفوذها الكبير (حكومة الولايات المتحدة هي أكبر مانح دولي للمساعدات الإنسانية للسودان وقد كانت كذلك بالنسبة للكثيرين)».
عندما استولى الجيش على السلطة العام الماضي، أدانت واشنطن هذا الإجراء وجمدت على الفور نحو 700 مليون دولار من المساعدات غير الإنسانية وسحبت دعمها لتخفيف عبء الديون البالغ 50 مليار دولار الذي كانت الخرطوم تسعى إليه من الدائنين الدوليين، وأتاح الفراغ الذي أعقب ذلك فرصة للشبكة المرتبطة بالكرملين والمعروفة باسم مجموعة «فاغنر» للتحرك، والحصول على امتيازات تعدين الذهب في السودان، ثالث أكبر منتج في أفريقيا بينما تتدخل في النزاعات الداخلية.
دعمت الرباعية الموقف عندما أعلن بيانها ردًا على الاتفاق الجديد بين الجيش السوداني وقوى الحرية والتغيير: «نحن نعمل مع الشركاء لتنسيق الدعم الاقتصادي الكبير لحكومة انتقالية بقيادة مدنية للمساعدة في مواجهة التحديات التي تواجه شعب السودان».
واستنتج فانم أن إقرار الرباعية لوجود سودان أكثر استقرارًا وديمقراطية من شأنه أن يرسل موجات عبر القرن الأفريقي ويؤثر على الصراعات حتى في ليبيا واليمن. وبالتالي، من مصلحة أمريكا أن تنجح عملية الانتقال في السودان، ولكي يحدث ذلك، يجب أن تشارك إدارة بايدن أكثر من أي وقت مضى.

القدس العربي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..