أخبار السودان

كان الرحيل تباعا فليكن التأبين جماعيا !

كان الرحيل تباعا فليكن التأبين جماعيا !

جابر حسين
[email][email protected][/email]

” للموت
رائحة البقاء !
وللموت ،
حضور بهي في الحياة …
تكسرت المرايا كلها …
وتناثرت مزقا كما الليل البهيم !
وأشتد في الناس الذهول !
صارت الكلمات كالأعشاب ،
تتسلق الجدران
والكثبان
والرمل الطري
وتقتحم الدروب إلي العقول !
فتدور ساقية الحياة …
يشع فيها الدفء
والدم
والتجلي الواقعي
والمعني الجليل لتداعيات
الرفض في زمن الوصول ! “.

التأبين ? في جوهره الإنساني ? تمجيد للحياة وجدواها النبيلة ، في صيرورتها المستمرة وصراعها وصخبها و جمالياتها أيضا … ، هي أغنية ? بموسيقي والحان لهما دم في الناس ? في مواجهة الموت ، تعاليا عليه وتقديم للأعمال والمنجزات الخالدة في مواجهة العدم والفناء ! يقول درويش :
” حياتنا عبء علي ليل المؤرخ : ” كلما
أخفيتهم طلعوا علي من الغياب ” …
حياتنا عبء علي الرسام : ” أرسمهم ،
فأصبح واحدا منهم ، ويحجبني الضباب ” .
حياتنا عبء علي الجنرال : ” كيف يسيل
من شبح دم ؟ ” … وحياتنا
هي أن نكون كما نريد . نريد
أن نحيا قليلا ، لا لشئ … بل لنحترم
القيامة بعد هذا الموت . واقتبسوا ،
بلا قصد كلام الفيلسوف : ” الموت
لا يعني لنا شيئا . نكون فلا يكون .
الموت لا يعني لنا شيئا . يكون
فلا نكون “.
ورتبوا أحلامهم
بطريقة أخري . وناموا واقفين !” .

ولأن للحزن أكثر من وجه وأكثر من ” وجع ” ، وللموت وجوه عديدة تتري ، ولأن البلاد ثكلي ، دامعة العينان وقلبها في نزيفه المستمر لايزال ، فقد رأيت أن ” أقترح ” للأحزان كلها ” مسرحا ” واحدا ولكن بأقنعة ولبوس كثر ! تذكرت ? والذكري ملهمة في كثير الأحيان ? ما فعله ” نيرودا ولوركا ” فوق خشبة المسرح الكبير في ” بوينس ايريس ” في احتفالية تكريمهما معا ، يقول نيرودا :
” … لقد بادرنا الحضور بمفاجأة أدهشتهم . كنا حضرنا خطابا علي التناوب ( ال أليمون ) . أعتقد أن كثيرا من القراء لا يعرفون معني هذه الكلمة ، وأنا كذلك لم أكن أعرفها لكن ( فيديريكو ) الذي كان دائما مليئا بالإبداعات والأملوحات والنوادر والخواطر شرح لي ذلك فقال :
” أثنان من مصارعي الثيران يصارعان في الوقت نفسه وبمعطف واحد وحيد ، أن هذه الطريقة في المصارعة هي أخطر تجربة في فن مصارعة الثيران ، ولذا فقلما تري في حلبات المصارعة ، لا تري إلا مرة أو مرتين كل قرن ولا يمكن أن يؤديها إلا مصارعان أخوان أو أن لهما دما مشتركا ، وهذا ما يسمي عندنا في اسبانيا بالمصارعة علي ( أليمون ) . وهذا ما سنقوم به ، أنت وأنا ، في خطاب نلقيه علي المحتفلين بنا “.
هكذا ، يمكن أن يكون التأبين جماعيا ، للراحلين جميعهم . هكذا ? أيضا ? خطرت لي الفكرة ثم أخذت تتمدد في ضميري الملتاع بفقد كوكبة الراحلين . فقد تم تكوين لجنة لتأبين التجاني الطيب و … سارت في وضع تصورها ، ثم أخري لوردي ، وثالثة لحميد ، ورابعة ، في تفكير الحزب ، لنقد ، ثم خامسة للبروفيسور خضر عبد الكريم ، خمس أقمار هوت إلي هوة البياض البعيد ورحلت عن عالمنا تباعا ، واحدا أثر واحد ، لكأنهم علي وعد أن يكونوا حضورا بهيا هناك !
أكون في طمأنينة الضمير لو تبنت ” الميدان ” هذا التأبين الجماعي وجمعت اللجان الخمس علي صعيد واحد حتي يكون التأبين لهم معا ، تماما كما كانوا في الفكر ومسار حياتهم علي فكر واحد ورؤي تصب في نهر واحد ! في ذهني من المتحدثين علي ( أليمون ) في فضاء المسرح كله وليس فوق الخشبة فقط :
محجوب شريف / القدال / السرعثمان الطيب / أحمد طه محمد الحسن ( الجنرال ) / د . مبارك بشير / كمال الجزولي / و …. و…. ! كل يعد حديثا ? شعرا أو نثرا ? عن أحد الراحلين ، ثم تتوزع الفرص عليهم بالتناوب ، وتتداخل مع ” مخاطباتهم ” الموسيقي والأغاني والأناشيد ، لوحة ضخمة تقدم بعضا من صنائعهم وأعمالهم وبعضاء من سيرهم ، مجتزاءات يانعات بديعات ، وبالطبع الفن التشكيلي سيكون سيد الخشبة والمسرح وحليتهما الأنيقة في خلفيات وجداريات وملونات ومنمنمات تؤشر لهؤلاء العظماء وتعلن في الناس قاطبة وفاء وعراقة شعبنا المعلم الذي أجترح اللوحة الخالدة في تشييعهم !
كما قلت ، سأكون مطمئنا و … فرحا لو تم قبول وتنفيذ هذه الجدارية / اللوحة الأسطورة للتأبين الجماعي !

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..