استراحة الصادق المهدي: السقاي.. القرب والبعد في ميعادك استويا أتحضن البحر أم تسقي شموخ ذرا

الخرطوم: رزان سلامة

والمكان كما قال درويش “يحمل أرصفة ونوادي ومكتب حجز التذاكر، ويحمل أكثر من لغة”، والمكان هنا (شمال الخرطوم) يحمل تأشيرة لدخول استراحة (الإمام الصادق المهدي). إنها ضاحية (السقاي)، التي تطورت تدريجياً من كونها نقطة تفتيش شهيرة وبارزة يعرفها كل ساكني الشمالية والخرطوم ممن ظلوا يسافرون بين الولايتين إلى قرية عامرة تحفها الحدائق الغناء، وتتمتع بطقس يحملك إلى الموشحات الأندلسية “وقانا لفحة الرمضاء وادٍ/ سقاه مضاعف الغيث العميم/ نزلنا دوحه فحنا علينا/ حنو المرضعات على الفطيم”، إلا أن السقاي (يسقيها) النيل أيضاً، فتصبح وكأنها (جنتان).

روايات متعددة:

اختلفت الروايات حول اسم السقاي، فريق يشير إلى أنه مشتق من (السقيا) كون المنطقة تقع على ضفة النهر العظيم.. رأي آخر، ولعله الأرجح – بحسب كثيرين – يؤكد أنها اتخذت اسمها من (الخور) الذي يقسمها نصفين شمالي ويسمى (السقاي ? السروراب)، وجنوبي يسمى (السقاي ? البتلاب)، علاوة على أن رهطاً كبيراً من مريدي الإمام عبد الرحمن المهدي جاءوا إليها من أمكنة بعيدة، واستقروا جنوبها وانخرطوا مع أهلها في السراء والضراء، ولم ينسوا فضلهم حينما سمحوا لهم بالسكن جوارهم حتى أطلقوا على حيهم اسم (السقاي ? الأنصار)، فأصبح جزءاً لا يتجزأ من الضاحية ذات الأفنان.

تباشير الفرح

ما إن تأتي تباشير الخريف (دعاشاً) فرذاذا، ثم انهمارا وإرواءً للأراضي الزراعية المطرية التي تسمى بالضهاري أو التروس إلى الشرق من المنطقة. غير ذلك وفي كل الأوقات تتنفس (السقاي) النيل، فهو أوكسجينها وبدونه ربما توقف شهيقها وامتنعت عن الزفير، فلا تتوقف رئتاها عنه حتى إذا ما انتفخت أوداجه وزمجر تمتص بعض من غضبه وتختزن أراضيها ما تستطيع من الماء، فلا يؤذي فيضه الزرع والبشر.

يصفها أهلها الوديعون بأنها قرية في مدينة أو مدينة في قرية، وهذا توصيف دقيق، فالضاحية الهادئة ترقد على ضفاف النيل موشحة بمياهه محفوفة بحدائق غناء ومزارع خضراء، ما يجعلها أقرب إلى الريف، إلا أن موقعها شمال الخرطوم وقريباً جداً من العاصمة علاوة على نسقها عمرانها، كل ذلك أكسبها صفة المدينة، ولكن هذا إسناد لا يكفي وحجة لا تقيم دليلاً على مدنيتها، فإذا تجاوزت هذا العمران ومضيت إلى السكان فعاشرت أهلها، فحتماً لن يساورك شك أنك غارق في الريف فلا يزال أهل السقاي على سجيتهم الريفية يتمسكون بالعادات والتقاليد من إكرام الضيف وإغاثة الملهوف والتماسك والتعاضد الاجتماعي، فهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى سائره. يعيشون أسرة واحدة، كلامهم حلو كأنهم يغسلونه قبل أن يتفوهوا به فلا تمل معاشرتهم ولا أنسهم، إنهم جاءوا إليها بداعي العمل فاستقروا وذابوا في أهلها.

التجذر في المكان

من جهة أخرى، يبدو ارتباط اسم السقاي بالسقاية والزراعة واقعاً يمشي على الأرض، إذ يعمل جل أهلها بالزراعة، غير أن نفراً منهم يعمل بالوظائف الحكومية وبعضهم يعمل بالتجارة، وتطورت الزراعة هناك كثيراً خاصة بعد أن دشن فيها مشروع زراعي تعاوني على مساحة تبلغ نحو مائة وخمسين فدانا، بالإضافة إلى المزارع الخاصة التي تتجاوز مساحتها خمسمائة فدان، إضافة إلى أن معظم سكان الضاحية يعملون بالزراعة، ويبدو هذا جلياً في السوق المركزي للخضر والفاكهة ببحري، حيث تجود عليه مزارعها بنصيب الأسد من المنتجات التي تتمثل في كافة أصناف الخضر والفواكه، ولا يكتفي أهل السقاي بهذين الصنفين، بل يمتد عطاؤهم ليشمل طعام الأنعام، فلا تبخل على السوق بالبرسيم وأب سبعين.

السراي للمهدي الإمام

والسقاي كذلك تضم استراحة دائرة الإمام المهدي المشهورة، التي شهدت رحلات ترفيهية ورحلات عمل، وكان كثيرون يزورون فيها الإمام لإنجاز أو قضاء مصلحة، وفيها كانت تنعقد مراراً اجتماعات حزب الأمة القومي، وفي هذه الاستراحة التي تطل على النيل في منظر بديع ورائع مع أشجار النخيل والفايكس والموز والليمون والبرتقال والمانجو، معظم ساكني السقاي من الأنصار ومريدي بيت المهدي، واستراحة الإمام تقوم على أعمدة عملاقة كأعمدة فندق الإكربول، ومن داخل هذه الاستراحة أطلق على هذا الجزء من الضاحية اسم (السقاي ? الأنصار)، حيث كانت جموعاً من إداريي وعمال المشروع الذين يحيطون بـ (السيد) حين إقامته في (السرايا).

أما (السقاي الأنصار) فتضم مزيجاً رائعاً من كافة أصقاع السودان الذين رغم أنصاريتهم وتضحياتهم وهجرهم لديار آبائهم للإقامة بجوار سرايا السيد وخدمتهم الطويلة له ولمشاريعه، فإنهم لم يجنوا في النهاية إلا حبه. إضافة للسرايا تضم السقاي حدائق فيها ما لذ وطاب من ثمار الليمون والجوافة والمانجو، جعلتها قبلة جاذبة للرحلات المدرسية والجامعية والأسرية، حتى أن بعضهم ينحت اسمه ويدونه على جذوع الأشجار المتنوعة

اليوم التالي

‫3 تعليقات

  1. مع احترامي لمجهود الصحفية رزان سلامة الا ان الموضوع منقول بكامله مع بعض الإضافات من مقال كتبه ابن السقاي الرشيد تاج الدين في منتدى انا سوداني ومنتديات أبناء السقاي ونشر في منتديا أخرى.
    تحياتي ،،،،،،

  2. مع احترامي لمجهود الصحفية رزان سلامة الا ان الموضوع منقول بكامله مع بعض الإضافات من مقال كتبه ابن السقاي الرشيد تاج الدين في منتدى انا سوداني ومنتديات أبناء السقاي ونشر في منتديا أخرى.
    تحياتي ،،،،،،

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..