السودان.. حين تصبح الحكومة أداة للعرقلة

النور حمد
من البديهي القول إن عمل الحكومة؛ أي حكومة، ينحصر في تجميع طاقات الشعب، وتنظيمها، وتوظيفها لمصلحته. ولذلك، يقول واحدٌ من تعريفات الديمقراطية إنها “حكم الشعب بواسطة الشعب، لمصلحة الشعب”. فمهمة الحكومة، بالمفهوم الصحيح لتلك المهمة، تنحصر أساسًا في التسهيل facilitation. وقد صور هذا المعنى، شعرًا، أبوالعلاء المعري، حيث قال، واصفًا بعض الحكام الجاهليين بمهمتهم، أو المتجاوزين الصلاحيات الممنوحة لهم، بقوله: “ظلموا الرعيةَ، واستباحوا كيدَها، وعدوْا مصالحَها، وهم أجراؤها”. فالحاكم، وفقًا لتعريف المعري هذا، مجرد أجير انتدبته الجماعة، وفوضته سلطتها، ليدير أمورها بما يخدم مصالحها.
يجيء في مقابل تعريف الديمقراطية المشار إليه أعلاه، وتعريف أبي العلاء المعري الذي تلاه، تعريف كارل ماركس، الذي قال فيه: “الحكومة ما هي إلا لجنة تنفيذية، تستخدمها طبقة في اضطهاد الطبقات الأخرى”. ويبدو أن تعريف ماركس هذا، على الرغم مما فيه من اشتطاط، وإطلاقية، لا يزال يعكس حقيقة ماضي البشرية الفعلي، وحاضرها القائم الآن، الذي لا يمثل العدل فيه سمةً رئيسة. فالتعريفات الأخرى لا تزال أقرب إلى عالم المثال منها إلى عالم الواقع، على الرغم من تطبيقات الديمقراطية في الفضاء الغربي الذي مرّت عليه بضعة قرون.
أدى ظهور الآلة الإعلامية، وتنامي سطوتها وجبروتها، منذ بدايات القرن العشرين، إلى منح الحكام، ومن ورائهم أهل الثروة الداعمين لهم، القدرة على تزييف وعي الشعوب وإرادتها، وإجهاض مخرجات النظام الديمقراطي. وعلى سبيل المثال، رأينا، كيف ضلل كلٌّ من جورج بوش الابن وتوني بلير شعبيهما، بشأن مبررات غزو العراق. ليتضح، بعد فترة وجيزة، أن ما جرى كان أمرًا أملته مصالح فئة قليلة ممسكة بمقاليد الأمور، وأنه لم يكن، في حقيقته، متعلقا بمصلحة أميركا وبريطانيا، أو بمصلحة السلم العالمي. ولا يعني هذا، بطبيعة الحال، أن التجاوزات في الأنظمة الديمقراطية تتساوى مع التجاوزات في الأنظمة الشمولية، فالفارق بينهما شاسع جدًا. فعلى الأقل، توجد في الأنظمة الديمقراطية آليات وفرصٌ للتصحيح والمحاسبة، في حين تنعدم تلك الفرص في الأنظمة الشمولية.
جرّني إلى هذا الحديث مناصبة الحكومة السودانية منظمات المجتمع المدني العداء، ولأن الحكومة السودانية القائمة الآن ليست ذات باع طويل في مجالات الإنجاز، خصوصاً ما يصب منها في مصلحة الشعب مباشرة، كالخدمات، فقد أصبحت تكره، وبشدة، ما تقوم به منظمات المجتمع المدني. فقد ظلت لا ترى في ما تقوم به هذه المنظمات سوى فضح ٍلإخفاقاتها. ولذلك، اتخذت في مواجهة العمل الشعبي التلقائي الذي ينشأ لسد ثغرات التقصير الحكومي طريقين: أولهما؛ إنشاء منظمات تابعة لها تمنحها التسهيلات، بل والتمويل المباشر، لتقوم بتجميل وجهها. ويتم تقديمها للجمهور، من خلال الآلة الإعلامية التي تسيطر عليها الحكومة، على أنها “منظمات مجتمع مدني”، أساسها المبادرة الشعبية. غير أن هذا النوع من المنظمات المصنوعة التي تفتقر، أصلاً، إلى روح المبادرة والتجرد، تتحول إلى ذراعٍ حكومية، مصابة بالأمراض نفسها التي تقعد الأجهزة الحكومية عن الإنجاز.
أما الطريق الثاني الذي تسلكه الحكومة فهو عرقلة أعمال المنظمات المستقلة، وتكبيلها بالإجراءات الروتينية العقيمة، واستنفاد طاقتها في مطولات مصنوعة بعناية حتى يصاب العاملون في تلك المنظمات بالإحباط واليأس. وتحت ضغط إهدار الطاقة المُمأسس والمُمنهج، تصبح تلك المنظمات قليلة الفعالية. ثم يأتي، بعد ذلك، آخر الدواء؛ وهو تسليط جهاز الأمن لتدبيج تهم تلقّي المال الأجنبي، والعمل على خدمة أجندة أجنبية، والأمر بالإغلاق، كما جرى في السنتين الماضيتين لعددٍ من المنظمات الأهلية. وبطبيعة الحال، هناك منظمات يمكن أن تنطبق عليها مثل تلك التهم، لكن الحكومة السودانية تنشر بطانية واحدة على الجميع، بلا فرز. فالأمر لا يتعلق بحماية الوطن من الاختراقات؛ فسماواته وأراضيه يجري اختراقها ليل نهار، إنه يتعلق بأن الحكومة لا تحب، أصلاً، أن ترى في المرآة غير صورة نفسها وحدها.
“مثل هذه الحكومات لا تخدم الشعب، ولا تقف عند ذلك الحد، وإنما تتعداه إلى تكبيل الشعب، حتى لا يخدم نفسه”
لو عملت الحكومة على تحقيق ما يحتاجه الشعب حقيقة، وسدت الثغرات، وعرفت كيف تستقطب الجهد الشعبي، وتخلق له مواعين متسمة بالشفافية وبنظافة اليد، وكسبت ثقة الناس، لتركها الجميع تنفرد بتلك المرآة، وتشبع نرجسيتها المفرطة، بالتطلع فيها منفردة. غير أن الحكومة لا تعمل، بل وتتخيّر أن تحيط نفسها بالذين لا يعملون، ولا يأبهون إطلاقًا بالعمل من أجل الصالح العام، بل ويرى بعضهم أنه محض سذاجة. وحين يترك المجتمع الحكومة في ما هي فيه، وينصرف عنها لابتداع مبادراتٍ شعبية، أصيلة وصادقة وفعالة، تستجمع الحكومة كل طاقاتها لتقف في وجهها وتعرقلها. حلت الحكومة في السنتين الأخيرتين ما يقارب العشر منظمات، وصادرت ممتلكاتها. فالحكومة لا تحب أن تعمل من أجل الشعب، ولا تحب، في الوقت نفسه، أن تترك الشعب يعمل من أجل نفسه. وهكذا، يبقى الشعب مرتهنا لهذا الوضع المحيّر، حتى ليمكن القول إنه لو كان بلا حكومة أصلا، لكان خيرًا له. وكفى بك داءً أن ترى الموت شافيا!
كتبت صحيفة كريستيان ساينس مونيتور تقريراً ملؤه الإعجاب بالمبادرة التي جرت، أخيراً، في الخرطوم باسم “شباب الحوادث”، فبسبب تراجع صرف الدولة على الخدمات الصحية، وبسبب ضيق ذات اليد لدى مواطنين سودانيين كثيرين، نشأت هذه المبادرة، في محاولة لتوفير ثمن الدواء للذين يحملون وصفات طبية للأطفال، لا يملكون ثمن شرائها. أقام هؤلاء الشباب نقطة تجمع لهم، على الرصيف على شارع الحوادث؛ أي شارع قسم “الطوارئ”، شمال مستشفى الخرطوم. يتلقى هؤلاء الشباب محادثات من الأطباء الذين يكتبون الوصفات للمرضى، فالأطباء يهاتفونهم حين لا يكون الدواء موجودًا في صيدلية المستشفى، أو حين لا يكون أهل المريض يملكون ثمنه. يهرع هؤلاء الشباب إلى الأطباء بعد تلقي المحادثة، ويأخذون الوصفة الطبية، ثم يذهبون لشراء الدواء من التبرعات التي تأتيهم من المواطنين. وتطورت هذه المبادرة، وأصبح لشباب شارع الحوادث فروع في أماكن كثيرة. وبعد أن انهالت عليهم تبرعات المواطنين وتنامت، تمكنوا، أخيراً، من إنشاء وحدة كاملة للعناية المركزة خاصة بالمستشفى في الخرطوم.
احتفلت الصحيفة الأميركية بهذه المبادرة الجليلة، في حين تغافلت عنها الحكومة، بل شرع أحد الصحافيين المعروفين بولائهم للحكومة في الطعن فيها، فألقمه الناس حجراً. وفي أثناء أحداث السيول والأمطار التي ضربت منطقة الخرطوم، في السنوات القليلة الماضية، تدافع بعض الشباب، وأنشأوا مبادرة لإغاثة المتضررين الذين أبطأ عنهم العون الحكومي. سمّى الشباب مبادرتهم تلك “نفير”، غير أن الحكومة التي وقفت عاجزة إزاء الخراب الذي أصاب أطراف العاصمة، أزعجتها المبادرة. فقد خطف الشباب منها الأضواء، وأصبح اسمهم على كل لسان. خصوصاً بعد أن وصل العون والإغاثة من الأشقاء في الدول العربية، وبرع أولئك الشباب في توزيعها. تحركت الحكومة، وبذلت كل ما في وسعها لقتل تلك المبادرة، وإخراج من وقفوا وراءها من الصورة. جاءت هي بكاميراتها، ومنظماتها المصنوعة، والمأجورين من إعلامييها، لتظهر نفسها بأنها صاحبة الفضل الأول والأخير. سرقت الحكومة المبادرة، ووضعتها في جيبها عنوة. الشاهد، أن مثل هذا النوع من الحكومات يجعل حالة ما قبل نشوء الدولة تبدو أفضل من حالة ما بعد نشوئها. فمثل هذه الحكومات لا تخدم الشعب، ولا تقف عند ذلك الحد، وإنما تتعداه إلى تكبيل الشعب، حتى لا يخدم نفسه.
العربي
شكرا لك على هذا التحليل الجيد والقراءة الصحيحة لما يدور في كواليس حكومة السجم أو سمها ما شئت !!!!!!!!!!!!!
بعد التحية للاستاذ النور حمد
الا ان ماكتبه مع تقديرنا له هو باعتبار ما يجب ان يكون
ولكن واقع الامر
ان جماعة الاخوان المسلمين الحاكمة في السودان بشقيها المؤتمر الوطني الحاكم والمؤتمر الشعبي المعارض المستانس وما يجمعهما اكثر مما يفرقهما قد اسسا نظام الحكم واختصرا السودان شعبه وفعالياته السياسية والاجتماعية واختزلاها في انفسهم
ما كتبته صحيح 100% وهو ما ينبغي ان يكون
ولكن بفعل سياسة التمكين البغيضة والمنهج الذي تم اتباعه منذ 30 يونيو 1989م يعتمد على القوة والقهر والسيطرة على مفاصل الدولة تماما فليس متاحا للشعب ان يشارك في شئ انما ينظرون اليه كقطيع من الاغنام يتم قيادته اينما وكيفما شاءوا
ومع ذلك فان كل النظم الحاكمة في العالم التى اعتمدت البطش والقبضة الامنية كان سقوطها مريعا ومفاجئا وكانها لم تكن وهذه عبرة لمن يعتبر فهل يعتبرون ويتفكرون ويهتدون ام ينتظرون برعونه ما سيكون
شكرا لك للكتابة الموضوعية .ولكن هذا مقبة ان يستكين الشعب لحكم الاغبيا .العيب فينا ونعيب حكومتنا .فكل ما طال صبر الناس علي الحكومة زادت الانتهاكات وكل ما اسرعوا في وضع حد لها .ارتاح الناس واصبح درسا لكل عاطل عديم نفع انتهج السياسة وظيفة له
شكرا لك للكتابة الموضوعية .ولكن هذا مقبة ان يستكين الشعب لحكم الاغبيا .العيب فينا ونعيب حكومتنا .فكل ما طال صبر الناس علي الحكومة زادت الانتهاكات وكل ما اسرعوا في وضع حد لها .ارتاح الناس واصبح درسا لكل عاطل عديم نفع انتهج السياسة وظيفة له
لحقائق المرة التي اعاقت وتعيق التغيير في السودان واستعادة الدولة السودانية الحقيقية”
الذى يريد التغيير عليه ان يراهن على الشعب وعلى الوعي والمشروع الوطني الحقيقي
عندما راهن البرطانيين على ذكاء الشعب السوداني رغم انف السفير الامريكي مستر جفرسون في القاهرة 1952 الذى قال للبرطانيين ((لماذا تعطو 10 مليون نقر غبي الاستقلال ))ما كان ليسقط لو تمسكنا باجندة وثيقة الاستقلال تحت شعار السودان للسودانيين التي نال السودان استقلاله عبرها وبدات مرحلة الاستحمار المصري للسودان عبر الايدولجيات المشبوهة والتي صنعتها اسرائيل لتدمير المجتمعات العربية وهي الناصرية ولاخوان المسلمين وللان يمكنكم قياس الاضرار المهولة التي امتدت من 1956-2015
انقلاب مايو1969-1971 مسخ العلم والتعليم والشعار والاقصتاد والخدمة المدنية
انقلاب الاخوان والتمكين عبر مرحلتين من المصالحة الوطنية 1978-1985 بنك فيصل الاسلامي وقوانين سبتمبر 1983 ثم الطامة الكبرى الانقاذ 1989-2015..انفصال الجنوب وتصدع دارفور…والفشل والابتزال مستمر حتى الان
فما هي الناصرية ومن هو عبدالناصر ومن هو القرضاوي ومن هم والاخوان المسلمين وما الذى يجعلنا نحن السودانيين الافريقيين السودان نعتنق هذه الايدولجيات العنصرية الغبية ونترك طريق وست منستر المعبد الذى سارت فيه الهند وامريكا وماليزيا وجل المستعمرات البريطانية؟؟؟
والى ين وصلت مصر ووصل معها العرب عشان تقعد في راسنا لحدي هسة وبواسطة الحثالة الحاكمة الحالية المنتهية الصلاحية في الخرطوم وكيف نعود الى مسار وست منستر مرة اخرى ورهان الانجليز البارع
البرنامج السودانية الحقيقية من 1952-2015
1- وثيقة استقلال السودان-حزب الامة 1953
2- اسس دستور السودان- الحزب الجمهوري 1955
3- اتفاقية اديس ابابا ودستور 1973
4- اتفاقية نيفاشا ودستور 2005-الحركة الشعبية
غير كده فقط النخبة السودانية ووادمان الفشل وما فيرق بين البشير والترابي والمهدي وابوعيسى..كلهم راهنو على برنامج وافدة مشبوهة شوهت وفككت السودان