الشطرنج: حصان بلا أجنحة

بعد عدة جلسات لتعليمها الشطرنج، اكتشف أنها لا يمكن أن تكون لاعبة شطرنج حتى ولو رديئة.
ميدل ايست أونلاين
بقلم: خالد السروجي
أنا ألعب الكوتشينة فقط
في سنوات التيه الطويلة التي أعقبت حرب أكتوبر كانت هي التي وضعت نفسها في الطريق أمامه. كانت سلوى جارته في نفس البيت.. تسكن في الشقة التي تعلوه، وكان يشدها إليه صمته ووقاره وسنه، فقد كان أكبر منها بكثير، بينما هي قد تعدت مرحلة المراهقة بقليل، كان هو قد تعدى مرحلة الشباب وبدأت الشعيرات البيضاء تغزو رأسه. كانت بدأت تتردد عليه بعد وفاة والديه وزواج شقيقته، فلقد كانت أمها ترسل إليه في بعض الأحيان بعض الأطباق مما يأكله أهل البيت أو بعض الفاكهة تقديراً لوضعه كإنسان يعيش وحيداً. كانت سلوى تتعمد أن تطيل فترة بقائها في شقته محاولة أن تجر معه أي نوع من الحديث.
قالت له يوما:
– هل أنت سعيد بالعيش وحدك هكذا؟
أجاب بلا مبالاة: لم أفكر في هذا السؤال من قبل.
سألته بدلال: أليس الزواج أفضل لك؟
لم يرد ولاذ بالصمت.
كانت سلوى جميلة، فائرة الجسد، ربما تغري أي شخص غيره. سألها على غير توقع: هل تعرفين لعبة الشطرنج؟ فضحكت طويلا ثم قالت:
– أنا ألعب الكوتشينة فقط
ثم صمتت قليلا: وعلى الرغم من ذلك فأنا على استعداد لكي أتعلمه منك.
قال وهو يبتسم: قد يستغرق ذلك وقتا طويلا.
أجابت بخبث: نستطيع تدبير هذا الوقت فكثيراً ما تخرج أمي. أما أبي فدائما على المقهى يلعب الدومينو.
شيء ما لا يدريه كان يجذبه إليها. هل كان يريد أن يصنع منها ليلى أخرى. حصان مجنح يرتاد به الآفاق. أصبح بمرور الوقت يشعر بالإنجذاب إليها. كان يريدها ليس كما هي، وإنما يريد أن يجعل منها بديلا عما فقده بفقدان ليلى. أما هي فقد كانت تريده كما هو.
بعد عدة جلسات لتعليمها الشطرنج، اكتشف أنها لا يمكن أن تكون لاعبة شطرنج حتى ولو رديئة بل وأصبح من المستحيل أن تصبح صورة ولو باهتة من ليلى، ولكن العلاقة بحكم فطرتها الأنثوية بدأت تأخذ بعدا آخر. بعداً جنسيا، بدأت تنسج شباكها حوله ببطء وإحكام كانت لا بد وأن تقوده إلى الفراش.
كان من جانبه يعاني من الحرمان من هذا الجانب من حياته، وكان تواقا لذلك. تومئ باستعدادها لاعطائه جسدها بدون مقابل. وكانت تجربة جديدة عليه رغم كبر سنه على التجربة، لم يكن جرب مع ليلى سوى الملامسات والقبلات والأحضان ولم يكن قد جرب علاقة كاملة أبداً.
عندما جاء ذلك اليوم بخلو منزلها من والدتها التي كانت في زيارة عائلية ووالدها الذي في المقهى يمارس لعبة الدومينو تسللت إلى شقته على أطراف أصابعها وكانت متأكدة من وجوده في المنزل في ذلك الوقت، وعندما فتح لها الباب سحبته إلى الداخل بسرعة وأغلقت الباب بهدء وحذر.
كان أول ما فعلته أن بادرت باحتضانه وتقبيله في فمه، أما هو فلم يشعر بطعم القبلة ولم تحرك فيه شيئاً.
ولكنها سحبته إلى غرفة نومه ثم خلعت ملابسها بسرعة كبيرة، وساعدته على خلع ملابسه، ثم استلقت عارية على السرير. وعندما لاحظت تسمره خجولا أمام السرير، شدته من يده ليرقد بجانبها. بادرته بقبلة طويلة حارة ولكنه على عكس ما كان يتوقع لم يتحرك شيء بداخله. سحبته ليرقد فوقها وهي تداعبه في أماكنه الحساسة. كانت تتراءى له صورة ليلى وشوكت واندحاره في حرب الهزيمة وخيبة أمله في حرب الانتصار. وكان يشعر أيضا بالفشل في رجولته.
كانت لا تزال تحاول أن تحرك شيئا منه، وقد لاحظ نظرات السخرية في نظراتها. كان ذلك يجرحه بعمق ويستدعي جروحا أخرى. قام من فوقها منتفضا.
قالت بلهجة بدت له تحمل الكثير من السخرية: لنحاول مرة أخرى. فربما تكون أفضل.
قال بلهجة قاسية: عاهرة.. أنت لست أكثر من عاهرة.
سقطت الدموع من عينيها. أدرك أنه جرحها جرحا عميقا، وأدرك تماما أنه قد تخلص منها. وقد أراحه ذلك، لقد كانت سلوى حصانا أسود بلا أجنحة، وسره أن يتخلص منها.
? الشرك
عندما عاد شوكت من فرنسا، علم الشطرنجى بذلك الرجوع من خلال عدة وسائل أهمها الصحف التي أعلنت عن نشاطات تجارية وصناعية تابعة لمجموعة شركاته، والتي لم يكن ليقدر لها أن تظهر في العهد المنصرم. ولم يحاول الشطرنجي الاتصال به بل تحاشى أي مناسبة كانت يمكن أن تجمعه به. وعلى العكس من ذلك كان شوكت يتسقط أخباره وربما برغبة في التشفي في ذلك الذي انتصر عليه دائماً وأصبح محطماً الآن.
وكان ينظر إلى شوكت كمثال للنجاح مقابل فشله، ويمتلئ بالشعور المر بذلك الذي انتصر عليه دائما وكان الأدنى وقد أصبح الآن الأعلى والنجم المرموق.
قال لي الشطرنجى وهو يضحك ضحكة تنضح بالمرارة: تصور.. شكبة يريدني أن أتولى إدارة شركته الجديدة بمحطة الرمل وبمرتب يفوق مرتب وكيل وزارة!
استغرقت في الضحك حتى استفزه ذلك.
قال بعصبية: أتضحك من شر البلاء؟
قلت وقد هدأ ضحكى:هل تعرف شكبة واجهة لمن؟
تحير الشطرنجي وهو ينظر إلىّ. قلت بجدية كاملة: إنه واجهة لشوكت وشريك له!
صمت الشطرنجي طويلا ثم قال ببطء:
– إذن فقد أراد اصطيادي عن طريق شكبة. لقد أصبحوا هم الملوك وعلينا أن نكون الرعية ولا بد أن تتم تصفية الحسابات!
وصمت صمتا طويلا. فكر لماذا تعيش الرغبة في الإذلال طوال هذه السنوات وتتوهج دون أن تنطفئ؟ ولماذا يريد أن يذبحني بأن أكون تابعاً له أأتمر بأمره. ووجدت صوته يرتفع رغماً عنه: لماذا مت يا عبدالناصر؟
سألته: ماذا تعني بذلك؟
قال بصوت خفيض: لا شيء.. لا شيء!
ثم أردف بصوت أعلى قليلا: أنا أيضا أعيش حالة من الموات!