المأساة: إهمال حقيقي وأجواء غير صالحة يعمل فيها الأطباء والكوادر والاختصاصيون..

نيالا ـ المقداد سليمان
ما ستشاهده ابتداءً من بوابة الحوادث وحتى حدودها شمالاً، مع مدرسة الرباط يحتم عليك أن كنت مريضاً أو مرافقاً أن تردد: (لا حول ولا قوة إلا بالله).. جراء الإهمال الحقيقي والأجواء غير الصالحة التي يعمل فيها الأطباء والكوادر والاختصاصيون بمستشفى نيالا التعليمي بجانب المرافقين والمرضى الذين يتوسدون المرض داخل عنابرها، تجولت (اليوم التالي) (الأربعاء) الماضي عقب صلاة التراويح داخل المستشفى.
عندما تأتي قاصداً العلاج بمستشفى نيالا التعليمي، لا يمكنك الدخول إلا بعد أن (تُبركت) جيبك لأن هناك رسما وقدره جنيهان إن لم تدفعه لا يمكنك الدخول إلى قسم الحوادث، الذي هو بداية للمأساة حيث الإهمال وانتشار المخلفات الطبية والروائح النتنة وغير المقبولة بسبب عدم التخلص منها مباشرةً، وتركها في سلة النفايات لساعات طوال حتى تتخمر، وهناك بعض سلات النفايات أصبحت موئلا للذباب والبعوض بسبب عدم تجديدها وإهمال نظافتها.. وعن صيدلية الطوارئ داخل المستشفى فحدث ولا حرج؛ حيث تفتقر للكثير الأدوية سيما الخاصة بعلاج لسعات الزواحف (الثعابين والعقارب) بجانب تهالك ثلاجة حفظ الأدوية بها.
المعاناه الحقيقية تتجسد عندما يطلب منك الطبيب إحضار عينة (البول أو البراز) لفحصها، حيث لا تجد مكاناً به ساتر لتجلس فيه، ووثقت كاميرا اليوم التالي (تواليت) داخل المستشفى مغلق بـ(الطبلة) وهو بالتحديد الواقع جوار غرفة الحوادث وغرفة الانعاش أو (العناية المكثفة) من الناحية الشمالية، بعد أن امتلأ تماماً وطفحت (المخلفات البشرية) فوق الفخار الخارجي.. لا أحد يستطيع أن يقضي حاجته داخلها، حتى وإن كان التواليت مفتوحا أمام جمهور (المرضى)! أحد العاملين بالمستشفى فضل حجب اسمه قال لـ(اليوم التالي) إن هناك مرضي يلجأون لإحضار عينات للفحص من الحمامات التجارية التابعة للمستشفى من الناحية الشرقية لبوابة الحوادث، وهناك آخرون يلجأون للحمامات جوار مسجد نيالا العتيق لإحضار العينات للفحص، وهناك مرضى ومرافقون يقضون حاجتهم داخل المستشفى وفي الأسوار الخارجية للعنابر وهو ما أكده عدد من المرافقين لمدير عام وزارة الصحة بالإنابة د. أحمد عبد الرحمن الذي وجدته الصحيفة يتجول داخل المستشفى متفقدا أوضاعه المتردية.
المأساة الحقيقيه وذروة المعاناة تجسدها حالة النساء والأطفال ممن يتوسدون اللحافات داخل عنبر الجراحة الذي أكل عليه الدهر وشرب، حيث صار قبيح المنظر والشكل والنوم فيه مستحيل بالنسبه للكثير من الأمهات اللائي يرقدن بجوار أطفالهن، وكان من الملاحظ خلال الجولة التي أجرتها الصحيفة داخل المستشفى أن الكثير من الأمهات يلجأن للنوم والراحة بعيدا عن أطفالهن والعنبر نفسه، بسبب النفايات والمخلفات الطبية التي تظل موجودة داخل (هول) العنبر منذ الصباح وحتى مغيب الشمس، بعد أن تخمرت بقايا الأدوية والشاش (مخلفات العمليات) وبدأت روائحها النتنة تنتشر حول المكان، بجانب دورات المياه الخاصة بالعنبر وهي الأخرى وجدناها مغلقة بإحكام.
إحدى السيدات اللائي يرقدن في العنبر بدت وكأنها تبحث عن أحد تشتكي له معاناتها في البحث عن مكان لتقضي حاجتها، لكنها اكتفت بالقول عند سؤالي لها عن المكان الذي تقضي فيه حاجتها ليلاً: “عيون ولا بشوفن، وحمامات دُول سدوهن بي طبلة توّا نمشي وين؟ ما إيي الا نقعد فى شق العنبر من ورا”.
ولنوافذ عنبر الجراحة حكاية مؤلمة حيث أن الأطفال الذين يرقدون في أسرة بغير فراش يعانون من لسعات البعوض الذي يتسلل بسهولة عبر نوافذ العنبر المفتوحة بسبب عدم وجود تهوية كافية.
في مشرحة المستشفى هناك معاناة أخرى؛ حيث لا ثلاجة ولا تكييف ولا إنارة والباب الخاص بها من الداخل أصبح صدئا، أحد العاملين فيها قال لـ(اليوم التالي): هناك جثث تأتي بغرض تشريحها ليلاً، لكن بسبب عدم وجود مباخر للتهوية وإنارة كافية يتم تشريحها في الخارج واحياناً وإكراماً للمتوفي يتم تشريح الجثة عبر (بطاريات) يدوية، رغم البلاغات المتكررة التي ظل يرفعها بعض الشرطيين العاملين بالمستشفى من عدم وجود إضاءة كافية داخلها، كما أن حال النقالة داخل المشرحة لا يسر حيث تجازو عمرها العامين وأصبحت صدئة سيما وانها مصنوعة من الـ(إكسبندة) لكنها رغم ذلك لازالت صامدة.
هناك عده تخصصات غير موجودة بالمستشفى منها (التخدير ــ الطوارئ الطبية ــ الباطنية والقلب ــ الباطنية والكلى ــ الباطنية والصدر) كشفها التقرير الذي تحصلت (اليوم التالي) علي نسخة منه يحمل توقيع المدير العام للمستشفى د. إبراهيم أحمد آدم الطويل، والذي أشار أيضاً إلى أن المستشفى يعاني من نقص نواب اختصاصيي الباطنية وانعدام نواب اختصاصيي الأطفال والجراحة العامة حيث لم تتجاوز نسبتهم الـ(25%) من جملة ما يحتاجه المستشفى الشيء الذي أثر على الأداء العام بالمستشفى وخاصة تغطية الحوادث، بجانب حاجة المستشفى لـ(60) طبيبا عموميا بدلا من الـ(12) الذين يعملون الآن، و(120) طبيب امتياز.
المدير العام للمستشفى عزا في إفادته للصحيفة قلة الأطباء ونواب الاختصاصيين والأطباء العموميين وأطباء الامتياز لضعف الحافز المادي والمسمى بالبيئة الجاذبة مقارنة مع ما تدفعه المنظمات والتأمين الصحي، بجانب عدم توفر (ميزات) لسكن الأطباء حيث يوجد سكن واحد بحالة سيئة وهو خاص بالأطباء النواب والعموميين وأطباء الامتياز، إضافة لذلك أشار التقرير الصادر من مكتب المدير العام للمستشفى إلى أن من المشكلات التي تواجه الاختصاصيين عدم التزام الولاية بدفع (1500) جنيه لأي اختصاصي لدعم السكن ومشكله ترحيل الاختصاصيين.
بحسب معلومات من مصدر موثوق تحدث لـ(اليوم التالي) فإن بوابة الحوادث بالمستشفى تحصل قيمة حوالي (8) دفاتر فئة مائة ورقه تذاكر دخول يومياً كحد أدنى من السابعة صباحا إلى الثانية ظهرا ، جملة التذاكر التي تقطع خلال الـ (6) ساعات بغير التي تقطع في الفترة المسائية (800) تذكرة مضروبة في جنيهين قيمة التذكرة الواحدة = (1.600) جنيه دخلا يوميا، و(48) ألف جنيه دخلا شهريا و(576) ألف جنيه جملة الدخل السنوي للمستشفى عبر بوابة الحوادث فقط غير بوابة الزوار (الرئيسة) لكن التقرير المالي الصادر من إدارة المستشفى والذي يحمل توقيع وختم المدير العام يقول إن الإيرادات حسب شهور السنة تتراوح مابين (265) ألفا و(464.512) ألف جنيه وإن متوسط المنصرفات الشهرية يبلغ (495) ألف جنيه وإن عجز المستشفى الشهري (130.550) جنيها، وجملة ما يحتاجه المستشفى للتسيير بصورة مثالية يبلغ حوالي (200) ألف جنيه حتى يتسنى لإدارته القيام بإحلال وإبدال الأثاثات والمراتب والملايات والأدوات الكهربائية، بجانب تسديد حقوق العاملين من بدل مناوبات وعلاج اقتصادي وحقوق لائحية أخرى.
إذن، هي معاناة ومأساة حقيقية تكشفت خلال الجولة الليلية التي قامت بها الصحيفة داخل مستشفى نيالا التعليمي الذي يعد المستشفى المرجعي الرئيس في ولاية جنوب دارفور التي تستقبل الحالات الطارئة.. حالة المستشفى تتطلب تدخلا جراحيا عاجلا من وزارة الصحة وحكومة الولاية حتى لا يموت إهمالا.. بجانب ذلك تظل هناك أسئلة يطرحها مراقبون للوضع الصحي الخاص بالمستشفى: أين المدير العام للمستشفى من هذا التردي؟ أين العائدات المالية الخاصة بإيجار البقالات الـ(5) داخل المستشفى؟ أين نصيب المستشفى من عائد دورات المياه التي شيدت في سوره؟ أين إيرادات بوابتي الحوادث والزوار؟
اليوم التالي
لقد ذكر النقص في الكوادر الطبية وهل يوجد أخصائي جراحة العظام؟؟؟؟
حقيقة لا يهتم المسئولون الولائيون ولا الإتحاديون بمتطلبات صحة المواطن من كوادر وتجهيزات وبيئة صحية صالحة لتقديم خدمات طبية تليق بالمواطن الذي يعاني من ظلم الأقربين …. الله المستعان..