برنامج وطني لمحو الأمية

برنامج وطني لمحو الأمية

فيصل محمد صالح

يقبع السودان في مؤخرة دول العالم في تقرير التنمية البشرية الذي يصدر سنويا من الأمم المتحدة، ويعتمد على مجموعة من المؤشرات تشمل الوضع الاقتصادي والاجتماعي والخدمات البيئية والصحية والتعليمية ومؤشرات الفقر والنمو الاقتصادي ووفيات الأطفال وتوفر مياه الشرب النقية …الخ ويأتي السودان متأخراً نسبة لتأخره وتخلفه في معظم هذه المجالات.

ويقول تقرير عام 2009 إن نسبة الأمية في السودان تفوق 40%، بينما يقول بعض الخبراء إن هذه النسبة غير واقعية وأن نسبة الأمية أعلى من ذلك بكثير، كما أن نسبة وفيات الأطفال مرتفعة وتوفر التعليم الابتدائي للمستحقين متدنية، إلى جانب كثير من أوجه القصور الأخرى.

ويتفق كثير من المفكرين والكتاب المهمومين بقضايا الفقر والتخلف والتنمية في بلاد العالم الثالث على أن السياسات التعليمية تلعب دوراً كبيراً في تقدم وتخلف هذه البلاد، ويؤكدون أن لا مجال للحديث عن التنمية الإنسانية وإشاعة قيم الديمقراطية والاستنارة في ظل تخلف السياسات والبرامج التعليمية. وقد دعا الكاتب والباحث السوداني عبد العزيز الصاوي في ورقته المميزة التي طرحها مؤخراً “نحو استراتيجية جديدة للمعارضة في السودان” إلى ضرورة استزراع مقومات الحداثة والاستنارة من أجل إعادة تأسيس المشروع الديمقراطي. وركز الكاتب على عنصرين أساسيين هما: إصلاح المنظومة التعليمية، وتفعيل دور المجتمع المدني، وبدون هذين الركنين لن ينجح مشروع الديمقراطية والاستنارة في السودان، لأنه بحسب تعبيره “لا ديمقراطية بلا ديمقراطيين، ولا ديمقراطيين بلا استنارة”.

لكن قبل إصلاح المنظومة التعليمية سيكتشف القارئ أن نسبة الأمية في البلاد تقترب من 50%، وإذا كان نصف سكان البلد من الأميين فإن الواجب الأوجب هو العمل على إزالة هذا العار كفعل ضروري سابق أو ملازم لإصلاح العملية التعليمية لمن “يفكون الخط”. ومع انتشار الأمية وتدني مستوى التعليم ستصبح مشاريع الإصلاح والتحول الديمقراطي والإصلاح الدستوري مجرد رطانة مثقفين، رطانة حول مواقف حقيقية، لكنها رطانة محدودة التأثير وسط دوائر المثقفين والناشطين السياسيين.

ومن المؤسف أن أحزابنا السياسية لم تلتفت لهذا الجانب المهم، ولم تطرح مشروعاً وطنياً لمحو الأمية تلعب فيه الأحزاب والمنظمات المدنية الفئوية والجماهيرية دوراً كبيراً، بجانب المؤسسات الحكومية المعنية بالأمر. المواطن الأمي لن يكون رقماً فاعلاً في أي عملية ديمقراطية، بل ربما لا يكون جزءاً منها، وهو فاقد انتخابي ديمقراطي جدير ببذل الجهد لإعادته لساحة الممارسة الديمقراطية مسلحاً بالقدرة على الاختيار.

وسيحس الناس بعار النسبة العالية للأمية في السودان إذا قارنوها بكثير من الدول الأقل شأنا وإمكانيات من السودان، وبعضها كان نسياً منسياً حين ابتدأت مسيرة التعليم في السودان، لكن ما فائدة الماضي والتأسي عليه في الوقت الحالي؟

فلتتضافر الجهود نحو صياغة خطة وطنية لمحو الأمية تلعب فيها كل الجهات المهتمة، حكومية كانت أو أهلية، دوراً، ولنبتدئ من أي نقطة، لا يهم من أين؛ بل المهم أن نبتدئ.

الاخبار

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..