فريقا ريد والأمراء: جولة في أم درمان.. قصة الحاضر من الماضي

الخرطوم ? رزان سلامة أن توثق لأم درمان، لأهلها وأحيائها (القديمة) وحكاياتها المثيرة، حكايات أناس جاءوا من شتى بقاع السودان وانصهروا في هذه البقعة فصاروا أسرة واحدة متعاضدة بأواصر المحبة والطيبة والعلاقات الحميمة، فهذا أمر صعب وعسير، وليس ثمة من برع في تلخيصه كما الأشعار والأغاني: “أنا الطابية المقابلة النيل أنا العافية البشد الحيل وأنا الولدوني بالتهليل”. ذاكرة قديمة جولة واحدة نظمتها إلى أحياء أم درمان أزالت عني غشاوتي، فتعرفت على تاريخها كما تعرفت على حاضرها، فقد كانت المدينة صغيرة كما يقول تاريخها، وكان معظم سكانها من أنصار (المهدي) الذين جاءوا لتحرير الخرطوم من الاحتلال، فاستقر بهم المقام وطاب، وبدأوا في تشييد مدينتهم وقسموها إلى أحياء ذات معنى ودلالات مثل بيت المال وأبوروف ودنوباوي، وما لاحصر لها من أحياء أخرى بعضها نشأ بعد المهدية، لكننا هنا حاولنا أن نسلط الضوء على اثنين منها (حي الأمراء وفريق ريد). ما وراء الأسم: تتعدد الروايات عن أصل الاسم ولعل أكثرها رواية تلك التي تتحدث عن امرأة تنتمي إلى أسرة مالكة كانت تسكن المكان الذي قامت عليه المدينة بالقرب من ملتقى النيلين الأبيض والأزرق، وكانت لها ولد اسمه (درمان)، وكانت تسكن منزلا مبنياً من الحجر ومحاطا بسور متين، وظلت آثاره باقية لعهد قريب بحي بيت المال، وإلى أم در نسب اسمه، وهناك راوية أخرى تذهب إلى أن أمدرمان بفتح الهمزة والميم لفظ عربي قحطاني الأصل، ويعني المرتفع من الأرض وسمى به المكان بالدلالة على طبيعته، وقد أطلق عليها المهدي بعد أن اتخذها عاصمة له اسم البقعة الطاهرة. حي الأمراء كان يسكنه السادة الأمراء وقادة جيش الخليفة عبدالله التعايشي، حيث يبدأ الحي من تقاطع شارع الموردة مع الركن الغربي لجامع ميدان الخليفة ويتجه جنوبا بخور العرضة، في هذا الحي التقينا العم جعفر السر من قدامى سكان (الأمراء) فقال: يتميز الحي بعلاقات أسرية مترابطة، ومن أشهر بيوت هذا الحي بيت أبناء الخليفة عبدالله، وهم السيد سليمان والسيد فضل السيد ومحمد الأمين عبدالله التعايشي، ومن الأمراء الأمير محمود ود أحمد والسيد يعقوب أحمد الحلو والكثير منهم، إضافة إلى بيوت السادة عبدالله بن الأمير إسماعيل، ولكن معظم هؤلاء رحلوا. وأضاف كانت أم درمان جميلة جداً في السابق، يتجمع أهل الفريق من الصباح أمام الشارع يتفقدون أحوال بعضهم حتى المغيب. وأضاف جعفر: التربية كانت توجد في الشارع والبيت، وذلك بفضل هؤلاء الأجداد، ولكن الوضع اختلف وأصبح الناس لا وقت لهم لتفقد الجيران، فتفككت العلاقات الاجتماعية. ومن جهتها قالت آمنة أحمد: حي الأمراء يجسد المثل القائل (جارك القريب ولا ود أمك البعيد). وأضافت: لكن الآن (يا بنتي) الوضع تغير والناس تغيرت، وعزت ذلك إلى (المشغولية والجري وراء لقمة العيش). فريق ريد: من الأحياء الحديثة نسبياً، إذ أسس بعد المهدية ويقع شرق الموردة، قابلنا (عدنان قاسم)، فتحدث إلينا قائلا: البعض يقول إنه جاء من (الريد والمحبة)، لكن في الحقيقة أنه منسوب إلى (مستر ريد)، وهو مفتش إنجليزي كان مسؤولا عن أمدرمان قبل أن يعين مديرا لمديرية كردفان، وهو أول من أنشأ منازل حديثة للضباط السودانيين وقوة دفاع السوداني مبنية من الحجر والطوب بمواصفات غاية في الجمال و الفخامة، وأطلق على هذا الحي (حي الضباط) وعلى الحي المجاور له (فريق ريد). واستطرد: من أهم الشخصيات التي سكنت الحي العميد الطاهر حسن سالم والقاضي محمد الدرديري عضو في مجلس السيادة وأحمد كافي وحسن جوهر، ومن الشعراء سيد أحمد ومحمود متوكل. السمكة لو طلعت من البحر بتموت علاء الدين من مواطني (فريق ريد) قال: الحي يجمع كافة الشعوب السودانية دون أي تعصب قبلي. واستطرد قائلا: لا أبدل (فريق ريد) بأي مكان في الدنيا مع أنه عرضت علينا أموال طائلة لشراء منازلنا، فالعلاقات الاجتماعية لا تشترى بثمن. وأشار إلى أن من أهم الشعراء الذين سكنوا الحي عوض أحمد خليفة وأحمد توفيق. وفي السياق، أضافت سهاد سالم زوجة عدنان قاسم أن حي (ريد) يتميز بالهدوء والأسر المترابطة اجتماعياً، وكان للأعراس فيه طعم مختلف، إذ تمتد إلى سبعة أيام، ولكن الآن تقلصت. وأشارت إلى أن (فريق ريد) من الناحية القريبة يوجد قصر قديم يقال إنه (دار فوز) كان يجتمع فيه قادة اللواء الأبيض، ويغني فيه خليل فرح أغانيه الخالدة ومن خلفه يقع جامع السادة الأدارسة، حيث ضريح الشيخ الإدريسي وهو حولية ينتظرها سكان الحي لإقامة السهرات والنوبات والذكر وبيع الحلويات وبالنسبة لهم مثل أيام المولد. ظرفاء المدينة: إنها مدينة الظرفاء ومدينة الحكايات، وفي تلك السنوات البعيدة حيث كان رؤية المحبوب لحبيبته صعبة جدا كانت للشاعر حسن الزبير (محبوبة) من فريق (ريد) اسمها (عايدة)، وكان مشتاقاً لرؤيتها، ففكر في عمل خدعة لكي يتمكن من ذلك. فجمع أولاد الحي وأعطاهم بعض النقود وطلب منهم أن يصرخوا بأصوات عالية (حريقة)، فهرع كل أهل الحي من بيوتهم ليساعدوا على إطفاء الحريقة، فكانت بينهم محبوبته التي سألته أين الحريقة فقال لها (الحريقة في قلبي دا) ويروي أيضا أن أحد ظرفاء مدينة أمدرمان من زمن المهدية أن رجلا رأى شابا يرتدي جلابية (جناح أم جكو)، وهي جلابية (أنصار)، وهو يلوك لبانة، فعلق الرجل قائلا مخاطبا الشاب متهكماً: “يا ولدي ناس الجلابية دي أكل الدوم عندهم عيب”. العيد في أم د رمان كان يوجد اهتمام خاص، إذ كان معظم أفراد الأسر الممتدة الذين يسكنون على مقربة مع بعضهم البعض في العديد من أحياء أمدرمان، يعبرون عن فرحتهم وكانت بهجتهم لا تدانيها بهجة، في قديم الزمان كانت أدوات الترفيه محدودة ميدان العرضة والمسرح القومي بأمدرمان، وبعض دور العرض السينمائي بالعاصمة المثلثة، وقاعد الصداقة التي افتتحت في مطلع السبعينيات بما تحتويه من مسرح وسينما وصالات وأسواق موسمية، كان تمثل وقفة فوق العادة، كانت المخابز ضئيلة العدد حين ذاك، حيث أن الأسر الأمدرمانية كانت تجهز خبائز العيد في المنازل ويقوم جميع أهل المنزل بالمشاركة بهذا العمل والبعض يذهب إلى الأفران وكان يستغرق نضج الخبز لعدة ساعات في ذلك الوقت تمثل فرحة على الوجوه مما يقوي الروابط الأسرية ويعضد النسيج الاجتماعي وتجهيزات ملابس العيد كان يتم عن طريق الخياطة، إذ لا يحبذ الكثير الملابس الجاهزة، ومن أبرز المحلات لبيع الأقمشة بالقطاعي بأمدرمان في الستينيات والسبعينيات محلات (عبــاس رشوان وشلقامي

اليوم التالي

‫4 تعليقات

  1. إيه يعنى لو ضيعنى ساكن الموردة , ياود جقود ما يصح ليك تعمل كدا ..

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..