السودان.. القضاء وإهانة السياسيين

طارق الشيخ

خطب ثلاثة نشطاء سياسيين سودانيين، في جمع من الناس، إبّان الانتخابات في السودان، فأصدر قاضي محكمة كرري حكمه، أخيراً، عليهم بالجلد عشرين جلدة لكل منهم، واستند إلى أن الجلد من بين ثلاث عقوبات تجيزها “المادة (67) الخاصة بالجرائم المتعلقة بالطمأنينة العامة”، وذلك “عوضاً عن سجنهم أو تغريمهم، جراء تنظيمهم مخاطبات سياسية تحرّض على مقاطعة الانتخابات في قلب الأسواق العامة”، على ما أفادت الصحف. وبذلك، أضاف القضاء السوداني إلى رصيده في الغريب من الأحكام قضيةً، أثارت ولاتزال لغطاً كثيراً في السودان. فهي المرة الأولى التي يصدر فيها حكم الجلد على سياسيين، وإنْ ليست سابقة سياسية، من حيث الغرابة والجور في الحكم، فكم من اتهامات ثقيلة ألصقت جوراً وظلماً، بقيادات سياسية في ظل حكم الإسلاميين في السودان، ثم صدر حكم سياسي، وليس قضائياً، بالإفراج عنهم. وكم من حالات إعدام نفذت بالجملة، شملت عسكريين في ليلة عيد الفطر، فيما عرف بمذبحة الـ 28 ضابطا عام 1990. وكم من حالات إعدام طاولت أبرياء، لحيازتهم حفنة من الدولارات. وكثيرة حالات إهانة السياسيين بالاعتقال، بتهم العمالة والتخابر والخيانة إلخ .. صف يطول من التهم، ثم ينتهي الأمر بإلغاء التهم، ووقف المسرحية بعد استنفاد أغراضها السياسية.

كثيرة حالات إهانة السياسيين بالاعتقال، بتهم العمالة والتخابر والخيانة إلخ .. صف يطول من التهم، ثم ينتهي الأمر بإلغاء التهم، ووقف المسرحية بعد استنفاد أغراضها السياسية

لن تكون الحالة الجديدة آخر مرة، يتم فيها إصدار مثل هذا الحكم، لكنها قوبلت بامتعاض، لأن الجسد السياسي السوداني بات في حالة من الوهن، بحيث إن حادثة صغيرة يمكن أن تحدث ضجة كبرى. وكثيرة هي الأحكام بالجلد التي يصدرها القضاة يومياً في السودان، بحق بسطاء الناس وبائعات الشاي في الأماكن العامة، وغيرهم من عامة الناس. ومع ذلك، إن سألت أياً من المسؤولين لتباهى لك بأن الحريات المكفولة في السودان لامثيل لها عربيا أبداً.

ولأن السودان في حالة من الوهن الشديد، فقد أثار جلد ثلاثة نشطاء سياسيين حنق كثيرين، لأن جلد السياسي هنا قصد منه الإهانة “وإخافة الرجال”، وهذا بيت القصيد. ويحفظ التاريخ السياسي الممتد حالات كثيرة، قصد بها الحاكم إساءة الخصوم منذ عهد خليفة المهدي عبدالله التعايشي، مرورا بجعفر النميري الذي كان أكثرهم فجوراً في الإساءة لخصومه، وخصوصاً الإخوان المسلمين، بقيادة حسن الترابي. لكن، ما نفذه هؤلاء، بعد انقلابهم عام 1989 تجاه خصومهم، من فجور في الخصومة فاق كل تصور. ومنذ ذلك الحين، يخرج الحكم، في كل مرة، بإهانة لفئة من الخصوم السياسيين، وتمتد إلى كل من يوجه سلاح حرية التعبير، المكفول دستورياً، تجاه الحكم. وبدون عناء معرفة من يكون هذا القاضي. لكن، وبلا جدال، هو أحد من أصابتهم لوثة التمكين من دون جدارة، وعبر إلى كرسي القضاء عبر التنظيم، وليس جدارة الاختيار الصارمة التي عرف بها القضاء السوداني بتاريخه الطويل. والقاضي وحكمه يتسم بقدر كبير من الجبن جعله ينتقي عضوية حزب صغير، ويقودهم إلى مقصلة التشهير، في حين أنه ما من حزب سياسي معارض في تلك الأيام لم يجهر برأيه ورفضه ودعوته المعلنة للناس بمقاطعة الانتخابات. لذلك، الثابت هنا أن الإهانة والتشهير هما القصد من الحكم، لأنه، وفي نهاية المطاف، ليس لدى السياسي ما يقدمه غير فكر ولسان وخطاب.

وتؤكد الحادثة، مجدداً، المدى الذي انحطّ إليه القضاء السوداني، بحيث أصبح أداة سياسية للحزب الحاكم في خدمته، لا في خدمة العدالة التي باتت مغيبة. والقضاء قد غشيه الفساد الذي هيمن على مفاصل الدولة بكاملها، فبات مخلب قط في لعبة السياسة. وإلا، فما يضير السلطات حتى تتوقف عند ثلاثة أشخاص من حزب المؤتمر السوداني، كل ذنبهم أنهم دعوا ناساً إلى عدم المشاركة في الانتخابات، وهذا رأي لا يجرمه القانون بحال. وبالعودة إلى حالة الوهن العامة التي تجتاح الجسد السوداني، والحكم ومؤسساته تحديداً، فإن السهولة التي يطلق بها القضاء، وبشكل متكرر، مثل هذه الأحكام السياسية بامتياز، والمهينة للناس، تفقد عامة الناس الثقة في القضاء وفي العدالة واحترام القانون. وإذا كانت الدولة نفسها أول من يبصق على قوانين قد سنتها، وتتعدى، بشكل متكرر، على حريات التعبير والصحافة، وتمرغ في الوحل هيبة مؤسساتها، فماذا بقي للدولة لدى المواطن. وإذا وضعنا الأمور في صورتها الصحيحة، فوسط حالة من الفساد الوبائي وفساد الأجهزة وانعدام شائع للثقة في الدولة، ولم يبق من هامش كبير. فما بين الناس والانزلاق نحو الفوضي فاصل هش للغاية، لا يحتمل المزيد من الإهانة والاستخفاف بالعقول والمؤسسات العدلية.

العربي

تعليق واحد

  1. القاضي اسمو منو الله يلعنو

    وفي قاضي اخر كان يجلد الناس بلا هوادة اسمو محمد سيد احمد غرباوي قالو موجود في لندن

  2. أخى طارق لازال فى جعبه هذا النظام الكثير من السيناريوهات فى طريقها اليكم فلا تستعجلوا..هذا النظام خبر الشعب تماما…هل نسى الناس حفل افتتاح الانقاذ كان بمجدى وصحبه الميامين مرورا بعلى فضل وحركة رمضان…القائمه طويله جدا كما تعلم ولكن لامانع لقطات سريعه زى حبس الصادق والترابى وابوعيسى وابراهيم الشيخ واغتيال عوضيه وحتى اخبار الاختلاسات من ادوات إشغال هذا الشعب ونحن لازلنا نندهش ونسب ونلعن على شاكلة ليكم يوم يا اولاد الكلب و العباره الممجموجه اضرب الظالمين واخرجنا من بينهم سالمين او ماعايزين السودان يكون زى العراق وافغانستان وسوريا كل هذا الردحى لن يكبح جماح الانقاذ فيما تريد فعله بهذا الشعب وهذا الوطن بدليل وزير الكهرباء الكان بهتف ليها نفس هذا الشعب الرد بالسد أهو سد نفسهم.
    وصلتنى صوره على الواتساب واكيد فى مجموعه كبيره شافوها للخرطوم 1930 والخرطوم 2015 بوزعوا فيها المويه بالحمير… أنا لا أشك فى وطنية اى واحد من الشرفاء عدا الكيزان ولكن الوطنيه لحالها لا تكفى ما لما يكن هناك نبذ علنى للقبليه التى هى أس البلاء وحتى إذا هى وتر تعزف عليه الأنقاذ لتفرق به أبناء هذا الوطن أليس فى أبناء هذا الوطن عقل ليفوتوا عليهم هذا المخطط بدل الانجراف وراء يا زول مالك ومال الدناقله او الجعليين او او.
    كلنا نعلق تعليقات مرحه ولكن والله عليم بها ليست من أجل إبراز مواهبنا الكوميديه ولكنها نتيجه للغبن الذى نعيشه…وأخير وليس آخر نحن شرفاء هذا البلد فى حرب مع هذا النظام المنحط وأنا شخصيا حتى لو كان أقرب أقربائى معهم لا يسلم … والحرب أى سلاح فيها مباح.

  3. السودان….ومنصات التاسيس المجهضة 1956-2014
    عادل الامين

    لماذا لم يكن السودان في منتدى دافوس وهو نادي الاغنياء الاذكياء والقوى الاقتصادية العظمى في العالم؟؟…
    رغم ان موارد السودان المهولة والمتعددة الا انه من افشل ثلاث دول في العالم حتى الان؟
    تركه الانجليز 1 يناير 1956 في منصةالانطلاق والريادة الى القرن 21…واعادته بضاعة خان الخليلي”الناصريين+ الشيوعيين+ الاخوان المسلمين” الى العصرالطباشيري….
    وحتى هذه اللحظة…نرى اعادة تدوير “اهل القبلة “والنخبة السودانية وادمان الفشل في المركز والمشاريع الميتة سريريا ومع -نفس الناس-
    يحتفون بانجازات هزيلة ونحن نشاهد انشااءات عظيمة في ناشونال جوغرافيك ونهوض ماليزيا والهند والبرازيل والصين
    والمنتظر من” اهل المركز” ديل يطلعو ليه بوصفة سحرية تعالج ازماته المتعددة يكون منتظر سراب بقيعة يحسبه اظمان ماء…
    انتهت الشعوذة الدينية باسبابها وجائنا الدجل السياسي غير القائم على اي اسس علمية او واقعية…
    وان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم…
    ****
    موضوع الهوية السودانية اتحسم من 1 يناير 1956 قانون الاحوال الشخصية السوداني
    1- الجنسية الخضراء-السوداني بي الميلاد
    2- الجنسية البنية -السوداني بي التجنس”الوافدين
    ………………….
    والان ساعدد لكم “منصات التاسيس” التي تشكلت عبر العصور وكيف يتم التجديف بعيدا عنها بسبب “بضاعة خان الخليلي” وجهل واستكبار الرعيل الاول ومن خلفهم من زرية ضعفاء حتى غدت البلد كالصريم…
    1- المنصة الاولى :
    الفدرالية ومؤتمر جوبا 1947 الذى اكد استحالة ادارة السودان عبردولة مركزية فاسدةوفاشلة وفاشية -النموذج المصري-
    2-المنصة الثانية
    السيد عبدالرحمن المهدي والشعار الجامع المانع”السودان للسودانيين” ومحاربة الاستلاب المصري الفكري -الثقافي -السياسي في السودان “الخديج” ودعمه لرؤية الجنوبيين”الفدرالية ” الاب بيامس والسياسي بنجامين لوكي 1955
    3- المنصة الثالثة:
    اسس دستور السودان 1955- محمود محمد طه او مشروع سوداني لدولة مدنية فدرالية ديموقراطية اشتراكية في العالم الثالث والسودان
    4- المنصة الرابعة
    مقررات مؤتمر المائدة المستديرة “سر الختم الخليفة”
    وكانت نواة لاول مؤتمر وطني دستوري لوضع رؤية كيف يحكم السودان ولاحظ مع ثورة اكتوبر غير المجيدة 1964و-نفس الناس- وارجع ال التاريخ شوف ما حاق بالجنوبي وليم دينق ومن احرق الجنوبيين في بابنوسة1965
    5- المنصة الخامسة
    اتفاقية اديس ابابا 1972
    اول مشروع سوداني ديناميكي بعد لاستقلال استطاع ان يتيح للجنوبيين الفرصة للعيش في دولة سودانية مستقرة بالحكم الذاتي في الجنوب والحكم لاقليمي اللامركزي الرشيد في الشمال ….
    6- منصة السادسة:
    اتفافية الميرغني /قرنق والمؤتمر الوطني الدستوري 1988 التي اجهضاانقلاب الانقاذ..

    7- المنصة السابعة
    7- مؤتمر اسمرا للقضايا المصيرية 1995
    اقترب كثيرا من علاج ازمة الدستور نفسها وضع تصور لحكم السودان…واجهضه -نفس الشخص-
    8- المنصة الثامنة
    اتفاقية نيفاشا للسلام الشامل 2005 ودستور 2005
    وهذه وضعت الحل المؤسس دستوريا لحل كافة مشاكل السودان العالقة من 1956 ومؤسسة بي دستور وبي اختراع المحكمة الدستورية العليا…وايضا اجهضها -نفس الناس

    المنصة التاسعة
    اتفاق مالك عقار/د.نافع علي نافع 2011
    والقرار 2046
    …………….

    ****
    10- المنصة العاشرة وااخيرة قبل السقوط
    العودة للشعب يقرر-الانتخابات المبكرةعبر تفعيل الدستور و-The Three Steps Election 1-
    المؤسسات الدستورية واعادة هيكلة السودان هي المخرج الوحيد الامن للسلطة الحالية..بعد موت المشروع الاسلامي في بلد المنشا مصر يجب ان نعود الى نيفاشا2005 ودولة الجنوب والدستور الانتقالي والتصالح مع النفس والشعب ..الحلول الفوقية وتغيير الاشخاص لن يجدي ولكن تغيير الاوضاع يجب ان يتم كالاتي
    1-تفعيل المحكمة الدستورية العليا وقوميتها لاهميتها القصوى في فض النزاعات القائمة الان في السودان بين المركز والمركز وبين المركز والهامش-وهي ازمات سياسية محضة..
    2-تفعيل الملف الامني لاتفاقية نيفاشا ودمج كافة حاملي السلاح في الجيش السوداني وفتح ملف المفصولين للصالح العام
    3- تفعيل المفوضية العليا للانتخابات وقوميتها وتجيهزها للانتخابات المبكرة
    4-استعادة الحكم الاقليمي اللامركزي القديم -خمسة اقاليم- باسس جديدة
    5-اجراء انتخابات اقليمية باسرع وقت والغاء المستوى الولائي للحكم لاحقا لعدم جدواه
    6-اجراء انتخابات برلمانية لاحقة
    7-انتخابات رآسية مسك ختام لتجربة ان لها ان تترجل…
    8- مراجعة النفس والمصالحة والشفافية والعدالة الانتقالية…..
    …………….
    ولو عرفت- نفس الناس- واتحررت من شنو … خلاص اكتمل علمك

  4. يا اخوانا القاضي اسمو منو؟؟ وساكن وين ؟ وهو اصلا من وين ؟؟؟واولادو بدرسو وين؟؟؟
    عايزين معلومات كاملة عنه ولازم تتابعوا تحركاتو من وقت لاخر..

  5. مصر المؤمنة باهل الله لقد حهاها الله بقدوم السيسي تخيلو ماذا كان يحدث فى مصر لو تمكن الاخوان من الحكم كان الجلد حا يكون الحكم المفضل للاخوان لانهم لن يستطيعو حبس الشعب المصرى كله ..وبعدين الجلد يعتبر عقوبة رخيصة لا تكلف الدولة تبعات رعاية السجين ..لذالك كانت مقاومة الاخوان فى الجزائر والمغرب ومصر عملية استباقية لكارثة كانت قادمة …يتباكى الاخوان على الديمقراطية وحقوق الانسان بدموع التماسيح ..وعندما يظفرون بها يمنعون غيرهم منها

  6. وهذا تاكيد جديد على وجوب ان يكون القضاء والشرطة والجيش اجهزة قومية لا تتبع لحزب او طائفة والا النتيجة صدور مثل هذه الاحكام الغريبة والكثير والكثير من الاحكام التى تصدر مخالفة للقانون والشريعه الاسلامية
    وبناءا علىالماده 67 فان حديث منسوبي المؤتمر السوداني هو ما يبعث على طمئنينةالشعب بان هنالك مازال امل في الحرية

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..