اتفاق سياسي حول ليبيا: وماذا بعد

توقيع عدد من القوى التي كانت تساند حكومة طرابلس على مسودة اتفاق السلم والمصالحة التي اقترحتها الأمم المتحدة يعني أن عدم التحاق المؤتمر الوطني العام بركب المؤيدين لاتفاق الصخيرات يعدّ انتحارا سياسيا من المستبعد أن تقدم عليه حكومة طرابلس وسط توقّعات بأن تذعن في النهاية للأمر وتعيد ترتيب بيتها الداخلي لتلتحق بمسيرة الاتفاق السياسي، الأمر الذي سيلقي بظلاله على وضع الميليشيات المسلحة في طرابلس.
العرب حسن السوسي
وأخيرا تم التوقيع بالأحرف الأولى على اتفاق الصخيرات على طريق إنهاء الأزمة الليبية، وهو حدث نوعي في تطورات الحرب الدائرة في البلاد، بين العديد من القوى والميلشيات المسلحة، علاوة على الصراع المفتوح بين حكومتين إحداهما معترف بها، ومقرها في طبرق بشرق ليبيا، والثانية في طرابلس، وهي مدعومة من قبل تنظيم فجر ليبيا، الذي يضم عددا من الميلشيات العسكرية والسياسية المتشدّدة.
ورغم تخلف حكومة طرابلس عن توقيع الاتفاق، إلى حد الآن، فإن كثيرا من المراقبين لتطورات الأزمة الليبية يعتقدون أن مسألة التحاق المؤتمر الوطني العام إلى مسيرة الاتفاق السياسي والمصالحة الوطنية لا تعدو كونها مسألة وقت وربما تعود إلى أسباب تتعلق بإعادة ترتيب البيت الداخلي للمؤتمر الوطني العام وحكومة طرابلس والائتلاف الذي يساندها. خاصة أن توقيع عدد من القوى التي كانت تساند حكومة طرابلس أو لا تعاديها بشكل مطلق على الاتفاق، ومنها قوات مصراتة، يعني أن عدم الالتحاق بهذا الاتفاق، بطريقة ما، هو بمثابة انتحار سياسي من المستبعد أن تقدم عليه، لا سيما أنها شاركت بنوع من الايجابية في المراحل الأخيرة من الحوار السياسي الليبي تحت رعاية الأمم المتحدة.
وأشار وزير الخارجية المغربي صلاح الدين مزوار إلى إن الاتفاق يفتح صفحة جديدة «بأبعاد تاريخية واستراتيجية كبرى، لأنها لا تعني ليبيا وحدها بل تعني منطقة المتوسط كلها، والقارتين الأفريقية والأوروبية والعالم». وعبّر عن دعم بلاده «لما يخدم السلم والازدهار لهذا البلد الشقيق وللمنطقة ككل». وخفف مزوار من غياب المؤتمر الوطني، معتبرا أن الأمر لا يعدو «كبوة فارس لن يتأخر في الالتحاق بباقي إخوته، ولن يرضى لنفسه ولشعبه أن يخلف الموعد مع اللحظة التاريخية لتأسيس ليبيا الجديدة».
رغم تخلف حكومة طرابلس عن توقيع الاتفاق فإن كثيرا من المراقبين لتطورات الأزمة الليبية يعتقدون أن التحاق المؤتمر الوطني العام بمسيرة الاتفاق السياسي والمصالحة الوطنية مسألة وقت
وأُجريت مراسم التوقيع بالأحرف الأولى على «اتفاق الصخيرات» بمشاركة وفد برلمان طبرق وممثلين عن المجالس البلدية لمصراتة وسبها وزليتن وطرابلس المركز ومسلاتة، والمستقلين وممثلين عن المجتمع المدني، وفي حضور وزير الخارجية المغربي صلاح الدين مزوار ورئيسي مجلسي النواب والمستشارين المغربيين والسفراء الأجانب والمبعوثين الخاصين إلى ليبيا.
وفي سياق تفسير مشاركة بعض القوى في التوقيع على الاتفاق نقل بيان صادر عن الأمم المتحدة أن حضور ممثلين من البلديات والأحزاب والشخصيات السياسية يهدف إلى «إرسال رسالة واضحة بتكامل عمل المسارات (الحوار) وتوافقها»، مضيفا أن جميع المشاركين في المسارات الأخرى ستتم دعوتهم عقب إجازة عيد الفطر للمشاركة في اجتماع مشترك لكافة المسارات للتأكيد على أن الحوار «أنهى شوطا مهما من أعماله بإنجاز وثيقة الاتفاق السياسي الليبي تمهيدا لبدء المرحلة التالية من الحوار».
ونوّه ليون بهذه الخطوة بالغة الأهمية في الطريق إلى السلام الذي كان هدفا واضحا لليبيين منذ فترة طويلة رغم كل العقبات التي اعترضت مساعي تحقيقه، معتبرا أن نص الاتفاق هو بمثابة حجر الأساس لدولة حديثة ديمقراطية، معيدا التذكير بهدف الاتفاق متمثلا في «إنهاء الانقسام السياسي والمؤسساتي وتغليب روح المصالحة الوطنية والمعالجة الحكيمة لمخاوف كل الفئات ومصالحها دون انحياز أو إقصاء أو تهميش، وبشكل يتماشى مع المبادئ الواردة في الاتفاق والمتمثلة في سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان».
وليس هناك مجال للشك في أن أطراف الأزمة الليبية حققت خطوة متقدمة في مساعيها لملء الفراغ السياسي الذي ميز البلاد خلال سنوات عديدة، بما جعل لغة العنف والسلاح تعلو على كل الأصوات الداعية إلى وضع حد لحال الفلتان الأمني والوقوف سدا منيعا أمام محاولات تنظيم داعش للتمدد.
طريق الليبيين نحو الأمن والاستقرار مازالت شائكة
الاتفاق بين حل الأزمة وتدهور الصراع
مما لا شك فيه أن الأزمة الليبية أصبحت أزمة إقليمية ودولية حادة، جعلت جيران ليبيا يتخوفون من تأثيراتها السلبية على أوضاعهم الأمنية، خاصة بالنسبة إلى تونس التي ترى أن أحد مصادر الخطر على استقرارها السياسي والأمني هو ليبيا وفوضى السلاح فيها خاصة أن تنظيم داعش قد وجد له موطئ قدم في البلاد في ظل الفراغ السياسي الكبير الذي تعاني منه ليبيا والذي وفر فرصا غير مسبوقة لقوى التطرف والميلشيات المسلحة للتمدد إلى درجة تهديد جيران ليبيا. وهو تهديد شعرت به الجزائر هي أيضا، الأمر الذي فرض عليها نشر مزيد من قواتها العسكرية على طول حدودها مع ليبيا ومع تونس تحسبا لكل تطورات استمرار تدهور الوضع الأمني والسياسي في ليبيا.
وإذ أقدمت تونس، في معرض العمل على مواجهة التحديات التي يطرحها تنامي الإرهاب في المنطقة، على بناء جدار لأغراض دفاعية على أراضيها المتاخمة للحدود مع ليبيا، فإنها تعتبر أن ذلك ليس موجها بأي شكل من الأشكال ضد ليبيا، وبالتالي، فإن التهديدات الصادرة من حكومة طرابلس غير مبررة على الإطلاق ومن شأنها المزيد من تأزيم الأوضاع في منطقة تعيش اضطرابات أمنية وعسكرية خطيرة.
ولعل هذا ما حدا ببعض المراقبين إلى اعتبار موقف حكومة طرابلس يندرج في سياق البحث عن استعادة بعض الوهج السياسي على مستوى القضية الوطنية الليبية بعد أن تم سحب البساط من تحت قدميها بتوقيع اتفاق الصخيرات حول الحل السياسي.
وجدير بالذكر أن إصرار تنظيم فجر ليبيا على ضرورة رفض تعيين اللواء خليفة حفتر قائدا للجيش الليبي وعدم استساغة حكومة طرابلس اعتماد برلمان طبرق البرلمان الشرعي كما أن لديها تحفظات كثيرة حول مجلس الدولة تركيبة وصلاحيات، ألقى بظلاله على الاتفاق غير أن الباب مفتوح أمام الجميع للمساهمة في مسيرة الحل.
ويبدو أن استجابة بعثة الأمم المتحدة لطلب بعض القوى السياسية لمواصلة الحوار حول نقاط الاختلاف التي تم تسجيل تحفظات حولها هي التعبير الواضح على أن المبعوث الأممي يرغب حقا في إنجاز اتفاق ما حول الأزمة الليبية يمكن من التقدم خطوات إيجابية على طريق الحل من خلال اعتماد منهجيتين مكملتين لبعضهما، أولاهما قطع الطريق على كل من يحاول إفشال الحوار من خلال الدفع به إلى مسلسل لانهائي من المسودات والتعديلات والتي تعيد في أحيان كثيرة الحوار إلى مربع الانطلاق.
لذلك، وتحسّبا لهذا السناريو تم فتح المجال لتوقيع الاتفاق السياسي بالأحرف الأولى من قبل القوى التي رغبت في ذلك وفي مقدمتها الحكومة الليبية المؤقتة المعترف بها دوليا، الأمر الذي يعني أن الاتفاق لم يعد قابلا لأي تعديل يذكر في متنه الموقع في مدينة الصخيرات، جنوب العاصمة المغربية الرباط يوم السبت الحادي عشر من يوليو الماضي، غير أن هذا لا يغلق الطريق في المقابل أمام مواصلة الحوار حول القضايا الخلافية بين فرقاء الأزمة الليبية من خلال بلورة ملاحق للاتفاق الأصلي، وهذه هي المنهجية الثانية في سياق تدبير ملف الأزمة الليبية والحوار حولها في المغرب.
تقدم لا يلغي إطلاق اتهامات
اتهمت الحكومة الليبية المعترف بها دوليا بشكل صريح مجلس الأمن الدولي ولجنة العقوبات التابعة له بعرقلة جهودها لمكافحة الإرهاب وتساءل الكثيرون ممن يقاسمونها وجهة نظرها عن السبب في رفض عودة الجيش الليبي إلى مواقع التأثير في الأحداث. واستمرار الحظر على تزويد الجيش الوطني الليبي بالسلاح، في نظر هؤلاء، ينطوي على خطورة كبرى، ذلك أن العديد من الميليشيات المعادية للدولة تتلقى الدعم من قبل قوى إقليمية ودولية لا ترغب في أن ترى ليبيا وقد استعادت عافيتها الأمنية والسياسية.
أما خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي فقال إن الجيش لا علاقة له بالحوار الجاري، لا في بدايته ولا في نهايته، لكنه يأمل في أن يؤدي هذا الحوار إلى شيء إيجابي، مؤكدا أن المسألة الأساسية بالنسبة إلى الجيش تكمن في مدى خدمة كل اتفاق، ينتهي إليه الحوار، مصلحة الشعب الليبي، فإذا كان في مصلحته، فإن الترحيب به هو المنتظر، لكن الرفض هو مصير كل اتفاق يتنافى مع المصلحة العليا للشعب الليبي.
وفي كل الأحوال، لا مكان للميلشيات والقوى الإرهابية في صفوف الجيش الليبي، وهذا على ما يبدو رسالة إلى الأطراف المتحاورة بأن الجيش لن يقبل إدماج الميلشيات المسلحة في صفوفه في أي اتفاق في المستقبل.