هل تستهدف المرأة الصحفية في المناطق الساخنة بسبب جنسها أو مهنتها

شهدت السنوات الأخيرة استهدافا للإعلاميين والصحفيين في مناطق النزاعات المسلحة والحروب وخلال المظاهرات وحتى في فترات ثورات ما يسمى بالربيع العربي. الصحفيات من النساء لم يكن بمنأى عن هذا الاستهداف بل لعل العنف ضدهن كان أكثر بربرية من الاعتداءات على زملائهن الرجال، لكن ذلك لم يمنع الصحفيات وخاصة المراسلات من التواجد في المناطق الساخنة ولم يحبط عزائمهن في تحدي ظروف المهنة.
العرب سماح بن عبادة
لم يعد مستغربا ولا صادما تداول أخبار وفيديوهات الصحفيات والمراسلات اللاتي يتعرضن للتعنيف أو للخطف أو للترهيب أو للتهديد أو للتحرش أو للاغتصاب أو للقتل في عصر الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي والإعلام الرقمي فكل هذه الوسائل باتت تمرر الخبر بسهولة ليصل العالم، لأجل ذلك ولكثرة الاعتداءات التي يلقاها الصحفيون في العالم بشكل عام وبصفة يومية تقريبا بات الرأي العام العربي شبه معتاد على مثل هكذا أخبار.
دخلت المرأة عالم الإعلام والصحافة منذ عقود وتعددت أدوارها فيه وهي اليوم لا تغيب عن شاشات التلفزيونات والإذاعات والصحف والدوريات الورقية أو الإلكترونية ولأن الصحافة تمثل السلطة الرابعة ولأنها يجب أن تلعب دورها الفعلي ليس فقط في نقل الأخبار وتغطية الأحداث بل في توجيه وقولبة الوعي العام وفي رسم السياسات الكبرى للدول ارتأت المرأة الصحفية أن توسع دائرة تخصصها ولا تتوقف عند الاختصاصات التي تحصرها فيها المجتمعات والمؤسسات الإعلامية التي تحتّم عليها العمل في مجالات الموضة والأزياء والتجميل والتنشيط والترفيه وأخبار النجوم وفضائحهم والصحة والمواضيع الاجتماعية.
شيئا فشيئا توجهت الصحفيات للعمل في مجالات كانت تحسب من اختصاص زملائهن الرجال ليلعبن دورهن الحقيقي ويمثلن ولو جزءا بسيطا من نفوذ السلطة الرابعة، فباشرن بالعمل في الميدان الاقتصادي والسياسي وكانت لهن فيه نجاحات، حيث تركت العديد من الصحفيات أسماءهن وبصماتهن في هذه التخصصات الإعلامية. ورغم أن أعداد الصحفيات في رئاسة وإدارة المؤسسات الإعلامية خاصة في العالم العربي قليلة إلا أن المرأة الصحفية تواصل الكفاح والمسيرة نحو مزيد تمكينها في ميدان الصحافة.
ما زالت المجتمعات العربية والشرقية إلى اليوم تنتقص من قدرات وكفاءة المرأة في ميدان الصحافة وترمقها بنظرة استهانة إلا أن الصحفيات واصلن الإقبال على العمل في هذا المجال وعلى دراسته ونيل الشهادات العليا فيه، بل ويقدمن أكثر نحو التغطية الصحفية الميدانية التي تحررهن من قيود وروتين المكاتب ونزلن إلى الشارع لتغطية الأحداث وعمل اللقاءات والريبورتاجات وأيضا اقتحمن المناطق الساخنة التي تشهد حروبا أو نزاعات مسلحة ليكنّ في الصفوف الأولى ضمن مراسلي وسائل الإعلام بأنواعها بكل شجاعة وجرأة.
تأمل المرأة الصحفية أن تعامل على حد السواء مع زملائها الرجال وتخاطر لأجل ذلك بحياتها لتثبت أنها قادرة على القيام بأخطر المهام الصحفية في بؤر التوتر والموت لتقدم بذلك مثالا يقتدى به في الشجاعة. هي بذلك تخوض تحد مزدوج بين الموروث الاجتماعي العربي المحافظ الذي يرفض وجودها وعملها في ميادين يرفع فيها السلاح أو تشكل خطرا على الحياة ويحكم عليها بالضعف والعجز عن أداء مهامها من جهة وبين تحديات العمل الصحفي في حد ذاته بما فيه من صعوبات وتهميش للنساء وبما يضم من مخاطر قد تصل إلى الموت وهي لذلك تتسلح بالتعليم وبالتأهيل كما تكوّن لنفسها زادا معرفيا وثقافيا ونفسيا يمكنها من خوض مغامرات المراسل الصحفي في الأماكن الأقل أمانا.
وسجلت الصحفيات المراسلات حضورا لافتا في الدول التي تشهد اضطرابات أمنية أو حروبا مثل فلسطين والعراق وسوريا واليمن وليبيا.. وكثيرا ما نشاهد على شاشات التلفزيون مراسلة لإحدى القنوات وهي تقف بشجاعة أمام الكاميرا وتمسك بالمصدح بيد ثابتة ومن خلفها تطلعنا الصور على مشاهد مريعة من النيران والدمار وكل ما تخلفه الحروب من مناظر مروعة ونسمع في محيط عملها أصوات الأسلحة الخفيفة والثقيلة.
وكان لتطور الأحداث وزيادة التوتر في العالم العربي، الدور الأساسي لانتقال الصحفية من الاستوديوهات والمكاتب إلى أرض الصراع، ولتزايد أعداد الصحفيات المراسلات، وذلك حسب منظمة مراسلون بلا حدود التي أطلقت في آخر تقرير سنوي لها عن الصحافة صيحة فزع حول تأمين وحماية الصحفيين في المناطق الساخنة، وتكشف أن منطقة الشرق الأوسط من أكثر المناطق خطورة في العالم بالنسبة لعمل الإعلاميات لما تشهده من صراعات سياسية عنيفة ومزمنة زادت وتيرتها بعد ما سمي بالربيع العربي.
وتأتي سوريا والعراق على قمة قائمة مناطق عمل الصحفيات الأكثر خطورة إذ كشفت الأرقام تزايد الضحايا في صفوف الإعلاميات ما يثبت استهدافهن كممارسين لمهنة الصحافة وكنساء أيضا، ووصفت المنظمة عام 2014 ?بالعام الأسود على الصحافة? حيث قتل أكثر من 66 صحفيا، واختطف 119، بينما يستمرّ احتجاز 40 كرهائن.
ويتواصل إلى اليوم سفك دماء الصحفيين والصحفيات في هذه المناطق وقد أقدم ما يسمى بتنظيم ?داعش? الشهر الجاري على تنفيذ حكم الإعدام بصحفية من مدينة الموصل تدعى سهى أحمد راضي وهي تعمل مراسلة ومحررة في صحيفة نينوى، وقد خطفت من منزلها من قبل إرهابيين نقلوها إلى مكان مجهول، واتهمتها محكمتهم بالتخابر مع جهات مناوئة، وبعد ذلك تم تسليم جثتها إلى ذويها من دائرة الطب العدلي بالموصل وعليها آثار إطلاق الرصاص.
وتبعا لذلك أصدر المرصد العراقي للحريات الصحفية، في بيان له طلبا إلى المجتمع الدولي بـ?تحرك أكثر جدية لوقف نزيف الدم الذي يثير المخاوف من مستقبل مظلم لحرية التعبير والعمل الصحفي مع وجود جماعات إرهابية تستهدف الصحافة، وعدم الاكتفاء ببيانات الإدانة?. وتؤكد إحصائيات المرصد أن الإرهابيين قتلوا 14 صحفيا منذ احتلالهم للموصل.
ولا شك أن خبر قتل الصحفية سهى لن يكون الأخير في موجة استهداف الإعلاميين ولن تكون آخر صحفية تخسر حياتها من أجل تأدية رسالتها الإعلامية خاصة وسط الجماعات المسلحة المتقاتلة في الدول التي اكتسحها الإرهاب ذلك أن هؤلاء لا يؤمنون بالدور المقدس للصحافة ولا يقبلون أن تطاردهم كاميرات الصحفيين وتصور وتبث للعالم ما يقترفونه من جرائم في حق الإنسانية.
كما أن وجود امرأة صحفية في مناطق الحرب يستفز الإرهابيين ليس فقط لكونها تؤدي مهنة الصحافة والإعلام بل لأنها أنثى وامرأة تأبى عليها عقلياتهم المتخلفة المريضة حقها في العمل وفي السفر وترفض أن تراها في صورة المتحدية لإرهابهم وللحرب وللعنف وتستنكر تواجدها في ساحات المعارك التي تظل حسب قناعاتهم ساحات رجالية بحتة لا يجب أن تتواجد المرأة فيها إلا برغبة منهم ولأجل خدمتهم.
مصير سهى أحمد راضي تتوقعه عديد الصحفيات العاملات في المناطق الساخنة لكن مثل هذه الجرائم لن تبعدهن عن خطوط المواجهة رغم فقدانهن للحماية الأمنية من المخاطر الجسيمة التي يلقونها ولعلهن ينسجن بشجاعة على منوال سهى التي نسجت بدورها على منوال سابقاتها من ضحايا العمل الصحفي في ظل الحرب.
الحكايات المأساوية للصحفيات اللاتي لقين حتفهن في الحروب كثيرة بدءا بالإعلامية أطوار بهجت مراسلة قناة العربية التي قتلت مع زميليها المصور ومهندس الصوت في سامراء بالعراق، والتي تردد أنها قتلت لنجاحها في تصوير وتسجيل شخصيات وحصولها على تفاصيل مهمة خاصة بالشأن العراقي.
وهو الحال ذاته بالنسبة لما تلقاه الإعلاميات والمراسلات في الأراضي السورية مثل مراسلة الإخبارية السورية يارا عباس التي قتلت بعد إصابتها بطلق ناري خلال تغطيتها للأحداث في حي الخالدية بحمص. كما تعرضت مراسلة قناة العالم الإيرانية رؤى العلي للإصابة برصاص في الفخذ، بينما لقيت زميلتها مراسلة القناة بدمشق مايا نصر مصرعها على أيدي قناصة أثناء تغطيتها لانفجار بالقنابل في دمشق.
وقد سبقتها عام 2012 حوادث عديدة كانت من أشهرها حادثة مقتل الأميركية ماري كولفين، مراسلة الصنداي تايمز، مع المصور الفرنسي ريمي أوشيلك في حمص أثناء حصارها، بعدما تعرض المنزل الذي كانا يقيمان فيه للقصف.
وفي لبنان دفعت الإعلامية مي شدياق، ثمنا غاليا كلفها جسدها ومهنتها عندما استهدفت سيارتها بعبوة ناسفة عام 2005 فقدت على إثرها طرفيها اليساريين وبعد يأسها من العلاج اعتزلت مهنة الصحافة. وتمثل مي نموذجا للصحفية التي تتعرض للخطر والتهديد والموت ليس مباشرة في المناطق الساخنة بل فقط لأنها في نفس البلد وأحيانا في بلد آخر بسبب مواقفها أو كلمة أدلت بها في تقريرها أو بسبب عملها الاستقصائي وكشفها لبعض الحقائق.
ولا ننسى كذلك ما يتعرض له الإعلاميون في ليبيا من تصفيات واغتيالات واختطاف جعل كثيرا منهم يتركون عملهم خوفا من بطش الميليشيات التي تدير الفوضى الليبية اليوم. ولعل أبرز مثال يذكر هنا ليؤكد بربرية ووحشية تصفية الصحفيات في مناطق النزاع العثور على جثة الإعلامية ?نصيب كرنافة? المذيعة بقناة ليبيا الوطنية في أحد شوارع مدينة سبها في شهر مايو 2014 بعد قتلها ?ذبحا? إثر اختطافها من أمام مقر القناة. وكذلك قتل الناشطة التي عملت دور المواطن الصحفي في ليبيا سلوى بوقعيقيص والتي اغتالتها إحدى الميليشيات الليبية في منزلها بطريقة وحشية رميا بالرصاص وطعنا بسكين.
هذه القصص عن مآسي الصحفيات في المناطق الساخنة ليست إلا نقطة من بحر والاعتداءات والعنف الموجه لهن لا يقتصر على الاختطاف والقتل بل أن فيه كل أشكال الاضطهاد وأبشع صور العنف من تحرش واغتصاب وغيرها وهو ما يدفع الحكومات خاصة منها العربية والمؤسسات الإعلامية إلى تجنب تكليف الصحفيات النساء بعمل المراسل في مناطق الحروب، وفي حال تمكنت الصحفية من إقناع مديريها في العمل بأنها راغبة في هذا العمل وقادرة عليه فإنها غالبا ما تجد صعوبات حتى في ترخيص السفر.
هذه المواقف التي تذعن للترهيب الذي تمارسه الجماعات الإرهابية وأطراف النزاعات في حق المرأة الصحفية يدل على استضعاف المؤسسات الإعلامية لها وعدم ثقتها في قدرتها على تحمل مسؤولية عملها وحماية حياتها كما أن الحكومات العربية مدعوة لتوفير تشريعات وقوانين تؤمن الحماية للصحفيات في مناطق الحروب وتفرض على المؤسسات الإعلامية توفير شروط حماية كاملة لهن حتى يتمكن من القيام بعملهن على أكمل وجه.