رحيل مباغت: ما أعظم الفقد والفاجعة!

رحيل مباغت: ما أعظم الفقد والفاجعة!

فيصل الباقر
[email][email protected][/email]

منذ رحيله المباغت ، ولن أقول المفاجىء ، إعترتنى – ومازالت – حالة شعوريّة يصعب وصفها وتصويرها أو تجسيدها أو شرحها . دعنى أسمّيها مجازاً ” الحالة النقديّة “. لقد شقّ على نفسى النعى وأصابنى فى مقتل خبر ” يوم شكر” نقد !.ضربنى الخبر كالصاعقة – تماماً – فتيبّست فى كبدى أحرف الكتابة النديّة.وكاد دم البيان والإبانة أن يتجمّد فى عروقى من هول الفاجعة و الكارثة . وبالفعل فقد أصبح فعل الكتابة والتبيان – وما زال – عصّى علىً وعلى قلمى وقلبى المكلوم منذ صدمة رحيل أستاذنا التجانى الطيّب ، ليلحقه نقد . فما أعظم الفاجعة !.
كتب كثيرون يمجّدون سيرته العظيمة الخالدة ، بما يستحق . يذكرون أفضاله وفضائله ومحاسنه و حسناته. ولن أستطيع أن أضيف – وإن أردت – شيئاً فى هذا الباب الوفير .ولكنّنى أشعر أنّ الواجب يحتّم أن أضيف فقرة أو فقرتين فى كتاب سيرة هذا الرجل الوضيىء ، حسن الفعل والقول والمعشر والسيرة والسريرة ، لنتأسّى بها ونتعلّم منها . ولتبقى مآثره بيننا ذكرى عطرة وعظة و ” زاد ” للقادة القادمين من المعلوم ،لا المجهول لمواصلة المشوار فى طريق خدمة الشعب والوطن. ويقينى أنّ “حوّاء” الحزب الشيوعى السودانى ولّادة !.
ظلّ الأستاذ محمد إبراهيم نقد وهو السكرتير السياسى للحزب – وهو فى قلب صعوبات الإختفاء- مهتمّاً بصحيفة الحزب ( الميدان ) ولسان حاله وأحواله فى السر و العلن. مشاركاً فى تحرير الميدان (السرّية ) و متابعاً دقيقاً وحصيفاً لكل ما يكتب فيها و يصدر عنها . وحريصاً على سلامة خطّها السياسى والإعلامى و التحريرى . ولكم كانت تصلنا بإنتظام – فى فريق الميدان السريّة – تعليقاته اللّماحة وملاحظاته الدقيقة الذكيّة .كان قائداً ديمقراطيّاً يوجّه و يقترح ولا “يأمر “. يرسل الخبر المكتمل والصحيح والتعليق الحصيف . ويصر – دوماً- علينا على معاملة رسائله بذات المنهج الذى تتعامل به هيئة التحرير مع رسائل كافة أعضاء وهيئات الحزب وحلقات قرّاء وأصدقاء الميدان. يقبل (التكليفات ) التى تصله من هيئة التحرير وينفّذها بصرامة وبروح الزمالة الحقّة والسرعة والدّقة المطلوبة . فهو مدرك لدور الصحافة فى التنوير والتثويروالتغيير.وله تقدير خاص للصحافة الملتزمة والمقاتلة والصادقة والمصادمة .ولهذا لم يكن مفاجئاً أن خصّ الصحفيين الشرفاء بالتحيّة فى كلمة إفتاح المؤتمر الخامس بقوله : ” التحيّة للصحافيين الذين إستلّوا أقلامهم دفاعاً عن شرف الكلمة ” .
مأثرة من مآثره وخصلة من خصائله الوفاء لأهل البذل والعطاء. فقد ظلّ – وبقى – وفيّاً لدم شهداء الحزب و وصاياهم . وحريصاً على رعاية أسرهم ( بقدر المستطاع ) .كما ظلّ وفيّاً و ممتنّاً لكل الأسر والبيوت التى إستضافته واستضافت (الكادر المختفى ) فى كل سنوات ( التخفّى و الإختفاء القسرى ). ويكفى أنّه القائل فى مفتتح المؤتمر الخامس : ” التحيّة للأسر التى فتحت لنا قلوبها قبل دورها ، فآوتنا طيلة سنى الدكتاتوريات “. و لو كان بيننا – اليوم – لجدّد ذات التحية والشكر والثناء لتلك الأسر الباسلة . ولهذا أشعر بمسئولية شخصيّة أن أعزّى فى فقده الكبير كل أهل كل البيوت التى ” إستضافت ” الضيف النبيل ( الخير ) ولاحقاً ( عبدالرحمن ) . فقد عاشرهم و ” مالحهم ” و ظلّ حريصاً على إحترام خصوصيتهم وحرمة منازلهم .وبقى أميناً ومحافظاً على أسرار البيوت التى سكنها. فليتقبّلوا منّا أصدق التعازى والعزاء. وقد رآهم الناس سائرين مكلومين بين الجموع فى موكب التشييع و ظلّوا ” عاصرين البرش ” فى بيت العزاء، يتقبّلون العزاء ، فهم بحق و حقيقة جزء أصيل من أسرته الكبيرة.فالفقد فقدهم وفقدنا أجمعين !.
غادر الإستاذ محمد إبراهيم نقد – السكرتير السياسى للحزب الشيوعى – تاركاً لنا وللأجيال القادمة أعظم الخصال التى قلّ ما تجتمع فى عقل وقلب وروح إنسان واحد !. ترك لنا تراثاً خيّراً وإرثاً عظيماً فى الوضوح و الشفافية والأدب والتواضع الجم . كما ترك لنا كنزاً كبيراً فى المعرفة والفكر وحسن القيادة والتدبير وسلامة التفكير ..والنبوغ الذى لا يعرف ” الأنا “. ترك لنا فضائلاً جمّة منها الثبات على المبدأ والقدرة على اتّخاذ الموقف الصحيح . والإستعداد للإعتذار عن الخطأ وبالصوت العالى المسموع. كما ترك لنا إرثاً عظيماً فى الشرف والعفّة فى القول والفعل .وإحترام الإختلاف و مشروعيته . والنأى عن الغلو فى الخصومة والعفو عند المقدرة .بفقده يفتقد الوطن الحكمة فى أروع و أنبل معانيها . فما أعظم الفقد و الفاجعة !.

تعليق واحد

  1. نعم كان رجلا اصيلا وكان غدوة وكان حكيما ومسامحا وعطوفا ونبيلا ومحسنا وبفقده فقدت البلاد
    رجلا قل ان يوجد .. له الرحمه والمغفرة وللسودان الصبر الجميل

  2. مقال مؤثر ورثاء مستحق لزعيم متجرد وهب كل حياته لخدمة بلاده وقضايا عامة الشعب والفقراء له الرحمة
    فقد كان الفقد أليماً ولكن الموت لايأتي بغتةً خاصةً في حالات الكبر والمرض مما يوجب التحسب دائماً.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..