غياب الحكمة والرغبة في الإنتقام حاضرة بين الساسة في دولتي السودان

وسط نداءات وقرارات المجتمع الدولي…. غياب الحكمة والرغبة في الإنتقام حاضرة بين الساسة في دولتي السودان

عمر موسي عمر ـ المحامي
[email][email protected][/email]

يبدو في الوقت الراهن أن لا صوت يعلوا فوق صوت البندقية وزخات الرصاص في دولتي السودان حتي وإن كان نتاج ذلك مزيداً من الضحايا وإبادة الأرواح وتدمير الإقتصاد في الدولتين وفي الوقت الذي تغيب فيه الحكمة بين الساسة في الدولتين المتحاربتين المتناحرتين ترتفع نداءات دولية تنادي الدولتين بوقف الإعتداءات بينهما والجلوس إلي التفاوض بحسبان أنه الطريق الوحيد للخروج بالدولتين من أزماتهما الإنسانية والإقتصادية الخانقة .. وعلي الرغم من الوصول لعلم القائمين علي الأمر أن الحرب ليست هي المفتاح أوالحلول لكل الأزمات المستعصية علي الدولتين لا يبدو في الوقت الحاضر أن النظام الإسلامي في الخرطوم وحزب الحركة الشعبية الحاكم في جوبا علي إستعداد للإستماع إلي صوت العقل بقدر إستعدادهم علي تصعيد وتيرة التوتر بينهما وقرع طبول الحرب حتي يباد الشعب في الدولتين عن بكرة أبيهم .
ثم وبعيداً عن خطرفات الإعلام الحكومي في الدولتين هنالك حقائق ماثلة للعيان تجسدها كل النداءات الدولية للمنظمات الدولية والإقليمية ..ذلك إنه وفي الوقت الذي يصدر فيه مجلس الأمن العديد من القرارات ليحث الدولتين علي وقف الإعتداءات بينهما وتنذر منظمة الوحدة الأفريقية الدولتين لمدة أقصاها ثلاثة اشهر حتي أغسطس للجلوس إلي مائدة الحوار يبدو إصرار الإعلام الرسمي في الدولتين علي إنكار اي إعتداء هو محاولة يائسة لخداع النفس لأن القرارات الدولية المعنية لا تنبت من فراغ لتاسيسها علي التقارير الصادقة من جهات محايدة والحال هكذا تبدو كل محاولات الإنكار هي محض هراء ودليل عبثية النظام في الدولتين .فما يحدث علي أرض الواقع حدوث إعتداءات منظمة بين الدولتين وعلي القائمين علي النظام في الخرطوم وجوبا البحث عن وسائل منع الإعتداء بينهما بدلاً عن الإجتهاد في إنكار الواقع الذي يدركه المجتمع الدولي الذي ليس لديه مصلحة في الكذب .
تساؤلات تبدو مهمة للشعب في الدولتين ماهذا الذي يحدث بين الدولتين حول رغبة كل منهما في تصعيد العداوة والبغضاء والشحناء بينهما ؟؟ دولة الجنوب تدعم متمردي تحالف كاودا في جنوب كردفان والنيل الأزرق بالمال والسلاح والعتاد وحكومة الشمال تدعم المتمردين علي النظام في جوبا بالسلاح والدعم اللوجستي .. دولة جنوب السودان تبادر في 10/4/2012م بإحتلال هجليج لتقوم حكومة الشمال بتحريرها في 20/4/2012م وسط إحتفالات صاخبة كأنها تبحث عن إنتصار ضائع في خضم كل الهزائم والعجز في مثلث حلايب والفشقة ويمنح ذلك الإحتفال دولة جنوب السودان الوليدة حجماً كبيراً أو حكومة الشمال حجماً أصغر ومن ثم لا تجد حكومة الشمال كما تذكر أجهزة الإعلام العالمية والقنوات الفضائية حرجاً في شن قارات جوية متتالية علي مدينة بانتيو بولاية الوحدة ثم تنفي عن نفسها التهمة وتنكرها .
وفي قراءة متأنية لنتائج العداوة بين الدولتين ومنذ إختلافهما في التفاوض حول رسوم عبور البترول من الجنوب شمالاً ووقف دولة الجنوب لضخ البترول شمالاً ماذا كسبت الدولتين من رغبتهما العارمة في عدم الإتفاق وإصرارهما علي إيجاد حل للتفاوض عبر فوهات البنادق ؟؟ النتيجة بكل المقاييس نتيجة كارثية علي إقتصاد الدولتين ..ذلك أنه وفي الوقت الذي تعاني فيه دولة جنوب السودان من إقتصاد علي شفا الإنهيار الكامل بإعتبار أنها تعتمد إعتماداً كاملاً علي إنتاج البترول في إقتصادها الوليد لا تبدو الدولة في الشمال أوفر حظاً من جارتها الجنوبية بعد تصاعد وتيرة التضخم وإنفلات الأسعار وإنهيار العملة الوطنية في مواجهة الدولار وما تبع ذلك من زيادة التكلفة في المواد الأولية للإنتاج في المصانع وزيادة السلع بصورة جنونية عجز معها شرائح عديدة من أفراد الشعب علي مجاراة الأسعار وقد غدا الوضع منذراً بكارثة إقتصادية وإنسانية يبدو من الصعب معالجتها في المستقبل المنظور .
وما يدعو للأسف والتحسر في آنٍ واحدٍ أن القيادة في الدولتين قد جعلت شغلها الشاغل وهاجسها الأول كيل السباب للدولة الأخري ومناصبتها العداء في محاولات يائسة للإنصراف عن القضايا العاجلة والملحة في الدولتين وكأن عداوة الدولة للأخري هي من أولويات السياسة والإقتصاد …وفيما تبدو القيادة في الدولتين عاجزة عن معالجة كل الملفات الحدودية العالقة بينهما فإن القيادة في الدولتين لا تمانع من إضافة الملف الأمني إلي الملفات الأخري . وبعيداً عن تصريحات النائب الأول لرئيس الجمهورية في دولة الشمال وفي بيانه الصاخب أمام المجلس الوطني للدولة في الأسبوع المنصرم والذي دعا فيه إلي إعلان حالة الطواريء علي طول الحدود بين الدولتين ومنع الغذاء عن التسلل إلي دولة الجنوب بعد أعتبارها دولة عدوة إسوة بإسرائيل منوهاً إلي أن التعليمات التي سوف تصدر للقوات هي إطلاق النار للقتل ( shoot to kill ( علي حد تعبيره ويجيء ذلك متسقاً مع إنفلات التعبيرات التي أطلقها رئيس الجمهورية بوصفه للحزب الحاكم (بالحشرة الشعبية ) وتصريحات الناطق الرسمي لحكومة الجنوب من أن وصف الرئيس البشير لنا بالحشرات هي في مضمونها( تعبير عن نزعته للإبادة الجماعية وهو ذات الوصف الذي أطلق في الحرب الأهلية في رواندا في منتصف التسعينيات ) ..نقول بعيداً عن كل هذه المهاترات السياسية بين الدولتين فإن ما يحدث يزيد هوة الخلاف بين الدولتين إتساعاً مع إزدياد دعوة الرئيس البشير إلي ( تحرير إخواننا ) في دولة الجنوب من ما أسماهم بـ ( الحشرة الشعبية ) في إشارة إلي إمكانية غزو دولة الجنوب ودخول جوبا وأن المجتمع الدولي سيجلس في مقاعد المتفرجين !! حتي تضع الحرب أوزارها بين الدولتين !! .
آخيراً وبالنظر إلي إنذار منظمة الوحدة الأفريقية للدولتين مهلة للتفاوض ودعوات المجتمع الدولي لدولة شمال السودان لوقف الغارات الجوية علي دولة الجنوب والقرار الرئاسي الصادر من مجلس الأمن في حق الدولتين وتصريحات ( سوزان رايس ) مندوبة الولايات المتحدة في مجلس الأمن يبدو تصريحات الساسة في دولة شمال السودان وجنوبه هي للإستهلاك المحلي فالجيش السوداني لن يغزو جوبا ودولة جنوب السودان لا تملك أدوات قلب نظام الحكم في الخرطوم وتبقي المواقف العدائية بين الطرفين هي محطة لن يقف عندها الطرفان طويلاً وستعمل الضغوط الدولية علي حملهما قسراً إلي كراسي التفاوض ..ولكن متي وأين ؟؟ فذلك مرهون علي قدرة الطرفين علي إستمرار العناد بينهما وقدرة الشعب في الدولتين علي إحتمال تردي الأوضاع الإقتصادية والغذائية وإستمرارها في التدهور في الدولتين وإلي حين ذلك الموعد المضروب تبقي مواقف الدولتين هي مضيعة للوقت وإهدار للموارد أو ما تبقي منها وتبقي إرادة المجتمع الدولي هي الغالبة.

عمر موسي عمر – المحامي

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..